إجازة ضرب عمق روسيا تهز الاستقرار النووي وليس مصير الحرب في أوكرانيا

قطعت أوكرانيا الشك باليقين يوم الـ19 من نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري، في شأن سماح الرئيس الأميركي جو بايدن، الذي بقي له شهرين في منصبه، لها بإطلاق صواريخ “أتاكمز” الأميركية طويلة المدى إلى عمق الأراضي الروسية، وقصفت منطقة بريانسك الروسية الثلاثاء الماضي بستة صواريخ من هذا الطراز، تمكنت روسيا من إسقاط خمسة منها، بينما وصل السادس على رغم اعتراضه إلى ثكنة عسكرية وأضرم النار فيها.
وجاء هذا القصف الصاروخي الأول من نوعه للأراضي الروسية بصواريخ أميركية باليستية، بعد أقل من يومين من كشف صحيفة “نيويورك تايمز” مساء الأحد في الـ17 من نوفمبر الحالي نقلاً عن مصادر مطلعة، عن أن بايدن منح كييف حق استخدام هذه الصواريخ الثقيلة في هذه المرحلة لشن هجمات على مقاطعة كورسك الروسية الحدودية، مع إمكان توسيعها لاحقاً إلى مناطق روسية أخرى.
لم تؤكد السلطات الأميركية هذه المعلومة رسمياً، لكنها لم تنفها أيضاً، وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حذر سابقاً من أن رفع الحظر المفروض على أوكرانيا لضرب عمق الأراضي الروسية بأسلحة غربية بعيدة المدى سيعني التورط المباشر لدول الناتو في الصراع العسكري الدائر في أوكرانيا، وهذا من شأنه أن “يغير بصورة كبيرة” جوهره.

تغيير جوهر الصراع

وسمح بايدن للمرة الأولى منذ اندلاع الحرب قبل 33 شهراً لأوكرانيا باستخدام الصواريخ طويلة المدى التي زودتها بها الولايات المتحدة لضرب عمق الأراضي الروسية، ووفقاً لمسؤولين أميركيين، لم تذكر “نيويورك تايمز” أسماءهم، فإن “هذه الصواريخ التي يصل مداها إلى نحو 300 كيلومتر ستستخدم على الأرجح في البداية ضد القوات الروسية والكورية الشمالية، دفاعاً عن القوات الأوكرانية في منطقة كورسك”.
ووصفت الصحيفة قرار جو بايدن، الذي بقي له شهرين في ولايته الرئاسية، بأنه “تغيير كبير في سياسة الولايات المتحدة”. وبحسب “نيويورك تايمز” فإن هذه الخطوة تسببت في خلافات بين مستشاري رئيس الدولة الحالي، وباعتراضات من فريق الرئيس المنتخب دونالد ترمب، وأوضحت الصحيفة أن بايدن وافق على هذا القرار الخطر، “رداً على قرار روسيا غير المتوقع بإشراك قوات كورية شمالية في المعركة”.

وعلى وجه التحديد، قال المسؤولون الذين لم تذكر الصحيفة أسماءهم، إن تغيير السياسة الأميركية في هذا الخصوص يجب أن “يوضح للكوريين الشماليين أن قواتهم معرضة للخطر وأن عليهم ألا يزيدوا أعدادهم”.
وجاء هذا التطور على رغم أن السلطات الروسية لا تؤكد معلومات المسؤولين الغربيين بأن القوات المسلحة الكورية الشمالية متورطة بأي شكل من الأشكال في منطقة العمليات العسكرية الخاصة في أوكرانيا.
واستبقت وكالة “رويترز” قصف القوات الأوكرانية لمقاطعة بريانسك الثلاثاء الماضي، بالنقل عن مصادرها أن أوكرانيا قد تشن أول ضربة بصواريخ أميركية بعيدة المدى على الأراضي الروسية “في الأيام القليلة المقبلة”. ويؤكد محاورو صحيفة “نيويورك تايمز” أن “مسؤولين أميركيين يخشون من أن استخدام أوكرانيا لصواريخ أتاكمز ضد الأراضي الروسية قد يدفع الرئيس بوتين إلى اتخاذ إجراءات عسكرية انتقامية ضد الولايات المتحدة وشركائها في حلف شمال الأطلسي”، ومع ذلك “يرى مسؤولون أميركيون آخرون أن هذه المخاوف مبالغ فيها”، كما نقلت الصحيفة.
ورفض بايدن نفسه الأحد الماضي الرد على أسئلة الصحافيين المرافقين له في قمة مجموعة الـ20 في البرازيل في شأن قرار الموافقة على توجيه ضربات بأسلحة أميركية بعيدة المدى إلى الأراضي الروسية.
وفي الـ15 من نوفمبر الجاري قال مستشار الأمن القومي الرئاسي الأميركي جيك سوليفان إن واشنطن مع حلفائها سترد على موسكو “بقرارات سياسية منسقة”، على مشاركة جيش كوريا الشمالية في الأعمال العدائية في منطقة العمليات العسكرية الخاصة.
في هذه الأثناء ذكرت صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية، مساء الأحد الماضي، أن السلطات الفرنسية والبريطانية “سمحت أيضاً لأوكرانيا بشن ضربات في عمق الأراضي الروسية باستخدام صواريخ SCALP “سكالب” و”ستورم شادو” لكن لا يوجد تأكيد رسمي لهذه المعلومات حتى الآن.
وبحلول صباح يوم الـ18 من نوفمبر، تمت إزالة المعلومات المتعلقة بمنح الإذن من لندن وباريس بإطلاق صواريخ أوروبية على روسيا من مادة “لوفيغارو”.

