الصناعة الدوائية غاية ملحة على سلم أولويات الحكومة العراقية

حقق العراق خلال السنتين الماضيين قفزة كبيرة في قطاع الصناعات الدوائية المحلية والذي كان مهملاً منذ سقوط النظام السابق في العراق، إذ يهدف إلى الحد من استيراد الأدوية وتعزيز القدرة الإنتاجية للمصانع الوطنية.

ويعود تاريخ صناعة الأدوية في العراق إلى ستينيات القرن الماضي من خلال إنشاء معمل أدوية سامراء عام 1965 بمساعدة الاتحاد السوفياتي السابق، إلا أن الظروف السياسية والأمنية والحروب التي خاضها العراق والحصار الاقتصادي الذي فرض عليه في تسعينيات القرن الماضي، أدت إلى تراجع صناعة الدواء العراقي بشكل كبير، مما تسبب بإغلاق كثير من خطوط الإنتاج بسبب نقص المواد الأساسية لصناعة الأدوية، وقِدم مصانع الدواء وعدم مواكبتها للتكنولوجيا الحديثة بالتصنيع. وبات العراق يعتمد بصورة أساسية على استيراد تلك الأدوية من دول العالم المختلفة، بحسب الاتحاد العربي لمنتجي الأدوية والمستلزمات الطبية.

ويعتمد السوق الدوائي في العراق على إمدادات بصورة رئيسة من الأدوية المستوردة من مختلف دول العالم. وتشير التقديرات الحكومية إلى أن حجم ما يستورده العراق سنوياً من الأدوية يقدر ثلاثة مليارات دولار، فيما لم تسهم معامل الأدوية المنتشرة في أنحاء العراق كافة، التي تقدر بـ23 معملاً أغلبها تابع للقطاع الخاص (لكن قسماً منها غير عاملة لأسباب تتعلق بالبيئة الاستثمارية في العراق وموضوع البنى التحتية وغيرهما) سوى بـ10 في المئة من حاجة البلاد.

ويبدو أن العراق بات يفكر جدياً في إعادة صناعة الأدوية محلياً لتغطي جزءاً من حاجة العراق، لا سيما في موادها الأساسية من خلال استحداث شركات بمؤازرة أخرى عالمية رائدة في مجال صناعة الدواء، في مشروع تبنته الحكومة، يتمثل بتوطين صناعة الدواء في العراق والحد من الاستيراد العشوائي، من أجل تحقيق أمن دوائي متكامل.

وستقدم الحكومة التسهيلات لاستيراد المواد الأولية، مع تحديد سقف زمني لتطوير المصانع ورفع قدراتها الإنتاجية وفق المواصفات المعتمدة.

وضمن برنامج توطين الصناعة الدوائية في العراق، تم إنشاء المصنع العراقي لإنتاج المواد الصيدلانية والذي يعد أول مصنع عراقي لإنتاج الأدوية السرطانية إذ ينتج 9 مواد من أدوية السرطان ويغطي حاجة المؤسسات الصحية الحكومية بنسبة 100 في المئة من تلك المواد الـ 9، فضلاً عن عمل متواصل لإنشاء خط جديد لإنتاج الحقن السرطانية. ويمتلك المصنع خطوط إنتاج أخرى إلى جانب الأدوية السرطانية منها الأدوية العامة وأدوية الضغط والسكري والمسكنات، وينتج قرابة 500 مليون حبة وكبسولة سنوياً، ويعمل بطاقم عراقي بنسبة 99 في المئة.

ارتفاع العقود الدوائية

في هذا السياق، أكد رئيس مجلس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، ارتفاع مؤشر العقود الدوائية للقطاع الخاص وتواصل الجهود لتحقيق الأمن الدوائي للبلاد.

وذكر بيان صادر عن المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء، أن السوداني افتتح مصنعين للمضادات الحيوية (السيفالوسبورينات) والأدوية المثبطة للمناعة، وهما من مشاريع القطاع الخاص، ضمن برنامج توطين الصناعات الدوائية في العراق الذي تبنته الحكومة في أولويات برنامجها.

