الدكتور محمد كمال يكتب: الاستثمار في رأس المال البشري

على مدار العقود الماضية حدث تراجع حاد فى جميع المجالات، من البنية التحتية، إلى الاقتصاد الفعلى، وبدايةً وانتهاءً تراجع الاهتمام بالمواطن المصرى فى ظل تراجع الدولة عن القيام بمعظم أدوارها، فتركت المجال لجمعيات وأشخاص لملء الفراغ الذى تركته الدولة. لهذا كان اهتمام الدولة فى العقد الأخير بإصلاح ما أفسده الدهر والحكومات المتعاقبة، فكان العبء ثقيلاً فى جميع المجالات، وخطت الدولة خطوات واسعة فى مجال إقامة البنية التحتية، والمشروعات الاقتصادية المختلفة. ولم يغب عن الدولة ضرورة الاهتمام بالإنسان، وفى هذا الإطار ظهرت عدة مشروعات قومية مثل «تكافل وكرامة»، و«100 مليون صحة»، ومشروعات تطوير العشوائيات، وغيرها من المبادرات والمشروعات القومية.

ويأتى المشروع القومى للتنمية البشرية «بداية جديدة لبناء الإنسان»، الذى طرحه فخامة رئيس الجمهورية، ليؤكد اهتمام الدولة برأس المال البشرى؛ الثروة الحقيقية لمصر، والاهتمام بعنصرى الإنسان المادى والمعنوى، بالاهتمام بصحة الإنسان المصرى، وكذلك الاهتمام بالعناصر المعنوية فى المكون المصرى، وهى مهمة تمثل مشروعاً متكاملاً تشارك فيه جميع الوزارات كلٌ فيما يخصه، لذلك كلف بها فخامة رئيس الجمهورية معالى رئيس الوزراء ونائب رئيس مجلس الوزراء للتنمية البشرية، ما يحتم مشاركة الوزارات التى يتعلق عملها بشكل مباشر مثل وزارات الصحة، والتربية والتعليم، والتعليم العالى، والثقافة، والأوقاف، بجانب مشاركة بقية الوزارات.

وفى هذا الإطار كانت التغييرات الأخيرة فى النظام التعليمى فى التربية والتعليم، والحد من الأعداد المقبولة بالكليات النظرية، وافتتاح عشر جامعات تكنولوجية لتأهيل الطلاب لسوق العمل المحلى والإقليمى. كما تقتضى المبادرة إعادة بناء الهوية الوطنية المصرية، وذلك من خلال ترسيخ القيم والأخلاق والأعراف التى قامت عليها الحضارة المصرية فى عصور مجدها، وفى هذا الإطار سبق وقدمنا عدة مرات مقترحاً لتدريس مادة القيم والأخلاق المهنية فى الجامعات تطبيقاً لنص المادة 24 من الدستور التى تنص على أن «تعمل الجامعات على تدريس حقوق الإنسان والقيم والأخلاق المهنية للتخصصات العلمية المختلفة». وللأسف قامت بعض الجامعات بتدريس حقوق الإنسان فقط، وقام بعضها بتدريس التفكير الناقد، وغير ذلك من مواد، ولم تتم الاستجابة لمطالبتنا بالمخالفة للدستور، ودون اهتمام بعنصر القيم والأخلاق، حيث يتم تعريف الطالب الجامعى بالقيم وأهميتها وأنواعها مثل المواطنة والهوية الوطنية، وحوار الحضارات والتنوع الثقافى، والحرية التى لا توجد إلا إذا كانت مرتبطة بالمسئولية وإلا تحولت إلى فوضى تدمر المواطن والوطن، والقيم المشتركة بين الأديان. وكذلك تعليم القيم الاجتماعية، والشخصية، وأخلاقيات العمل، والأخلاقيات الخاصة بكل مهنة، ومكافحة الفساد بشتى صوره وأهمية ذلك للمجتمع والجهات القائمة على ذلك، وغيرها من القيم الضرورية للحفاظ على المواطن والوطن فى ظل حروب الجيل الخامس، وحتى تخرج الجامعات مواطناً ومهنياً صالحاً يخدم وطنه ومهنته على النحو الأمثل، وهو ما نأمل أن تتم الاستجابة له تطبيقاً لتوجيهات فخامة رئيس الجمهورية.

 

نقلاً عن : الوطن