روسيا تحذر

من جهته حذر بوتين في سبتمبر (أيلول) الماضي من أن رفع الحظر المفروض على ضرب أوكرانيا في عمق الأراضي الروسية بأسلحة غربية بعيدة المدى، يعني إشراك دول الناتو بصورة مباشرة في صراع عسكري، ومن شأنه أن “يغير بصورة كبيرة” جوهر هذا الصراع. ووفقاً له فإن الجيش الأوكراني غير قادر على توجيه ضربات بأنظمة حديثة بعيدة المدى وعالية الدقة مصنوعة في الغرب، “إنها لا تستطيع أن تفعل هذا. وهذا ممكن فقط باستخدام البيانات الاستخبارية من الأقمار الاصطناعية، التي لا تملكها أوكرانيا، وهذه بيانات تأتي فقط من الأقمار الاصطناعية لحلف شمال الأطلسي”. وأشار الرئيس الروسي آنذاك إلى أن “مهمات إطلاق أنظمة الصواريخ هذه لا يمكن تنفيذها في الواقع إلا من أفراد عسكريين من دول الناتو، إذ لا يمكن لأفراد الجيش الأوكراني أن يفعلوا ذلك”.
واعتبر بوتين أيضاً أن “الأمر لا يتعلق بالسماح للنظام الأوكراني بضرب روسيا بهذه الأسلحة أو عدم السماح بذلك”، وشدد على أن “النقطة المهمة هي اتخاذ قرار في شأن ما إذا كانت دول الناتو متورطة بصورة مباشرة في الصراع العسكري أم لا”. ووفقاً لبوتين فإن هذا سيعني أن “دول الناتو والولايات المتحدة والدول الأوروبية في حالة حرب مع روسيا”، وحذر قائلاً “إذا كان الأمر كذلك، فمع الأخذ في الاعتبار التغيير في جوهر هذا الصراع، سنتخذ القرارات المناسبة على أساس التهديدات التي ستنشأ بالنسبة إلينا”.

خطوة نحو بداية حرب عالمية ثالثة؟

واعتبر المشرعون والخبراء الروس قرار جو بايدن في شأن صواريخ “أتاكمز” بمثابة خطوة نحو التصعيد، ومحاولة لجعل الحياة أكثر صعوبة بالنسبة إلى الرئيس الأميركي المقبل دونالد ترمب.
وقال النائب الأول لرئيس لجنة مجلس الاتحاد للشؤون الدولية فلاديمير جاباروف، “أعتقد أنهم لن يفاجئونا، أنا أؤمن بذلك. ومع ذلك فهذه خطوة غير مسبوقة، هذه خطوة كبيرة جداً نحو بداية الحرب العالمية الثالثة، وسيفعلها الأميركيون بأيدي الرجل العجوز الراحل، الذي لن يكون مسؤولاً عن أي شيء خلال شهرين، وعبثاً يرتكب الديمقراطيون وهذا العجوز المنتهية ولايته مثل هذا الاستفزاز القذر، مما يقلل بشكل أساس من درجة حرية ترمب، وستكون الضربة الانتقامية على هذا النحو، إذ يمكن هدم جميع مراكز صنع القرار في أوكرانيا وجميع الجسور عبر نهر الدنيبر”.
كذلك كتب رئيس اللجنة الدستورية لمجلس الاتحاد أندريه كليشاس، في قناته على “تيليغرام”، “لقد قرر الغرب مثل هذا المستوى من التصعيد الذي قد يؤدي إلى الخسارة الكاملة للدولة على يد فلول أوكرانيا”.
أما رئيس لجنة مجلس الدوما للشؤون الدولية زعيم الحزب الليبرالي الديمقراطي ليونيد سلوتسكي فاعتبر في تعليق أن “الهجمات بالصواريخ الأميركية في عمق المناطق الروسية ستؤدي حتماً إلى تصعيد خطر، مما يهدد بعواقب أكثر خطورة بكثير، ولا يمكن لإدارة بايدن إلا أن تفهم أنها تترك فريق ترمب أمام مشكلة حل ليس فقط الصراع الأوكراني، بل أيضاً صراعاً أكثر إلحاحاً وهو منع المواجهة العالمية”.
كما قال عضو هيئة رئاسة مجلس السياسة الخارجية والدفاع أندريه إيلنيتسكي، “أولاً نحتاج إلى معرفة ما إذا كان هذا القرار مزيفاً أم استفزازياً”، وتابع “لقد أحرق نظام كييف احتياطاته الاستراتيجية وأفضل ألويته هناك في كورسك. والآن يحتاج إلى استفزاز ورفع الرهانات التفاوضية من أجل تبرير وجوده للأسياد الخارجيين والنازيين في الداخل، وهذا الموقف قصير النظر للغاية. إنه يؤدي إلى انهيار وتدهور ليس فقط القوات المسلحة لأوكرانيا، ولكن أيضاً بقايا الدولة على الأراضي الأوكرانية المتبقية تحت سيطرته”.
وختم قائلاً “سينهارون، ولن يؤدي ذلك إلا إلى تسريع هجرة الغرب وهزيمة الغرب في أوكرانيا. المدى الطويل هو النهاية، ولن يساعدهم، محكوم عليهم بالفشل”.
رئيس تحرير مجلة “روسيا في الشؤون العالمية” فيودور لوكيانوف كتب في قناته على “تيليغرام”، أن “الجد الكبير في السن (في إشارة إلى بايدن) لا يهتم. بتعبير أدق، على العكس من ذلك فهو يهتم. ويتعين عليه أن يجعل من الصعب قدر الإمكان على البيت الأبيض المقبل تغيير سياسته، حتى لو أراد ذلك.”
الباحث في مركز الأمن الدولي ديمتري ستيفانوفيتش أشار إلى أن “هناك بعض التشابه مع الوضع في الربيع وأوائل الصيف، عندما أصدر هذا الإذن في سياق هجوم القوات الروسية على منطقة خاركيف. والآن اتضح أنه أعلن ضرورة احتواء الهجوم الروسي المضاد في منطقة كورسك، بصورة عامة نحن نتحدث عن “المؤامرات” التكتيكية، وفي الوقت نفسه يمكننا أن نلاحظ نوعاً من النجاح الاستراتيجي الذي حققته كييف من حيث تهيئة الظروف لجر الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي إلى مواجهة مسلحة مباشرة مع روسيا، وإن كان ذلك على حساب الهزائم على المستوى العملياتي.

