تجنيد وخطف وذعر… مصير قاتم يواجه أطفال حرب السودان

تفاقمت أوضاع أطفال السودان خلال الحرب بصورة غير مسبوقة، إذ تعرضوا لأحداث تنوعت ما بين القتل والاختطاف، وحصد سوء التغذية المزمن أرواح مئات، فضلاً عن عشرات اليافعين الذين أبلغ ذووهم عن فقدانهم مع تصاعد العنف، إضافة إلى عدم الاستقرار باللجوء أو النزوح.

وترصد التقارير انتهاكات كثيرة في حق الأطفال، منها الفواجع الناتجة من الصراع المسلح بفقدان الأهل نتيجة الموت أو الإصابات، أو تعرضهم لأخطار أخرى مثل العنف الجنسي، وكذلك تحولهم إلى أهداف سهلة للتجنيد في الميليشيات والحركات المسلحة.

أرقام ومآس

إلى ذلك قال الأمين العام للمجلس القومي للطفولة في السودان عبدالقادر الأمين أبو إن “هناك 8 آلاف طفل بين قتيل ومفقود ومختطف بسبب الحرب بين الجيش وقوات ’الدعم السريع‘، المندلعة منذ أبريل (نيسان) 2023، فضلاً عن أكثر من 15 مليون لا يزالون خارج أسوار المدارس”.

وأضاف أن “قوات ’الدعم السريع‘ مارست أعمالاً وحشية ضد الأطفال في عدد من ولايات البلاد، وجندت أكثر من 8 آلاف طفل للقتال في صفوفها، كما اختطف 2500 طفل، إلى جانب فقدان 2500 آخرين، ولقي 3 آلاف طفل مصرعهم أثناء رحلات النزوح”.

وأوضح أبو أن “هناك 545 طفلاً من ذوي الاحتياجات الخاصة تم تحويلهم لتلقي العلاج، وأنهم في حالة صحية مستقرة”، لافتاً إلى أن “عدد الأطفال في السودان يصل إلى 24 مليون طفل، أي بنسبة 60 في المئة من السكان”.

ويتابع الأمين العام للمجلس القومي للطفولة “يعمل المجلس مع الوزارات المعنية لتفعيل الحماية الاجتماعية للأطفال والملاذ الآمن، وكذلك توفير قاعدة بيانات تشمل الإحصاءات للمساعدة في تحقيق العدالة وتقديم الخدمات، علاوة على وجود خطة لتأمين الأمن الغذائي للأطفال في المناطق المتضررة من الحرب، ومساعدة اليافعين الذين نزحوا من الخرطوم ومدينة ود مدني”.

ويردف “يشمل العمل أيضاً الأطفال فاقدي الرعاية وذوي الإعاقة، بالتعاون مع شركاء محليين ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة ’يونيسف‘ ومنظمات أخرى لإخراج الأطفال من المراكز التي تستضيفهم كأسر بديلة، ونقلهم إلى أسر آمنة”.

قلق بالغ

في المقابل يشكل مئات المفقودين وجهاً آخر لفاجعة السودانيين بخاصة سكان ولاية الجزيرة، إذ ظل عشرات الأطفال الطريق وانفصلوا عن أسرهم أثناء الفرار، بينما يرجح آخرون أنهم ربما يكونوا قيد الاحتجاز لدى قوات “الدعم السريع”.

ويروي عبدالوهاب جعفر، أحد الموجودين في مدينة حلفا، تفاصيل رحلة النزوح من منطقة تمبول، قائلاً “نجحت في الهرب من هجوم قوات ’الدعم السريع‘ رفقة أسرتي وسط الرصاص والفوضى العارمة، لكن ما إن أصبحت بأمان اكتشفت أنني فقدت أثر ابني، ومضى الآن 17 يوماً، ولا نعرف إن كان حياً أم ميتاً”.

ما يتذكره جعفر أن ابنه كان يتوسط العائلات أثناء رحلة النزوح، لكن إطلاق النار في كل اتجاه تسبب في فرار مئات، وعلى إثر ذلك فقدت الأسر عشرات الأطفال.

مرت الأيام ولا يزال المواطن السوداني يعجز عن الحصول على معلومات تبرد قلبه، إذ لم يترك أية وسيلة إلا لجأ إليها بحثاً عن طفله سواء من خلال المبادرات الطوعية أم وسائل التواصل الاجتماعي، ويكمل قائلاً “لا أعلم من أخذ طفلي أو من اعتنى به، وأخشى عليه من الاختطاف بواسطة المجموعات المسلحة”.

