>

بعد أن قبلت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تونس ملفات ثلاثة مرشحين فقط للانتخابات الرئاسية، أودع واحد منهم السجن بتهمة افتعال تزكيات شعبية مما جعل المهتمين بالشأن العام يتساءلون عن مصير الانتخابات الرئاسية في ظل هذا الوضع السياسي الشائك في تونس.

وأفاد رئيس هيئة الدفاع عن المترشح للانتخابات الرئاسية العياشي زمال، المحامي عبدالستار المسعودي، عبر تدوينة على صفحته في “فيسبوك” بأن موكله أودع السجن في شكاية تتعلق “بافتعال وثيقة تزكية”.

ويشار إلى أنه أعلنت القائمة النهائية للمترشحين للانتخابات الرئاسية 2024 في العدد الأخير من الجريدة الرسمية للجمهورية التونسية، وضمت ثلاثة مرشحين قبلوا نهائياً لخوض الانتخابات الرئاسية المقررة في السادس من أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، وهم العياشي زمال وزهير المغزاوي ورئيس الجمهورية الحالي قيس سعيّد.

مشهد سياسي نظيف

في سياق متصل يقول الناشط والمحلل السياسي نبيل الرابحي “لن أخوض في حرب البيانات بين هيئة الانتخابات والمحكمة الإدارية حول أحقية الترشح، لكن توجد مسألة مهمة يجب الانتباه إليها وهي أن المحكمة الإدارية عندما أصدرت أحكامها لا تحتكم إلى كل المعطيات الجزائية، بل ناقشت الملفات على مستوى الإداري فقط”.

وحول إيقاف المرشح الثالث يقول الرابحي “اليوم هناك قرابة 400 قضية منشورة حول تدليس التزكيات، وتبعات هذا الأمر ظهرت مع المرشح العياشي الزمال”، موضحاً أن “كثيراً من المواطنين قاموا بالتظلم لدى النيابة العمومية بسبب تدليس تزكياتهم”.

ويواصل المتحدث قوله “ربما المشهد السايسي الذي نعيشه غير معتاد، لكن اعتقد أنه مشهد نظيف من دون متحيلين سياسيين”، وبحسب تقديره “ستكون للمرة الأولى في تاريخ تونس انتخابات نزيهة وشفافة يطبق فيها القانون مهما كان المترشح”.

ويفسر الرابحي، “نعلم جيداً أن انتخابات 2011 و2014 و2019 شابتها شوائب عدة ومن بينها المال السياسي الذي يعبر عن تدليس إرادة الناخب”، معتقداً أن “هذا المال عندما يكون من الخارج يجر البلاد إلى التبعية والخضوع إلى البلدان التي تمول الانتخابات”.

من ناحية أخرى يرى الرابحي أن” كل المرشحين استجابوا لكل الشروط التي وضعتها هيئة الانتخابات وأن العملية تسير على ما يرام”.

من جهة أخرى قال مكتب حملة المرشح للانتخابات الرئاسية العياشي زمال إثر سجن مرشحهم إن “سياسة التنكيل باتت اليوم مكشوفة أمام التونسيين وترتقي إلى تعذيب جسدي ونفسي”، معتبراً أن الهدف منها هو “إجبار” العياشي زمال على الانسحاب من السباق الرئاسي.

تشريعياً يقول متخصص القانون الدستوري خالد الدبابي إنه “ما دام الأمر لا يزال عالقاً فمن حق المرشح أن يمارس الحملة الانتخابية حتى وإن كان قابعاً في السجن، وإن انتخب فيُطلق”، موضحاً أن “الأحكام الباتة فقط هي التي تحرم المرشح من ممارسة حقوقه المدنية والسياسية”، مفيداً أنه إذا ثبتت التهم ضد المرشح قبل الانتخابات فيستبعد”.

وعرفت تونس حادثة مماثلة خلال مرور المرشح للانتخابات الرئاسية السابقة نبيل القروي وهو داخل أسوار السجن إلى الجولة الثانية مع الرئيس الحالي قيس سعيد.

