لم يقدم المرشحان الرئاسيان كامالا هاريس ودونالد ترمب أية سياسات وإستراتيجيات في مجال الطاقة بعد، ولكن علينا أن نتذكر قاعدة مهمة وهي أن “عدم وجود سياسة هو سياسة بحد ذاته”! بالنسبة إلى هاريس، هناك قانون محاربة التضخم، الذي يحوي جزءاً كبيراً من سياسات الطاقة للديمقراطيين، لذا فإن سياسة الطاقة موجودة أصلاً في أرض الواقع، ولا تحتاج هاريس إلى سياسة جديدة. وإذا فاز الجمهوريون بالبيوت الثلاثة، البيت الأبيض والكونغرس ومجلس الشيوخ، فإن أول ما سيقومون به هو إلغاء قانون مكافحة التضخم، إذ أنه لم يصوت أي جمهوري لمصلحة هذا القانون، وكانت نتيجة التصويت في مجلس الشيوخ 50-50، إلا أنه أصبح قانوناً لأن كامالا هاريس، نائبة الرئيس، هي التي كسرت التعادل بتصويتها لمصلحة القانون. ووفقاً للتشريعات الأميركية، فإن أي تصويت في مجلس الشيوخ ينتهي بالتعادل يمكن لنائب الرئيس أن يكسر هذا التعادل لمصلحة أحد الطرفين. 

محتوى قانون مكافحة التضخم يختلف تماماً عن اسمه، إذ أنه يحوي إنفاقاً بمئات المليارات على الطاقة المتجددة والسيارات الكهربائية وشواحن السيارات الكهربائية، لهذا لم يصوت له الجمهوريون. وإذا فاز الجمهوريون، وألغوا القانون، فإن هذا هو محور سياسة ترمب في الطاقة القائمة على رفض الدعم الضخم للطاقة المتجددة والسيارات الكهربائية، ودعم صناعة النفط والغاز. 

وكانت كامالا هاريس قد أعلنت في 2020 أنها ضد التكسير المائي، وهي التقنية المستخدمة في أحواض الصخري لتسهيل انسياب النفط والغاز إلى الآبار. إلا أنها أخيراً أعلنت أنها لا تعارضه، مما أثار لغطاً كثيراً ضمن الديمقراطيين والجمهوريين. وحقيقة الأمر أن تراجع هاريس عن موقفها من التكسير المائي كان متوقعاً وطبيعياً. فقد فعلها بايدن من قبل عندما وعد بوقف التكسير المائي، كما وعد بقتل وإنهاء صناعة النفط. ولكن عندما أصبح رئيساً تغير الوضع بالكامل. ففي عهده ارتفع إنتاج النفط الأميركي إلى أعلى مستوى له في التاريخ، وأصبحت الولايات أكبر دولة منتجة في العالم للنفط والغاز والغاز المسال.  من ناحية أخرى، الرئيس يأتي إلى اقتصاد ونظام موجودين، لذا فإن الإطار العام لهذا الاقتصاد والنظام يحكم تصرفات الرئيس، ولكن يترك له نطاقاً معيناً يمكنه التحرك خلاله بقرارات رئاسية، يمكن الحد منها بوقوف الكونغرس ضدها أو تحديها في المحاكم الفيدرالية. 

مثال بسيط على ذلك، تحول الطالب المشاغب إلى مدرس، فجأة يقوم بتطبيق القوانين التي كان يحاربها أو ينتقدها سابقاً. أضف إلى ذلك أنه ليس لدى هاريس خيار سوى التراجع عن موقفها السابق من التكسير المائي لسبب بسيط، ولاية بنسلفانيا من الولايات الحاسمة في الانتخابات، وهي من أكبر منتجي الغاز في الولايات المتحدة لوجود حقل مارسيلاس فيها، الذي تم تطويره بتقنية التكسير المائي.

الغاز المسال

وبالتناقض نفسه في كلام هاريس في شأن التكسير المائي، نجد أن بايدن وهاريس يؤيدان الغاز المسال، بينما قامت إدارتهما بوقف إعطاء التصريحات لبناء محطات غاز مسال موقتاً لأسباب بيئية وتنظيمية. لهذا وعد ترمب أن أول ما سيقوم به بعد تسلمه الرئاسة هو إلغاء قرار الإيقاف. وحقيقة الأمر أن كلاً من ترمب وهاريس يؤيد صادرات الغاز المسال، التي أصبحت جزءاً من سياسة الولايات المتحدة الخارجية، وأداة مهمة في حروبها التجارية والفعلية، ويتفق الجميع على ذلك. وكان ترمب يروج لصناعة الغاز المسال في أوروبا أثناء فترة رئاسته، واستمر بايدن على الخط نفسه. 

