لعل ما يقوم به الفنان عمرو النجمة هنا ليس خداعاً للبصر، بقدر ما هو رغبة في الاشتباك والتوليف بين الماضي والحاضر، وهي رغبة يؤججها ولعه القديم بالتكنولوجيا أو بألعاب الفيديو على نحو خاص. ومن هنا أيضاً تولد شغفه قبل سنوات بشخصيات ألعاب الفيديو المعروفة، التي كانت محوراً لتجربته الممتدة، هذه التجربة التي يعرض جانباً منها حالياً في غاليري مشربية في القاهرة.

ينظم المعرض تحت عنوان “ألعاب فيديو ونستالجيا”، وهو مستمر حتى الـ27 من نوفمبر (تشرين الثاني). يطالعنا النجمة في هذا المعرض بمجموعة من الأعمال المطبوعة لرسوم المنمنمات الإسلامية المعالجة والمعاد صوغها. هي نسخ مطبوعة من رسوم المنمنمات الشهيرة نفسها، لكننا حين نقترب منها ندرك المفارقة التي يصنعها الفنان. تجسد رسوم المنمنمات أساطير وحكايات وعلاقات اجتماعية ومعارك وحروباً، وتتتبع سيراً لشخصيات تاريخية. تتميز هذه الرسوم بدقتها وزخارفها وألوانها المميزة ونسقها الهندسي، إلى جانب توظيف الكتابة كوحدات زخرفية.

لكن الأمر هنا مختلف، فرسوم المنمنمات التي يعرضها الفنان عمرو النجمة تستدعي شخصيات أخرى إضافية من عالمنا، أو على وجه التحديد من عالم ألعاب الفيديو. يقحم الفنان هذه الشخصيات على هذه الأجواء التراثية التي تتسم بها رسوم المنمنمات. في هذه الرسوم المعالجة والمطبوعة على الورق نلمح ميكي ماوس، وهو يقفز بين مساحات الرسم، بينما تستخدم سلاحف النينجا مهارتها في القتال لمحاربة الأشرار كالمعتاد. في هذه الرسوم تقف شخصيات “المانغا” اليابانية إلى جانب الجيوش المدججة بالسلاح، تمتطي الجياد أو ترتقي ظهور الأفيال. نشاهد شخصيات الأنيمي وهي تشهر أسلحتها الألكترونية في مواجهة أبطال المنمنمات التي تقاتل بالسيوف والحراب. هنا يلتقي باتمان برجال البلاط السلطاني، بينما يغني مايكل جاكسون إحدى أغانيه على إيقاع العود. هو عالم خيالي، لكنه يحمل عدداً من الدلالات والعلاقات الرمزية.

يرى الفنان عمرو النجمة أن هناك تشابهاً كبيراً بين رسوم المنمنمات وألعاب الفيديو، فهي تتبع النسق البنائي نفسه تقريباً، وتتضمن محتوى خيالياً أو أسطورياً. انطلاقاً من فكرة التشابه هذه تعامل الفنان مع رسوم المنمنمات كقوالب جاهزة، يمكن أن يروي من خلالها ما يشاء من أساطير وحكايات خيالية معاصرة. في كل رسم من هذه الرسوم نجد تعريفاً مختصراً لكل شخصية من الشخصيات الرئيسة التي توظف. بين هذه الشخصيات مثلاً يطالعنا “سوبر ماريو”، وهو وبطل سلسلة من ألعاب الفيديو، وهو شخصية شجاعة ولديه شارب كبير، وهو خفيف الحركة ومغامر ومعروف بإحباط الأشرار، ويتعاون مع أخيه لويجي لإنقاذ أميرة مملكة الفطر. أما العدو الرئيس لسوبر ماريو فهو باوزر، وهو وحش يشبه سلحفاة عملاقة.

هذه الشخصيات الخيالية وغيرها كثيراً ما أثارت خيال الفنان عمرو النجمة وهو صغير، لذا قرر استعادتها من جديد في هذه الأعمال. في المعرض نرى مزيجاً من جماليات ألعاب الفيديو وفن المنمنمات الإسلامي التقليدي، مما يخلق محتوى بصرياً يربط بين ألعاب الفيديو ورواية القصص في الفنون الإسلامية. ألعاب الفيديو هنا ليست مجرد شكل من أشكال الترفيه كما يقول الفنان، فأثرها الرمزي يمتد إلى ما هو أبعد من حدود اللعب. ألعاب الفيديو هنا أشبه بالحياة نفسها، التي تبدو للفنان كخشبة مسرح نؤدي عليها أدواراً مختلفة كما يقول.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

عمرو النجمة فنان يمني ولد عام 1982 في الإسكندرية بمصر، ويقيم حالياً بين القاهرة ومدينة جدة السعودية. يعتمد النجمة في توجهه الفني على التعلم الذاتي، وبدأ الرسم في سن مبكرة وأصبح مهتماً بصورة متزايدة بالتجريب، باستخدام مواد مختلفة من التقليدية إلى الرقمية. يستخدم الفنان أجزاء الكمبيوتر والبرمجيات للبحث واستكشاف العلاقات بين العصر الرقمي والناس والمجتمع والعمارة والثقافة والدين والعلم والطب وتأثيراتها من منظور تحليلي ووصفي، يوظف الفنان الدوائر الإلكترونية في أعماله ويحررها من وظائفها الأصلية ويقدم مفاهيم وأبعاد تتناسب مع منظوره الفني، كما أن لديه اهتماماً خاصاً بالأعمال المفاهيمية والتركيبات والوسائط الرقمية التي تعكس ثقافة المجتمع ورؤيته الشخصية.

نقلاً عن : اندبندنت عربية