قلق أميركي

في الولايات المتحدة نظر إلى قرار الرئيس جو بايدن بصورة سلبية من كثيرين، وهكذا اتهم دونالد ترمب جونيور، نجل الرئيس الأميركي المنتخب، المجمع الصناعي العسكري في البلاد بالسعي إلى التصعيد. “يبدو أن المجمع الصناعي العسكري يريد إشعال الحرب العالمية الثالثة قبل أن يتمكن والدي من تحقيق السلام وإنقاذ الأرواح، نحن بحاجة إلى تأمين تريليونات الدولارات من الدخل. حياة الناس؟ إنهم لا يهتمون! بلهاء”، بحسب ما كتب على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي “إكس” (تويتر سابقاً).
بدوره اتفق رجل الأعمال الأميركي إيلون ماسك، المقرب من ترمب، مع رأي أحد مستخدمي “إكس” بأن “الليبراليين يحبون الحرب”، وهو ما يفيد “الحكومة الكبيرة”، وعلق على المنشور المقابل قائلاً “هذا صحيح”.
ورفض متحدث باسم الإدارة الانتقالية لدونالد ترمب الأحد الماضي التعليق بالتفصيل لشبكة “سي أن أن” على التقارير المتعلقة بقرار جو بايدن في شأن صواريخ “أتاكمز”، وقال مدير الاتصالات في مكتب ترمب ستيفن تشونغ للقناة التلفزيوني، إن “الرئيس ترمب كما قال خلال الحملة الانتخابية، هو الشخص الوحيد الذي يمكنه جلب طرفي الصراع إلى الطاولة للتفاوض على السلام”، لكنه كما جاء في القصة المقابلة لم يجب عن سؤال ما إذا كان ترمب أو مستشاروه تلقوا تحذيراً مسبقاً من إدارة بايدن في شأن القرار حول الصواريخ. وقالت شبكة “سي أن أن” إنه “قد يعتقد الرئيس المنتخب دونالد ترمب أنه يعرف كيف يتحدث عن السلام، لكنه سيرث حرباً أصبحت أخطارها أعلى بكثير ،ويمثل القرار تحولاً كبيراً في السياسة الأميركية ويأتي في وقت يستعد فيه بايدن لترك منصبه وتعهد ترمب بكبح الدعم الأميركي لأوكرانيا وإنهاء الصراع بأسرع وقت ممكن. وقالت النائب الأميركية مارجوري تايلور غرين إنه “مع مغادرته منصبه، يقوم جو بايدن بمحاولة خطرة لإشعال حرب عالمية ثالثة من خلال السماح لأوكرانيا باستخدام الصواريخ الأميركية بعيدة المدى لضرب روسيا”، وقالت “لقد مهد جو بايدن للتو الطريق للحرب العالمية الثالثة، دعونا نصلي جميعاً حتى لا يصل الأمر إلى ذلك”، مؤكدة أن الانتخابات الرئاسية أظهرت إحجام الأميركيين عن “تمويل أو خوض الحروب الخارجية” وعزمهم على حل مشكلاتهم الخاصة.

ولا يزال الوضع رهن نقاش غير معلن، فالمسؤولون الأميركيون يتوقفون موقتاً، على ما يبدو من أجل النظر في رد فعل موسكو واتخاذ القرار .ومع ذلك يهاجم أنصار ترمب، بايدن لأنه سمح لأوكرانيا باستخدام الصواريخ الأميركية ضد الأراضي الروسية ولسعيه، بحسبهم، لإشعال حرب عالمية ثالثة بسبب هذا.
وذكرت صحيفة “الغارديان” أن أنصار ترمب الرئيسين، بما في ذلك ابنه دونالد ترمب جونيور، والجمهوريون المتشددون في الكونغرس وغيرهم من المؤيدين، اتهموا بايدن بالسعي إلى إشعال حرب عالمية ثالثة قبل تنصيب ترمب في يناير (كانون الثاني) المقبل.

وكتب ريتشارد غرينيل، القائم بأعمال مدير المخابرات الوطنية السابق خلال فترة ولاية ترمب الأولى، الذي كان يعتبر مرشحاً محتملاً لمنصب وزير الخارجية، “يبدو الأمر كما لو أن (بايدن) بدأ حرباً جديدة تماماً. الآن تغير كل شيء، كل الحسابات السابقة باطلة”.
لكن المتحدث باسم وزارة الخارجية ماثيو ميلر دافع عن القرار خلال مؤتمر صحافي الإثنين الماضي، قائلاً إن “الشعب الأميركي انتخب جو بايدن لفترة أربع سنوات، وليس ثلاث سنوات و10 أشهر، وسنستخدم كل يوم من ولايتنا لمواصلة جهودنا. جهود السياسة الخارجية، والمصالح السياسية في رأينا، هي في مصلحة الشعب الأميركي”.
لأشهر عدة كانت هناك مناقشات بين البيت الأبيض ووزارة الخارجية والحلفاء الأوروبيين حول ما إذا كان سيسمح بضربات على الأراضي الروسية، ومما لا شك فيه أن قرار البيت الأبيض سيشكل معضلة للإدارة الجديدة، حول ما إذا كان يجب إلغاء التصريح فوراً بعد تنصيب ترمب أو الاحتفاظ به كورقة مساومة محتملة في المفاوضات التي قال الرئيس المنتخب إنه يريد متابعتها لإنهاء القتال، بحسب ما كتبت صحيفة “الغارديان”.
وبينما دان ترمب وحلفاؤه على نطاق واسع زيادة الدعم العسكري والمساعدات المالية للحكومة الأوكرانية، قال محللون إنه من غير الواضح ما إذا كان ترمب سيتخذ خطوات فورية لإلغاء القرار في شأن الصواريخ طويلة المدى.
وقال مارك كانسيان، أحد كبار المستشارين في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، وهو مركز أبحاث مقره واشنطن “في اليوم الأول، يمكنهم الإعلان: سنعلق هذا التصريح في انتظار مراجعة السياسة تجاه أوكرانيا. ومن شأن ذلك أن يفتح كثيراً من الانتقادات ويحيي كل هذه القصص حول نوع ما من الصفقات مع بوتين”. وتابع كانسيان أنه “ليس مؤكداً أن ترمب سيتراجع عن قراره على الفور”، وأضاف “أولاً وقبل كل شيء، التكاليف السياسية ببساطة لا تستحق المكاسب، لكن ترمب أيضاً صانع صفقات، وهذا يعني التنازل عن شيء ما من دون الحصول على أي شيء في المقابل، البدء بالتنازلات هو ببساطة تكتيك تفاوضي سيئ”.
ويمكن لقرار البيت الأبيض أيضاً أن يشجع الحلفاء الأوروبيين، الذين لديهم قيود مماثلة على استخدام صواريخهم طويلة المدى في أوكرانيا، على أن يحذوا حذوه، إذ قال رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر في قمة مجموعة الـ20 إن المملكة المتحدة بحاجة إلى “مضاعفة دعمها” لأوكرانيا.
وتتمسك ألمانيا بموقفها بعدم تزويد أوكرانيا بصواريخ “توروس” بعيدة المدى، في حين قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بالفعل إن باريس مستعدة للنظر في استخدام صواريخها لضرب الأراضي الروسية.
وتشير مديرة مركز الدراسات الروسية والأوروبية في بروكسل تيريزا فالون إلى أن “رد فعل المسؤولين العسكريين الأوروبيين كان مختلطاً، فبعضهم يشعر بالقلق إزاء احتمال التصعيد، في حين كان آخرون سعيدين لأن أوكرانيا تستطيع الآن استخدام المعدات من دون الحاجة إلى ذلك، لكن هذا القرار اتخذ متأخراً – متأخراً جداً، ويجب أن تكون أوكرانيا قادرة على حماية نفسها واستخدام هذه المعدات للغرض الذي صممت من أجله. لكن علينا أن نتذكر أن هذا لن يغير قواعد اللعبة، وستكون هناك حاجة إلى مزيد من المعدات”.
وقالت “لا أستطيع التنبؤ بما سيفعله ترمب، لكن وبمجرد تطبيق هذه الإجراءات، سيكون هناك زخم لمواصلة استخدامها، وقد يكون من الصعب إعادتهم للمسار الصحيح، ولكن من ناحية أخرى إذا لم يكن هناك تجديد لاحتياطات الصواريخ، فإن استخدامها ضد أهداف في روسيا سيستنزف نفسه”.

