أول رحلة فضاء تجارية ينفذها طاقم رواد بولاريس دون

قبيل فجر يوم ليس ببعيد سيعتلي أربعة مدنيين قمة صاروخ يزيد طوله على 80 متراً، وينطلق بهم في مهمة تذهب بهم إلى أبعد مما بلغه سفر أي إنسان خلال ما يربو على نصف قرن. [تأجلت رحلة “بولاريس دون” من الثلاثاء الـ27 من أغسطس (آب) الماضي إلى الجمعة السادس من سبتمبر (أيلول) المقبل].

وقد نهضت شركة “سبايس إكس” [يملكها إيلون ماسك] مهمة “بولاريس دون” التي مولها الملياردير جاريد آيزكمان. وتعد الحلقة الأحدث في سلسلة من المغامرات التجارية التي تسعى إلى فتح أبواب الفضاء أمام كل ثري يملك ما يكفي كي يدفع ثمن ذلك. مجموعة سابقة من رحلات الفضاء التجارية كانت أثبتت أنها مثيرة للانقسام. فثمة من يمتدحها بوصفها بشارة حقبة جديدة في الوصول إلى الفضاء، فيما يسخفها آخرون بوصفها الحماقة الأخيرة لأصحاب المليارات المدللين.

هذا وتعد “بولاريس دون” قفزة عملاقة بالمقارنة مع الرحلات المبهجة الساعية إلى المجد في الوصول إلى حافة الفضاء الخارجي، التي انغمس فيها جيف بيزوس وريتشارد برانسون اللذان بددا ملياراتهما على محاولات غير مقنعة كي ينالا لنفسهما تسمية رواد فضاء (على رغم أن “بلو أوريجن” تشير إلى بيزوس تكراراً بوصفه “رائد فضاء دولياً” خلال رحلة الدقائق العشر التي حملته إلى “خط كارامان” خلال عام 2021، إلا أن الرحلة فشلت في تلبية المتطلبات التي وضعتها “الإدارة الفيدرالية الأميركية للطيران”. وتنص تلك المتطلبات على ضرورة أن يشارك أعضاء الطاقم المسافر في نشاطات تؤدي “دوراً حيوياً بالنسبة إلى أمن العموم أو المساهمة في مأمونية رحلات الفضاء الإنسانية”).

في المقابل، ستقطع “بولاريس دون” أكثر من 10 أضعاف المسافة التي قطعتها “بلو أوريجن” أو “فيرجن غالاكتيك”، وستستمر رحلتها أياماً وليس دقائق. وفي ما يتخطى مجرد امتلاك طاقم الرواد مشهداً جميلاً تورد “سبايس إكس” أن هذه المهمة ستعطي “رؤى عميقة عن مهام المستقبل على طريق جعل حياة البشر متعددة الكواكب [بدل اقتصارها على الكرة الأرضية]”، في تلميح إلى طموح ماسك لغزو المريخ وسكناه.

ومع ارتدائهم بزات فضاء جديدة سيخرج الطاقم إلى حزام “فان آلين” الذي يبعد ألف كيلومتر من الأرض، معرضين أنفسهم إلى تركيزات عالية من الأشعة، أثناء تنفيذهم مهمة تجارية للسير في الفضاء.

 

وفي أول اختبار فعلي في الحياة الحقيقية لبذلات “النشاط خارج المركبات” Extra Vehicular Activity واختصاراً “إي يو في” EVA، التي صنعت من مجموعة المواد نفسها الموجودة في صاروخ “فالكون 9” الذي سيحملهم إلى الفضاء. وإنها البذلات نفسها التي تأمل شركة “سبايس إكس” في استخدامها مجدداً خلال مهمات فضاء مستقبلية إلى القمر ستمول جزئياً بأموال دافعي الضرائب الأميركيين عبر برنامج “آرتيمس” لوكالة الفضاء “ناسا”. وقد تجد تلك البذلات نفسها مستخدمة من أوائل البشر ممن سيستوطنون المريخ.

وكذلك ستشهد مهمة “بولاريس دون” مجموعة من الأشياء التي تحدث للمرة الأولى. وستغدو أول رحلة فضاء تجارية تتضمن سيراً حراً في الفضاء، وكذلك أعلى ارتفاع في رحلة فضائية تبلغها أية امرأة، إذ يشمل طاقم المركبة اثنتين من الإناث هما آنا منون وسارة جيليس، وكانت كلتاهما موظفة في “سبايس إكس”. وسيصل الطاقم إلى أقصى ارتفاع سجله بشر منذ رحلة “أبولو 17” عام 1972 التي كانت آخر رحلة لبشر إلى ما بعد المدار الفضائي المنخفض حول الأرض.

وبحسب ما نقله إلى “اندبندنت” مؤرخ للفضاء في جامعة شيكاغو ومؤلف كتاب “بانتظار رائد الفضاء” غوردن بيم “يعمل جاريد آيزكمان على رفع مستوى رحلات الفضاء التجارية من المغامرة الممتعة إلى العمل العلمي الجدي والاستكشاف الجريء. وقد دأب آيزكمان على الطلب من “ناسا” السماح له بتنفيذ مهمة فضاء تجارية تصل إلى تلسكوب الفضاء هابل، بغية تمديد مدة استمراره في عمله. وحاضراً، لا تؤيد “ناسا” هذا الخيار لكن الجمع بين الوصول إلى مدار شاهق الارتفاع والمشي في الفضاء، يعني بجلاء الترويج لمكونين من مثل تلك المهمة [الوصول إلى تلسكوب هابل]”.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأثناء دورانها حول الأرض سينفذ طاقم “بولاريس دون” أيضاً أول اختبار تاريخي لخدمة شبكة “ستارلينك” للإنترنت التي صنعتها شركة “سبايس إكس”، مما يحمل إمكانية إعطاء الطاقم ورواد المستقبل أيضاً، الوصول إلى شبكة إنترنت عالية السرعة وبحزم عريضة، خلال الوجود في حال انعدام جاذبية.

وفي المحصلة، سيسعى طاقم رواد “بولاريس دون” إلى تنفيذ 36 دراسة بحثية وتجربة علمية أثناء تنفيذه تلك المهمة، وتندرج كلها ضمن السعي إلى تطوير رحلات الفضاء المأهولة بشرياً وتحسين الفهم العلمي. ويضاف إلى تلك الأمور مجموعة من الأشياء التي تحدث للمرة الأولى مع ما تتضمنه من أخطار، مما يجعل “بولاريس دون” مهمة استكشاف جريئة بصورة أصيلة.

ووفق مدير “مرصد كييله” في جامعة كييله جاكو فان لوون فإن “’بولاريس دون‘ تقدم مثلاً آخر على أن المشاريع الاستثمارية للقطاع الخاص توسع آفاق استكشاف الفضاء. إن قصة نجاح ’سبايس إكس‘ تبدو كأنها لا تنتهي. وإضافة إلى الإثارة هنالك أيضاً أهمية البحث المتعلق بصحة الإنسان، متمثلة في حملة تبرعات لمصلحة مستشفى للأطفال والالتزام بالتوازن بين الجنسين”.

بالتالي، فيما قد يكون آيزكمان (وربما لا) غير مختلف في دوافعه عن أصحاب المليارت ممن لديهم تضخماً في الـ”أنا”، إلا أن أفعاله ستتكفل في الأقل بإعطاء دفعة مؤثرة إلى الأمام لمغامرة استكشاف الفضاء. ولذا، سيستطيع أن يدعو نفسه رائد فضاء.

نقلاً عن : اندبندنت عربية