العملية تسير بشكل محكم

من جهة أخرى يقول الكاتب الصحافي مراد علالة “عملياً لا شيء يفيد بأن ما يحدث هذه الأيام مع المرشح عياشي الزمال يمكن أن يوقف أو يعطّل الانتخابات الرئاسية في السادس من أكتوبر المقبل، فالعملية تسير تقنياً بشكل محكم والهيئة العليا المستقلة للانتخابات تمسك بأوراق اللعبة مستفيدة من التزام وانضباط مؤسسات الدولة ومسايرة مرفق القضاء وضعف المعارضة وانشغال الشارع التونسي بتداعيات الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، خصوصاً عشية العودة المدرسية”.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأضاف علالة أن “هذا الوضع الاستثنائي للرجل سيقلص في تقديرنا من حظوظه في المنافسة ويعوقه على رغم ما قد يحرزه من تعاطف ومساندة من هنا وهناك، ولا نخال أيضاً أنه سيكون ثمة تصويت عقابي أو موجه كما يصور ذلك بعضهم هذه الأيام، ويستفيد منه الزمال على حساب رئيس الجمهورية قيس سعيد، ومن يتبنى هذه الرواية ويروج حتى لدعم خارجي ويحرض على الرجل فهو يضخم حجمه ودوره السياسي عبثاً”.

ويواصل الكاتب الصحافي قوله إن “ما يوصم به المرشح عياشي الزمال من تزوير للتزكيات لا يدينه هو فقط شخصياً، مع التأكيد على أنه يظل بريئاً حتى تثبت إدانته، بل إن الإدانة للمجتمع التونسي بأسره ونخبه ومؤسساته المشرفة على شفافية ونزاهة الانتخابات، فعملية التزكية الورقية يقر الجميع بعدم وجاهتها، وكذلك ضعف الثقافة الديمقراطية وسرعة تورط المواطن التونسي في التفريط في صوته”.

وتابع علالة أن “ما يحصل مع الزمالي الآن، إضافة إلى ما حصل مع المرشحين الثلاثة الذين تصادمت في شأنهم هيئة الانتخابات مع المحكمة الإدارية ومتخصصي القانون، وتواصل انتقادات المجتمع المدني والسياسي للوضع العام في البلاد وخصوصاً في باب الحقوق والحريات، سيلقي بضلاله على العملية الانتخابية سواء في علاقة نسبة المشاركة والإقبال على التصويت، أو في ما يسمى بالشرعية والمشروعية ونزاهة الانتخابات برمتها، فصرف أموال طائلة من كاهل المجموعة الوطنية لإجراء عملية اقتراع محسومة مسبقاً، ويشارك في سباقها من هو متهم بالتزوير وموجود في وضع استثنائي، يطرح عدداً من الأسئلة المتعلقة بالجدوى”.

وأوضح علالة أن “الانتخابات الرئاسية تعد أهم استحقاق سياسي في بلادنا، سواء بحكم الدستور أو بحكم الثقافة المجتمعية السائدة المنتصرة لمنصب الرئيس، وتُختزل في معركة قانونية وإجرائية وحرب بلاغات وتدوينات في الفضاء الافتراضي مع غياب الحديث عن البرامج الانتخابية والمشاريع السياسية التي يفترض أن تخرج البلاد من أزمتها المركبة، وتظهر بالفعل أننا مقدمون على بناء تونس الجديدة”.

وعلى رغم الجدل الحاصل الذي وصل إلى التشكيك في نزاهة الانتخابات المقبلة، تواصل هيئة الانتخابات الاستعدادات الخاصة بتنظيم الانتخابات الرئاسية في الخارج أيام الرابع والخامس والسادس من أكتوبر 2024، وقد خصصت جلسة لاستعراض مدى التقدم الحاصل في مجال تمكين التونسيين في الخارج من التصويت بأيسر السبل، وتبادل الرأي حول الوسائل الفنية المناسبة لضمان سلامة عمليات الاقتراع.

نقلاً عن : اندبندنت عربية