هل ستتبع أوروبا واشنطن؟

السؤال الذي يتردد صداه في موسكو الآن، لا يدور حول ما إذا كان بايدن سمح لأوكرانيا بضرب عمق روسيا بأكملها بصواريخ بلاده الباليستية أم لا؟ بل بما إذا كانت أوروبا ستحذو حذو واشنطن وتسمح لكييف يتوجيه الصواريخ التي تزودها بها نحو عمق الأراضي الروسية؟ تتعلق الأسئلة بالقيود الإقليمية على الضربات، وما إذا كانت بريطانيا وفرنسا ستمنحان الإذن باستخدام الصواريخ بعيدة المدى بعد الولايات المتحدة، وكيف سترد موسكو على هذه الخطوة من واشنطن؟ فالتقارير حول إصدار الولايات المتحدة إذناً لأوكرانيا باستخدام نظام صواريخ “أتاكمز” ضد الأراضي الروسية تثير ثلاثة أسئلة مهمة.
الأول هو حجم رفع الحظر، بناء على التقارير الأولى، سيسمح في البداية باستخدام نظام صواريخ “أتاكمز” ضد أهداف “في منطقة كورسك فقط”، لكن هذا ليس له أي معنى عسكري.
والسؤال الثاني هو ما إذا كانت فرنسا وبريطانيا ستقرران أن تحذوا حذو الولايات المتحدة، وما إذا كانتا ستسمحان لأوكرانيا باستخدام صواريخ “ستورم شادو” و”سكالب” بعيدة المدى ضد الأراضي الروسية، ويؤدي هذا أيضاً إلى موافقة ألمانيا على توريد صواريخ “توروس” بعيدة المدى لأوكرانيا مع نطاق الاستخدام الأكبر بين جميع الأسلحة المقدمة لأوكرانيا (500 كيلومتر).
والثالث هو كيف سترد روسيا على الهجمات المحتملة، ورددت وزارة الخارجية الروسية ما قاله الرئيس بوتين من أنه إذا استخدمت كييف صواريخ بعيدة المدى لمهاجمة الأراضي الروسية، فإن هذا سيعني “المشاركة المباشرة للولايات المتحدة وأقمارها الاصطناعية في الأعمال العدائية ضد روسيا، وتغيير جذري في جوهر وطبيعة الصراع”. وقالت الوزارة “في هذه الحالة، سيكون رد روسيا كافياً وملموساً”.
ويتوقع المراقبون الروس والغربيون على السواء، أن إجازة الضربات لكييف بصواريخ “أتاكمز” سيكون لها تأثير طفيف في موقف أوكرانيا في الجبهة، لكنه قد يعزز موقفها في المفاوضات.
وتلقت أوكرانيا صواريخ “أتاكمز” (أقصى مدى نحو 300 كيلومتر) في نهاية العام الماضي، وأبلغت وزارة الدفاع الروسية مراراً وتكراراً عن تدمير مثل هذه القذائف في منطقة العمليات العسكرية.

تصريحات لافروف

بعد ساعات من إطلاق أوكرانيا أولى الصواريخ الأميركية باتجاه الأراضي الروسية، اعتبر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن استخدام صواريخ “أتاكمز” ضد أراضي منطقة بريانسك هو إشارة إلى أن الغرب يريد التصعيد. وقال رداً على سؤال “أنت تسألني كيف يمكنني أن أعرف أن ما نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” صحيح أو أنه محاولة لجس النبض لا أعرف. إن حقيقة استخدام صواريخ أتاكمز في منطقة بريانسك بصورة متكررة الليلة هي بالطبع إشارة إلى رغبتهم في التصعيد. ومن المستحيل استخدام هذه الصواريخ ذات التقنية العالية من دون الأميركيين، كما قال الرئيس (بوتين) وحذر من الكيفية التي سيتغير بها موقفنا إذا تمت الموافقة على النطاق الذي يناقشونه الآن الذي يصل إلى 300 كيلومتر”. وأضاف لافروف “لكن في الواقع، هذه ليست موافقة لأوكرانيا على استخدام هذه الصواريخ، ولكن هذا مجرد إعلان بأننا سنضرب الآن ما يصل إلى 300 كيلومتر”.

صواريخ “أتاكمز” وأنواعها

تعتبر صواريخ “أتاكمز” من نظام الصواريخ التكتيكية للجيش الأميركي، وهي صواريخ باليستية موجهة أرض – أرض يصل مداها الأقصى إلى 300 كيلومتر مع تجزئة شديدة الانفجار أو رأس حربي عنقودي، يتم إطلاق الصواريخ من أنظمة إطلاق صواريخ متعددة مجنزرة.
تم تطوير هذه الصواريخ في أواخر الثمانينيات من شركة “لوكهيد مارتن” الأميركية للقوات البرية الأميركية، وتعين الرؤوس الحربية اعتماداً على الرأس الحربي والمدى والوزن. وتوجد صواريخ “أتاكمز” بتعديلاتها المختلفة، في الخدمة إضافة إلى الجيش الأميركي لدى جيوش البحرين واليونان وقطر ورومانيا وبولندا وتركيا وكوريا الجنوبية وتايوان والإمارات، وتم توريدها إلى أوكرانيا منذ عام 2023، وتقدر كلفة الصاروخ الواحد بنحو 1.5 مليون دولار.