قرار بايدن وقف منح التصاريح موقتاً كانت خطوة مهمة قبل الانتخابات بسبب بلوغ إنتاج الغاز المسال أعلى مستوى له في التاريخ وأصبحت الولايات المتحدة أكبر مصدّر في العالم، مما أثار حفيظة أتباع بايدن من حماة البيئة. ولو نظرنا إلى التفاصيل نجد أن وقف منح التصاريح لا يؤثر على الإطلاق في الإمدادات الحالية ولا المشاريع المرخصة خلال الأعوام الثلاثة المقبلة. لهذا فهي لعبة انتخابية موقتة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أسعار النفط

يرى كثير من الديمقراطيين أنه يجب رفع أسعار النفط والغاز بصورة كبيرة، حتى لو كان ذلك من طريق فرض ضرائب عالية،  كي يخسروا ميزتهم التنافسية، مما يشجع على الاستثمار في الطاقة المتجددة من جهة، ويشجع على استخدامها من جهة أخرى. إلا أن أسعار النفط المرتفعة، إما بسبب قوى السوق أو الضرائب، تتنافى مع السياسات الاقتصادية الداعمة للنمو الاقتصادي وخلق الوظائف، لهذا يقبلون بأسعار معتدلة. والأمر الواضح أن هاريس وحزبها الديمقراطي سيحاربان بشدة أسعار النفط المنخفضة بسبب تهديدها لسياسات التغير الطاقي وإستراتيجيات محاربة التغير المناخي.

ترمب مهووس بانخفاض أسعار الطاقة، والنفط تحديداً، وهو يكنّ كرهاً شديداً لصناعة النفط ويلومها على أكبر حالتي إفلاس في حياته. المشكلة أن انخفاض الأسعار لا يشجع على الاستثمار.   وتجربة صناعة النفط والدول النفطية مع ترمب عندما كان رئيساً “سيئة”، وخسرت الصناعة مئات مليارات الدولارات في عهده. 

وسيواجه ترمب مشكلة كبيرة في خفض أسعار النفط لأن إلغاء قانون محاربة التضخم وإلغاء الإعانات للطاقة المتجددة والسيارات الكهربائية، يعني بالضرورة زيادة الطلب على النفط والغاز، وهذا سيرفع أسعارهما.

السيارات الكهربائية

تاريخياً، صوتت نقابات العمال للديمقراطيين، كما أن ولاية ميشيغان، عاصمة السيارات الأميركية، حاسمة في موضوع الانتخابات لدرجة انتشار مقولة إن من يفوز بميشيغان يفوز بالبيت الأبيض. قانون محاربة التضخم المذكور سابقاً يجبر بصورة غير مباشرة شركتي “جي إم” و”فورد” على التحول لإنتاج السيارات الكهربائية، وقدمت إدارة بايدن إعانات مليارية للشركتين لتحول خطوط إنتاجهما لتصنيع السيارات الكهربائية.  

هناك فرصة كبيرة لترمب لكسب أصوات نقابات عمال السيارات لسبب يتعلق بالتقنية، التحول للسيارات الكهربائية يعني تسريح عشرات آلاف وربما مئات آلاف من العمال، لأن محركات السيارات الكهربائية لا تتطلب مئات من قطع الغيار التي توجد في محرك البنزين والديزل، وهذا يعني إغلاق مصانع قطع الغيار وتسريح عدد ضخم من العمال!

كما أن ترمب ينوي فرض ضرائب جمركية عالية على واردات السيارات الكهربائية من الصين، أعلى من التي تفرضها هاريس، وهذا يساعد، نظرياً في الأقل، في زيادة الطلب على السيارات الأميركية الصنع. 

ختاماً، إذا فاز ترمب فإنه قد يقوم مرة أخرى بسحب الولايات المتحدة من اتفاقات المناخ الدولية، والتضييق على المنظمات الداعمة لقوة لمحاربة التغير المناخي، بما في ذلك الأمم المتحدة ووكالة الطاقة الدولية. وواقع الأمر أن الأرض خصبة حالياً في الكونغرس الأميركي لتهديد وكالة الطاقة الدولية بسحب الدعم المالي الأميركي لتحولها عن أهدافها الأساسية المتعلقة بأمن الطاقة. بينما إذا فازت هاريس فإن الولايات المتحدة ستقود اتفاقات المناخ الدولية، وستفرض شروطاً مناخية على كل الدول التي تحصل على إعانات أو قروض من الولايات المتحدة وصندوق النقد الدولي وعلى الدول التي تصدر منتجاتها للولايات المتحدة.

نقلاً عن : اندبندنت عربية