صدمات ومشكلات

الطفل مهاب سامي (12 سنة) الذي يقيم في إحدى معسكرات إيواء النازحين بمدينة بورتسودان، قال إنه “فقد والديه في حرب الخرطوم منذ أكثر من عام ونصف عام، وأجبرته ظروف الصراع المسلح على النزوح مع أقاربه وشقيقاته إلى ولاية البحر الأحمر، وبعد تفاقم الأوضاع ونفاد المدخرات المالية، اضطر إلى العمل لأنه ليس أسرته معيل غيره، ولا يوجد لديهم مصدر دخل ثابت يمكنهم العيش منه”.

وأضاف “أصبحت يتيماً وفقيراً ومن دون عائلة، أعيش مأساة على مدار اليوم، وعلى الأرجح هذه المأساة سترافقني طوال حياتي، أواجه مصيري لوحدي في مرحلة صعبة من عمري”.

وأوضح الطفل السوداني أن “الحرب تعوق توفير متطلبات الأطفال الأساسية من غذاء ومأوى وخدمات وتعليم، مما يوصلهم إلى مشكلات نفسية قد تتحول إلى معاناة، إن لم يتم تلافي الحالات واحتواؤها ومساعدتهم في تجاوزها”.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

آثار نفسية

على الصعيد نفسه اعتبرت الناشطة الحقوقية نسرين مصطفى أن “الانتهاكات التي تعرض لها الأطفال خلال الحرب تتجاوز الإحصاءات المسجلة لدى المجلس القومي للطفولة بكثير، إذ إن هناك آلاف السكان في الولايات التي شهدت نزاعاً مسلحاً لم يبلغوا عن حالات القتل والاختطاف والعنف الجنسي والتجنيد نظراً إلى غياب الشرطة والمؤسسات ذات الصلة في تلك الأقاليم”.

وأضافت أن “طرفي الصراع تورطا في تجنيد الأطفال، إذ توجد مقاطع فيديو تم تداولها على منصات التواصل الاجتماعي تؤكد وجود مئات الأطفال في ساحات المعارك إما برغبة منهم أو قسراً”.

وأشارت مصطفى إلى أن “مأساة الأطفال لم تنقطع بتمكنهم من الفرار مع أسرهم إلى ولايات البلاد الأخرى الأكثر أماناً، بل تواصلت معاناتهم بما واجهته أسرهم من زيادة في أسعار الإيجارات في الأقاليم التي استقبلت أكبر أعداد من النازحين، مما تأثر به الأطفال سلباً بلجوئهم إلى السكن في المدارس وغيرها من دور الإيواء، وهي غير مؤهلة في كثير من جوانبها”.

وأوضحت الناشطة الحقوقية أن “هذا يعد نوعاً من العنف له عواقبه وآثاره بالغة السوء لدى الأطفال الذين شاهدوا آباءهم يقتلون أمام أعينهم، وأمهاتهم أو شقيقاتهم يتعرضن للضرب والتحرش والاغتصاب، فضلاً عن التداعيات النفسية لرعب دوي الأسلحة الثقيلة بمختلف أنواعها، كلها مؤشرات على معاناة تلقي بظلالها النفسية والاجتماعية على الأطفال”.

نزوح وأزمات

على صعيد متصل، قدرت منظمة إنقاذ الطفولة عدد الأطفال دون سن الـ18 سنة ممن نزحوا جراء الحرب في السودان بنحو 5.8 مليون طفل، بينهم 2.8 مليون دون سن الخامسة ومرحلة ما قبل الدراسة.

وكشفت عن ثلاثة مسوحات جديدة أظهرت أن معدلات سوء التغذية الحاد الشامل تجاوزت نسبته 30 في المئة وسط الأطفال دون سن الخامسة في البلاد.

وشددت المنظمة على أن المعدل المرتفع للغاية لسوء تغذية الأطفال دون سن الخامسة شمل 19 منطقة ضمن تسع ولايات في السودان، مما سيدفع بعض المجتمعات نحو خطر المجاعة للمرة الأولى منذ اندلاع النزاع قبل 18 شهراً.

نقلاً عن : اندبندنت عربية