خصائص الأداء

الطول – 3.98 متر

قطر الجسم – 0.61 متر

وزن الصاروخ – 1321-1673 كيلوغراماً بحسب التعديل

وزن الرأس الحربي  160-560 كيلوغراماً بحسب التعديل

المدى – من 165 كيلومتراً (في النسخة الأصلية) إلى 300 كيلومتر (في التعديلات اللاحقة)

السرعة – نحو 3700 كم/ساعة

الدقة – 250-10 متراً بحسب التعديل

وكانت هذه الصواريخ قيد التطوير منذ يونيو (حزيران) 1982 لتحل محل صاروخ “أم جي أم لانس 52” القديم، في البداية كجزء من برنامج نظام الصواريخ التكتيكي المشترك بين الجيش والقوات الجوية. وبعد أن تخلت القوات الجوية عن المشروع في نوفمبر 1984، حصل البرنامج على اسمه الحالي. في عام 1986 منح عقد تطوير الصاروخ لشركة “لينغ تيمكو فوغت”، ومنذ عام 1996 لشركة “لوكهيد مارتن” وفي أبريل (نيسان) 1988، أجريت الاختبارات الأولى للصاروخ، وبعد ذلك بدأ الإنتاج على نطاق صغير في ديسمبر (كانون الأول) من العام ذاته. وكانت مهمة هذه الصواريخ تهدف إلى تدمير محطات الرادار وأنظمة الصواريخ المضادة للطائرات وأنظمة الدفاع الجوي ومراكز القيادة خلف خطوط العدو. وتم توريدها للقوات منذ يناير (كانون الثاني) 1991. في عام 1997 توقف الإنتاج، وبعد ذلك استمر تطوير وإنتاج التعديلات فقط. على وجه الخصوص، تم تطوير خيارات لضرب الأهداف المدرعة والمتحركة، وتم تحسين نظام التوجيه بفضل تركيب نظام تحديد المواقع العالمي (جي بي أس).
تم إيقاف برنامج “أتاكمز” في عام 2007 بسبب ارتفاع كلفته، ومنذ ذلك الحين وضع برنامج لإطالة عمر الخدمة والفعالية القتالية للترسانة الحالية. وطورت ما مجموعه خمسة تعديلات رئيسة على الصاروخ، وأحدث تعديل دخل الخدمة في عام 2017.
يذكر أن النسخة الأصلية من صاروخ “أتاكمز” وتعديله مجهزة بذخائر عنقودية صغيرة. وجهز كل صاروخ بنحو 950 قنبلة صغيرة يصل مدى إطلاقها إلى 165 كيلومتراً. وعند الاقتراب من الهدف، ينثر الصاروخ ذخائر صغيرة على مساحة تصل إلى 33 ألف متر مربع. ويبلغ نصف قطر تدمير كل منها 15 متراً، ويبلغ مدى طيران آخر نسخة معدلة من هذا الصاروخ مسافة طويلة تصل إلى 300 كيلومتر، وهي مجهزة بنحو 300 ذخيرة صغيرة.
اعتباراً من عام 2023، ووفقاً لمعهد ستوكهولم لأبحاث السلام، كان الجيش الأميركي مسلحاً بصواريخ “أتاكمز” من التعديلات الأخيرة الأكثر تطوراً. تتضمن خطط الإدارة العسكرية الأميركية الوقف التدريجي لصواريخ “أتاكمز” واستبدالها بصواريخ باليستية تكتيكية تشغيلية جديدة من طراز “بي آر أس أم” من فئة أرض – أرض بمدى يصل إلى 500 كيلومتر (في المستقبل قد يصل إلى 1000 كيلومتر).

الاستخدام القتالي لصواريخ “أتاكمز”

استخدم نظام “أتاكمس” للمرة الأولى في القتال في الـ18 من يناير (كانون الثاني) 1991 من الفيلق السابع بالجيش الأميركي في بداية عملية “عاصفة الصحراء”، إذ أطلق ما مجموعه 32 صاروخاً. بناء على هذه التجربة في عام 1993، بدأ تطوير هذا الصاروخ ليصبح أخف وزناً مع زيادة في المدى والدقة وعنصر ضرب أقل، ودخلت النسخ المطورة الخدمة في عام 1997. وفي الفترة من مارس (آذار) إلى أبريل (نيسان) 2003، خلال المرحلة النشطة لغزو التحالف الأميركي للعراق أطلق ما لا يقل عن 414 صاروخ “أتاكمز” إضافة إلى ذلك حتى عام 2014، تم استخدام هذه الصواريخ إلى حد محدود من الولايات المتحدة خلال العمليات في أفغانستان.
تم تسليم الدفعة الأولى من صواريخ “أتاكمز” التي يبلغ مداها 165 كيلومتراً إلى أوكرانيا في خريف عام 2023، واستخدمتها القوات المسلحة الأوكرانية في أكتوبر من العام نفسه خلال الهجمات على المطارات في لوغانسك وبيرديانسك في دونباس، التي تعتبرها أرضاً أوكرانية. وفي ربيع عام 2024 تلقت القوات المسلحة الأوكرانية نحو 100 صاروخ آخر، واستخدمتها خلال الهجمات على أهداف في شبه جزيرة القرم ومدينة سيفاستوبول.

كم تملك أوكرانيا من هذه الصواريخ؟

كشفت صحيفة “التايمز” البريطانية عن العدد المحتمل من أنظمة “أتاكمز” الموجودة تحت تصرف أوكرانيا، وذكرت أن كييف تمتلك نحو 50 صاروخاً أميركياً من طراز “أتاكمز” تحت تصرفها، من دون أن تحدد من أي أجيال تنحدر هذه الصواريخ.
وتقول “التايمز” إنه “على رغم أن البنتاغون لم يقدم أي أرقام، فمن المعتقد أن حكومة كييف تمتلك حالياً نحو 50 صاروخاً فقط”.
وبحسب الصحيفة، على رغم وجود عدد كاف من منصات الإطلاق، إلا أن هذه الصواريخ لا تزال تعاني نقصاً في المعروض بسبب محدودية الإمداد.
وكتبت وسائل الإعلام الأوكرانية في الـ19 من نوفمبر الجاري أن القوات المسلحة الأوكرانية شنت للمرة الأولى هجوماً بصواريخ “أتاكمز” الباليستية على الأراضي الروسية داخل الحدود المعترف بها دولياً، ولم تؤكد هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الأوكرانية هذه المعلومات.
وفي وقت لاحق أفادت وزارة الدفاع الروسية بأن القوات المسلحة الأوكرانية هاجمت منطقة بريانسك بستة صواريخ باليستية من طراز “أتاكمز” ليلة الـ19 من نوفمبر، وصدت أنظمة الدفاع الجوي الهجوم. وسقطت شظايا صاروخ واحد على المنطقة الفنية لمنشأة عسكرية في منطقة بريانسك، مما أدى إلى نشوب حريق أخمد على الفور، ولا يوجد ضحايا أو دمار.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