وأضاف البيان أن السوداني اطلع على مراحل العمل في المصنع الذي اعتمد أرقى المناشئ التكنولوجية العالمية، متمثلة بشركة (إيما) الإيطالية المتخصصة بالصناعات الدوائية، والتقى بالكوادر العاملة من مختلف التخصصات العلمية، كما اطلع على مراحل تنفيذ مصنع جديد لأدوية معالجة السرطان بكلفة 60 مليون دولار، من المخطط إنجازه خلال الأشهر المقبلة.

وأشار السوداني إلى أن هذا المصنع أنشئ في ضوء قرارات الحكومة التي اتخذتها منذ بداية عملها، مؤكداً أن هدف توطين الصناعة الدوائية كان من ضمن أولويات العمل، ورافقه تقديم التسهيلات لمنتجي الأدوية من القطاع الخاص، في مجال إطلاق القروض والضمانات السيادية لإنشاء المشاريع الدوائية.

وذكر السوداني أن منتجات هذا المصنع من المضادات الحيوية ستغطي بحدود 25 في المئة من حاجة البلاد، وهو أمر مهم للوصول إلى الاكتفاء الذاتي، مؤكداً العمل لتحقيق الأمن الدوائي، إذ من غير المقبول أن تكون المنتجات الدوائية المحلية تغطي 10 في المئة فقط من حجم سوق الأدوية الذي يبلغ أكثر من ثلاثة مليارات دولار.

وأوضح رئيس مجلس الوزراء أن العقود الخاصة بإنشاء المشاريع الدوائية ارتفعت في ظل الحكومة الحالية بما يتجاوز 60 في المئة، وهو مؤشر إيجابي للوصول إلى مرحلة إنتاج تتجاوز 80 في المئة خلال الأعوام الثلاثة المقبلة، ولا سيما للأدوية المنقذة للحياة، وأدوية مرضى السرطان المرتفعة الثمن والتي يصعب تأمينها بشكل دائم، مؤكداً العمل على إنشاء المدينة الصناعية الدوائية.

وتعد السيفالوسبورينات من المضادات الحيويّة المنقذة للحياة، حيث سيتم إنتاجها بجميع أشكالها الصيدلانية ولغاية الجيل الرابع، بما يتضمن المعلقات بطاقة 12 مليون قنينة سنوياً، والكبسول بطاقة 450 مليون كبسولة سنوياً، والحبوب بطاقة 600 مليون حبة سنوياً، والحقن العضلية والوريدية (الفيالات) بطاقة 40 مليون حقنة سنوياً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

خطة لاستقطاب استثمارات دوائية

وكان النائب مضر الكروي، أكد أن العراق وضع خطة لاستقطاب استثمارات دوائية من 10 دول، نصفها أوروبية.

وقال الكروي في تصريح صحافي إن “حكومة محمد شياع السوداني بدأت منذ مطلع العام الحالي بوضع استراتيجية مهمة للمضي بخلق الاكتفاء الذاتي من الأدوية من خلال أربع مراحل تدريجية، تبدأ من خلال تطوير المعامل الموجودة حالياً في سامراء وفتح خطوط إنتاجية أكثر ودعم القطاع الخاص وصولاً إلى استقطاب الاستثمارات من 10 دول نصفها أوروبي وفق الطلبات المقدمة بالوقت الحالي”.

وأضاف أن “تطوير الصناعة الدوائية في العراق أمر مهم بخاصة وأن البلاد تنفق سنوياً مبالغ طائلة على الاستيراد من دول كثيرة”، مؤكداً أن “خلق فرصة استثمارية واعدة ستقلل من الكلف وتضمن مرونة في إيصال الشحنات للمؤسسات الصحية في توقيتات زمنية محددة”.

ونوه الكروي إلى أن “هناك خططاً تدرس حالياً لبناء خمسة أو ستة معامل أدوية جديدة في البلاد من أجل تأمين بعض الأدوية والعقاقير”، لافتاً إلى أن “الاستثمار سيكون بمثابة مسار مهم وحيوي ستطلق بعض إجازاته قريباً”.

وفي مارس (آذار) الماضي، أعلن رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، تقديم نحو 40 طلباً لإنشاء مصانع أدوية محلية في العراق.