روسيا تلوح برد نووي

وقبيل إطلاق هذه الصواريخ الستة وافق الرئيس الروسي الثلاثاء الماضي على أساسيات سياسة الدولة في مجال الردع النووي، ومن بين أمور أخرى تنص الوثيقة على أن روسيا تحتفظ بالحق في استخدام الأسلحة النووية رداً على استخدام أسلحة الدمار الشامل ضدها أو ضد حلفائها، واعتبر أيضاً أن العدوان على موسكو أو حلفائها من دولة غير نووية بدعم من دولة نووية يعتبر هجوماً مشتركاً.
وكما ذكر الرئيس الروسي سابقاً، فإن دول الناتو لا تناقش فقط إمكان استخدام القوات الأوكرانية لأسلحة بعيدة المدى، بل تناقش المشاركة المباشرة في الصراع في أوكرانيا. ووفقاً لبوتين فإن نظام كييف يضرب بالفعل الأراضي الروسية بطائرات من دون طيار ووسائل غربية أخرى، لكن عندما يتعلق الأمر باستخدام أسلحة غربية بعيدة المدى وعالية الدقة، يجب أن يكون مفهوماً أن مثل هذه العمليات تتم بمشاركة عسكرية من دول التحالف، إذ إنها وحدها القادرة على القيام بمهمات إطلاق وتوجيه طيران أنظمة الصواريخ هذه.
وقال “إن المشاركة المباشرة للغرب في المواجهة في أوكرانيا ستغير جوهرها بصورة كبيرة وستعني أن أعضاء الناتو – الولايات المتحدة والدول الأوروبية – في حالة حرب مع روسيا”. وخلص بوتين إلى أن موسكو ستتخذ قراراتها بناء على التهديدات التي تظهر أمامها.

وكان الرئيس الروسي وصف في وقت سابق المناقشات حول السماح للقوات المسلحة الأوكرانية باستخدام أسلحة عالية الدقة لشن ضربات في عمق روسيا بأنها “استبدال للمفاهيم”، وأكد أن دول الناتو تناقش في الواقع ما إذا كانت ستشارك بصورة مباشرة في الصراع مع روسيا.
وفي الـ25 من سبتمبر الماضي، اقترح بوتين تحديث العقيدة النووية الروسية لتشمل العدوان على الاتحاد الروسي من دولة غير نووية، ولكن بمشاركة أو دعم دولة نووية، واعتباره هجوماً مشتركاً. إضافة إلى ذلك، فإن الهجوم التقليدي على روسيا يمكن أن يؤدي أيضاً إلى رد فعل نووي إذا نشأ تهديد خطر للسيادة.
وفي الـ19 من نوفمبر الماضي، وافق بوتين على المبادئ الأساسية لسياسة الدولة الروسية في مجال الردع النووي. وأشار السكرتير الصحافي لرئيس الدولةديمتري بيسكوف، إلى أن “أحد أسباب استخدام الأسلحة النووية يمكن أن يكون إطلاق الصواريخ الباليستية في اتجاه الاتحاد الروسي”.
وتحدث بيسكوف حول العقيدة النووية الروسية المحدثة، وأكد أن الوثيقة تسمح بإمكان الرد النووي على استخدام أسلحة الدمار الشامل ضد الاتحاد الروسي.
ولفت بيسكوف الانتباه إلى حقيقة أن الوثيقة تم إعدادها مسبقاً، وتم نشر المبادئ المحدثة لسياسة الدولة في مجال الردع النووي في الوقت المناسب.
وتنص الوثيقة على أنه يمكن لروسيا استخدام الأسلحة النووية كضربة انتقامية إذا استخدمت الأسلحة النووية أو غيرها من أنواع أسلحة الدمار الشامل ضدها أو ضد حلفائها، وتنص أيضاً على الرد النووي في حالة العدوان على الاتحاد الروسي وبيلاروس باستخدام الأسلحة التقليدية التي تشكل تهديداً خطراً لاستقلالهما أو سلامة أراضيهما.
ورداً على سؤال عما إذا كانت روسيا ستنظر في استخدام كييف للصواريخ الغربية غير النووية كعنصر في هجوم من دولة غير نووية بدعم من دولة نووية، وما إذا كان سيترتب على ذلك إمكان شن هجوم نووي انتقامي؟ أجاب بيسكوف: “نعم، هكذا يقال”.
وأشار المتحدث باسم الكرملين إلى أن العقيدة المحدثة يجب أن تجذب انتباه الجميع، واعتبر أن هذا نص الوثيقة “مهم للغاية، يجب أن يصبح موضوع تحليل عميق للغاية في بلدنا، وربما في الخارج”.
وقال السكرتير الصحافي الرئاسي إنه بعد معلومات حول نية القوات المسلحة الأوكرانية استخدام صواريخ “أتاكمز” طويلة المدى لشن ضربات في عمق الاتحاد الروسي، فإن الجيش الروسي يراقب الوضع، ويسجل جميع البيانات الواردة.
ورداً على ذلك، رفض جيك سوليفان الاعتراف بأن الولايات المتحدة متورطة في الصراع في أوكرانيا، واعتبر أن سماح بلاده للقوات المسلحة الأوكرانية بضرب الاتحاد الروسي لا يجعل أميركا مشاركة في الصراع.
وقال جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي المنتهية ولايته جو بايدن، في الـ19 من نوفمبر، إنه إذا أعطت الولايات المتحدة “الإذن” لنظام كييف بإطلاق صواريخ “أتاكمز” الأميركية ضد روسيا، فإن ذلك لن يجعل واشنطن طرفاً في الصراع، وأضاف في مقابلة مع شبكة “بي بي أس” أن منح مثل هذا “الإذن” سيكون استمراراً للسياسة التي اتبعتها واشنطن منذ بداية الصراع العسكري .
وادعى مستشار بايدن بأنه “إذا سمحت الولايات المتحدة باستخدام أي نظام أسلحة، بما في ذلك هذا النظام، فهذا لا يعني أن الولايات المتحدة ستشارك مباشرة في الحرب”.

الأقربون أولى بالخوف

ووسط تصاعد الصراع في أوروبا الشرقية، قدمت ثلاث دول شمالية الإثنين الـ18 من نوفمبر، نصائح جديدة لمواطنيها في حال نشوب حرب أو أزمة كبيرة، بحسب ما ذكرت صحيفتا “بيزنس توداي” و”إكسبريس”.
وتخلت السويد وفنلندا، الدولتان المحايدتان لفترة طويلة، أخيراً عن سياسة عدم الانحياز العسكري التي دامت لعقود من الزمن. وبعد أن أصبحتا عضوين في حلف شمال الأطلسي (انضمت السويد إلى الحلف في السابع من مارس 2024، وفنلندا في الرابع من أبريل 2023)، فإنهما تعملان على تعزيز التدابير الدفاعية على خلفية التوترات الإقليمية المتزايدة.

ووجهت السويد رسالة صارمة لمواطنيها: “استعدوا للأسوأ”، وبدأت الحكومة السويدية الإثنين الماضي توزيع 5 ملايين منشور تحث السكان على الاستعداد للحرب المحتملة، وأطلقت فنلندا المجاورة موقعاً إلكترونياً جديداً لإعداد مواطنيها لمواجهة الأزمات، بحسب ما كتبت “بيزنس توداي”.

وقال ميكائيل فريسيل، مدير الوكالة السويدية لإدارة الطوارئ، المسؤولة توزيع الكتيبات، إن “الوضع الأمني ​​خطر، ونحن بحاجة إلى بناء القدرة على الصمود لمواجهة الأزمات المختلفة والحرب في نهاية المطاف”.
الكتيب الذي يحمل عنوان “إذا جاءت الأزمة أو الحرب”، هو نسخة محدثة من وثيقة نشرت خمس مرات فقط منذ الحرب العالمية الثانية، وتم تحديث أحدث إصدار في عام 2018. ويحدد الكتيب المؤلف من 32 صفحة التهديدات المحتملة التي تواجهها السويد – من الصراع العسكري إلى الكوارث الطبيعية والهجمات السيبرانية والإرهاب – ويقدم نصائح عملية مثل كيفية تخزين المواد الغذائية غير القابلة للتلف وتخزين المياه، ويأخذ في الاعتبار الأخطار الجديدة المرتبطة بالصراع الروسي – الأوكراني.

وكما تشير صحيفة “إكسبريس” البريطانية إلى أنه تم تسليط الضوء على مقطع واحد في الكتيب الجديد جاء فيه أنه “إذا تعرضت السويد لهجوم من دولة أخرى، فلن نستسلم أبداً. كل المعلومات التي تقول إن المقاومة يجب أن تتوقف غير صحيحة”. وعلى مدى الأسبوعين المقبلين، ستوزع السويد 5.2 مليون نسخة من الكتيب، مكتملاً برسوم توضيحية بسيطة. وللوصول إلى أكبر عدد ممكن من السكان، يتوفر الدليل مطبوعاً باللغتين السويدية والإنجليزية، إضافة إلى نسخ رقمية بلغات عدة، بما فيها العربية والفارسية والأوكرانية.
من جهتها، أطلقت فنلندا، التي تشترك في حدود بأكثر من 1300 كيلومتر مع روسيا، منصة على الإنترنت مخصصة للاستعداد لمختلف الأزمات. وأصدرت أيضاً كتيباً رقمياً يقدم للمواطنين نصائح حول كيفية البقاء على قيد الحياة أثناء الحرب، علاوة على ذلك تنص الوثيقة الإلكترونية على أن الدولة “مستعدة جيداً للدفاع عن النفس”. لم تصدر هذه الوثيقة بصورة جماعية، كما الحال في السويد. وتعتقد هلسنكي أن طباعة الكتيب وتوزيعه “ستكلف ملايين”، في حين أن تحديث النسخة الرقمية وتوزيعها أسهل بكثير.
كما أصدرت النرويج، التي أصبحت عضواً في حلف شمال الأطلسي في عام 1949، كتيباً عن حالات الطوارئ بعنوان “كيف يمكنك المساهمة في الاستعداد النرويجي لحالات الطوارئ”، ويقدم نصائح حول كيفية استعداد المواطنين للعيش لمدة أسبوع من الاكتفاء الذاتي لتحسين القدرة الدفاعية الشاملة للبلاد.