وكان السوداني أكد في أول اجتماع له مع رابطة منتجي الأدوية في العراق بشأن توطين الصناعة الدوائية في الرابع من فبراير (شباط) 2023، أن الحكومة ستُقدِّم التسهيلات لاستيراد المواد الأولية مع تحديد سقف زمني لتطوير المصانع ورفع قدراتها الإنتاجية وفق المواصفات المعتمدة.

في حين أعلن رئيس الوزراء في 13 مارس 2023 عن زيادة التخصيصات للأدوية في موازنة العام 2023 بمقدار 300 مليار دينار (نحو 230 مليون دولار) لتصبح 1.6 تريليون دينار (1.23  مليار دولار).

وأقر مجلس الوزراء في 20 مارس 2023 التوصيات النهائية التي أقرها رئيس المجلس في اجتماعه الثاني مع منتجي الأدوية المنعقد في التاسع من مارس 2023 بشأن توطين الصناعة الدوائية وبما يساعد في النهوض بالصناعة الدوائية، وزيادة عدد الأدوية المنتجة في العراق، وتجنيب المواطن شراء الأدوية غير المفحوصة.

حجم الاستهلاك

من ناحيتها، كشفت الرابطة العراقية لمنتجي الأدوية، في مارس الماضي، عن حجم ما يستهلك العراق من أدوية سنوياً وكم تغطي المصانع المحلية من الحاجة.

رئيس الرابطة أحمد علي إبراهيم ذكر في تصريح له أن “العراق تأخر في الوصول إلى مستويات متقدمة ومتطورة في صناعة الأدوية، مثل الدول المجاورة أو دول العالم بصورة عامة”، مبيناً أن “هذا الأمر غير مسؤولة عنه جهة معينة، وإنما مسؤولة عنه سياسات الحكومات طيلة العقود الستة الماضية، وليس وليدة اللحظة”.

وبين أن “مصانع الأدوية التي تعمل حالياً في العراق هي 25 مصنعاً، واحد منها حكومي وهو سامراء، وهناك مصنع مشترك حكومي وخاص وبقية المصانع تابعة للقطاع الخاص”، مشيراً إلى أن “العراق يستهلك سنوياً ما يعادل ثلاثة ونصف مليار دولار، والقطاع الوطني ينتج ما يقارب 17 في المئة من القيمة المادية، أما من حيث الكم فالمنتج المحلي يغطي ما يقارب 50 في المئة من حجم الكمية كون الأدوية العراقية رخيصة وبنوعية جيدة”.

يعزز الاعتماد الذاتي بمجال الرعاية الصحية

إلى ذلك، رأى المراقب للشأن العراقي، نوار السعدي، أن العراق يشهد تحسناً كبيراً في قطاع الصناعات الدوائية المحلية، مما يعزز الاعتماد الذاتي في مجال الرعاية الصحية، داعياً إلى دعم القطاع الصناعي وتعزيز السيادة الصحية من خلال الحد من استيراد الأدوية وتعزيز القدرة الإنتاجية للمصانع الوطنية.

ويعتقد السعدي أن هناك توجهاً حكومياً لإنشاء وتطوير مصانع الأدوية المحلية، بخاصة في ظل ازدياد الطلب على المنتجات العراقية، حيث أظهرت التجارب أن غالبية العراقيين أصبحوا يميلون لاستهلاك المنتجات المحلية، لا سيما بعد حملة “صنع في العراق” التي أدت إلى تغيير واضح في سلوك المستهلك العراقي تجاه المنتجات المحلية، إلى جانب عوامل الجودة والتكلفة والمصدر بحسب السعدي، الذي أشار إلى أنها تعد من أبرز العوامل التي تؤثر في تفضيلات العراقيين عند شراء المنتجات، بما في ذلك الأدوية، مما يدعم توجه العراق نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي وتعزيز قدراته الإنتاجية المحلية في مجال الأدوية لضمان استدامة الإمدادات وتوفير البدائل المحلية بجودة عالية وكلفة مناسبة.

نقلاً عن : اندبندنت عربية