ردود فعل دولية

تسبب القرار الاستفزازي الذي اتخذه الرئيس بايدن بإعطاء الضوء الأخضر لأوكرانيا لمهاجمة أهداف في عمق روسيا باستخدام صواريخ “أتاكمز” طويلة المدى الموردة، في موجة من التعليقات والمنشورات في وسائل الإعلام.
وقال الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو إن “الدول الغربية، بسماحها لأوكرانيا بشن هجمات صاروخية ضد الأراضي الروسية، دخلت مرحلة من الجنون والانتقام”. وأضاف “أقول لكم، هذه هي اللحظة الحاسمة. لقد دخلوا مرحلة الجنون للإمبريالية في أميركا الشمالية، مرحلة الانتقام”.
واعتبر ديفيد ساكس، مليونير التكنولوجيا، الذي كان مانحاً رئيساً لحملة ترمب الرئاسية، أن سماح بايدن لأوكرانيا باستخدام الصواريخ التي زودتها بها الولايات المتحدة ضد روسيا من شأنه أن “يؤدي إلى تصعيد كبير” للوضع. وأضاف “الرئيس ترمب لديه تفويض واضح لإنهاء الصراع في أوكرانيا، إذاً ماذا يفعل بايدن في الشهرين الأخيرين له في منصبه؟ تصعيد هائل، هل هدفه هو وضع ترمب في أسوأ وضع ممكن؟”.
وأعرب الملياردير ورجل الأعمال الأميركي إيلون ماسك عن مخاوفه في شأن قرار إدارة بايدن السماح لأوكرانيا بإطلاق صواريخ “أتاكمز” ضد الأراضي الروسية. وكتب ماسك “المشكلة هي أن روسيا سترد بطريقة مماثلة”، ووصف زعيم حزب الوطنيين الفرنسي فلوريان فيليبو قرار بايدن بأنه “محاولة يائسة لبدء حرب عالمية ثالثة استباقاً لتنصيب دونالد ترمب رئيساً للولايات المتحدة”، وشدد فيليبو على أن “هذا قرار غير مسؤول من الصقور المستعدين لفعل أي شيء لتخريب آمال السلام المرتبطة بانتخاب رئيس جديد للولايات المتحدة”.
أما الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي فبدا مغتبطاً بحصول جيشه على ضوء أميركي أخضر لشن ضربات في العمق الروسي باستخدام صواريخ أميركية بعيدة المدى، إذ لفت إلى أن الدليل على تغيير السياسة سيظهر في ساحة المعركة عندما تستخدم مثل تلك الصواريخ. وقال “دعوا الصواريخ تتحدث عن نفسها، وهي بالتأكيد ستفعل”. وكان زيلينسكي حث، على مدى أشهر، الولايات المتحدة والدول الغربية على رفع القيود المفروضة على استخدام كييف الصواريخ الغربية البعيدة المدى ضد أهداف داخل روسيا، وجادل بأن تلك القيود تمنح تفوقاً استراتيجياً للجيش الروسي على حساب قواته. وبينما كان البريطانيون والفرنسيون أكثر المتحمسين لتأييد ذلك، إلا أن تردد ألمانيا والولايات المتحدة أصاب زيلينسكي بالإحباط. ولأشهر عدة ضغط على بايدن للسماح لأوكرانيا بضرب أهداف عسكرية في عمق روسيا بالصواريخ التي زودتها بها الولايات المتحدة، قائلاً إن الحظر يمنع كييف من وقف الهجمات الروسية على مدنها وشبكات الكهرباء.
كل الأسلحة الغربية التي منحت لكييف بدءاً من قاذفات “جوفلين” الفتاكة المضادة للدروع، ومروراً بدبابات “أبرامز” و”ليوبارد” وحتى منظومات الدفاع الجوي الشهيرة “باتريوت”، وصولاً إلى قاذفات “أف-16” الأميركية المتطورة لم تسفر عن تغيير ميزان القوى العسكرية في الميدان، ولم توقف تقدم الجيش الروسي في دونباس، ولم تجبر الرئيس الروسي على الخضوع للإملاءات الغربية بوقف الحرب والانسحاب من الأراضي التي سيطر عليها الجيش الروسي، لذلك فإن صواريخ “أتاكمز” لن تحدث فرقاً نوعياً في الصراع، ولن تؤدي إلا إلى إطالة أمد الحرب وسقوط مزيد من الضحايا.
لذلك ذكرت بوابة “أكسيوس” أن بعض المسؤولين الأميركيين أعربوا عن شكوكهم في أن السماح بضربات بعيدة المدى للأراضي الروسي سيغير المسار العام للصراع في أوكرانيا.
ووصف نيكولاس ويليامز، المسؤول الكبير السابق في حلف شمال الأطلسي، القرار بأنه “مهم من حيث نهاية اللعبة”. وقال لشبكة “سكاي نيوز” إن “هذا أمر مهم، قد يقول الأوكرانيون إن هذا قليل للغاية ومتأخر للغاية، لكن الوقت لم يفت للتأثير في نهاية اللعبة”، وصرح ويليامز أيضاً أن القرار مهم “لوضع أوكرانيا بحيث لا تقدم تنازلات كبيرة تريدها روسيا من أجل السلام”.
لذلك فإن استخدام صواريخ أميركية طويلة المدى ضد أهداف في العمق الروسي، سيضع جميع الأطراف أمام إمكان اتساع نطاق الحرب المستمرة منذ ألف يوم، وربما تحولها إلى حرب نووية بين قوى عظمى، كما قد يؤدي إلى رد نووي، وربما يدفع موسكو إلى تنفيذ تهديدات سابقة بتزويد دول أخرى بأسلحة بعيدة المدى يمكن استخدامها ضد الغرب.

بايدن الذي كان معارضاً لمثل هذه الخطوة سابقاً، يبدو الآن قبيل خروجه غير المظفر من البيت الأبيض غير عازم على منع أي تصعيد قد يجر الولايات المتحدة وأعضاء الناتو الآخرين إلى صراع مباشر مع روسيا، فالرئيس وهو في أرذل العمر غير قراره جذرياً في الأسبوع الماضي، تحت وطأة جماعات الضغط الأوكرانية والصقور في “مستنقع واشنطن” وإدارته المنتهية ولايتها. لذلك يشير موقع “سي أن أن” إلى أن الضوء الأخضر الذي أعطاه بايدن لأوكرانيا لاستخدام نظام “أتاكمز” ضد روسيا لم يؤد إلا إلى زيادة الأخطار في الصراع الذي سيرثه ترمب.
يتبع قرار الرئيس بايدن نمطاً مألوفاً، فالبيت الأبيض يرفض منذ أشهر عدة تلبية طلب أوكرانيا للحصول على مزيد من إمدادات الأسلحة، خوفاً من أن يؤدي ذلك إلى تصعيد العنف. وتدين كييف هذا الرفض بصوت عال، وعندما بدا ظاهرياً أن الطلب تم تجميده، وافقت عليه إدارة بايدن. إن طلب أوكرانيا للحصول على  صواريخ ” هيمارس” ودبابات “أبرامز” وطائرات “أف-16” اتبعت جميعها نمطاً مماثلاً: الرفض والمراوغة، ثم الرضا تقريباً في اللحظة التي كان فيها الأوان فات بالفعل، فالسماح باستخدام الصواريخ الأميركية الموجهة بدقة لضرب عمق روسيا هو أمر استفزازي للغاية.
الصقور الذين أطيحوا من السلطة يرفضون الإحاطة علماً بإرادة الشعب الأميركي، وهذا ليس فقط غير ديمقراطي، ولكنه خطر جداً أيضاً. وفي ظل الجدل المتقدم فإن معظم الخبراء العسكريين ما زالوا يستبعدون أن يكون لقرار بايدن تأثير عسكري حاسم على الأرض، ولا سيما أن روسيا احتاطت مبكراً وأبعدت المراكز العسكرية ذات الطبيعة الحساسة خارج نطاق تلك الصواريخ، فضلاً عن الشكوك في توافر مخزونات كافية منها لدى داعمي كييف، في وقت ستكون فيه لرد فعل روسي محتمل عواقب مروعة على الجانب الأوكراني.

نقلاً عن : اندبندنت عربية