يكفي دونالد ترمب الرئيس الأميركي السابق والمرشح “الجمهوري” للبيت الأبيض في انتخابات هذه السنة، أن يتفوه بأمر كي يصدم الناس أو يظهر جهله. وقد تمكن هذا الأسبوع من تحقيق الأمرين معاً، عندما أفيد بأنه أدلى بتعليقات عن الزعيم النازي الراحل أدولف هتلر.
ووفقاً لجون كيلي الرئيس السابق لموظفي ترمب، فقد أشاد الأخير بالزعيم النازي قائلاً إنه “قام ببعض الأمور الجيدة”.
وبحسب ما تردد، فقد أعرب دونالد ترمب بصورة خاصة عن أمنيته في أن يتشبه موظفوه بـ”الجنرالات الألمان خلال الحرب العالمية الثانية”، الذين كانوا “مخلصين تماماً” لزعيمهم أدولف هتلر.
هذا التصريح المزعوم دفع بكامالا هاريس نائبة الرئيس الأميركي والمرشحة “الديمقراطية” إلى الرئاسة، إلى وصف ترمب بأنه “فاشي”. فإن متحدثاً باسم الرئيس السابق سارع إلى نفي أن يكون المرشح “الجمهوري” قد أدلى بتعليقات من هذا القبيل.
مع ذلك، فإن جون كيلي ليس أول من زعم أن دونالد ترمب أدلى بتصريحات خاصة مزعومة عن هتلر، على رغم أنه كان أول من تحدث عنها علناً.
من الواضح أن الرئيس السابق لم يخف أنه ينتظر الولاء المطلق من المحيطين به.
قبل نحو أسبوعين، أفاد هوارد لوتنيك، وهو أحد كبار مستشاري دونالد ترمب والرئيس المشارك لفريقه الانتقالي، بأنه إذا استعاد الرجل كرسي الرئاسة، على كل من يعمل في ولايته [الرئاسية] أن يظهر له “الإخلاص والولاء”.
وأشار لوتنيك إلى أن جنرالات أدولف هتلر، “لم يكن أمامهم من خيار آخر سوى تقديم ‘الولاء الكامل’ له”.
كان عدم الامتثال لكلمات هتلر ونزواته يعني غالباً مواجهة الموت عبر الإعدام بالرصاص.
لكن هذه العقلية لم تعد علامة تفوق، بل على العكس، أثبتت أنها نقطة ضعف قاتلة. ولو أتيحت لمؤرخ متخصص في “الحرب العالمية الثانية” الفرصة للحديث مع دونالد ترمب، لكان قد أوضح له أن إصرار الزعيم النازي على “ولاء مطلق” من جنرالاته، كان أحد الأسباب الجوهرية التي أدت إلى هزيمته في الحرب.
واستناداً إلى أفكار هتلر الخطأ يقتضي الولاء “الطاعة العمياء”. وقد تجاهل مراراً نصائح جنرالاته ذوي الخبرة، مما أدى إلى تكبد الجيش الألماني خسائر جسيمة، وأسفر في النهاية عن هزيمته.
وفي هذا الإطار، حبذا لو يقرأ الرئيس الأميركي السابق الكتاب الحديث لجوناثان ديمبلبي، المذيع وكاتب سيرة الملك البريطاني تشارلز، ومؤرخ “الحرب العالمية الثانية”، بعنوان “الفصل الأخير 1944” Endgame 1944.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في سياق تحليل هزيمة أدولف هتلر على يد الروس في الجبهة الشرقية عام 1944، يوضح ديمبلبي كيف أن مفهوم هتلر لـ”الولاء المطلق”، كانت له عواقب وخيمة في مناسبات عدة.
ويقدم الكاتب صورة لزعيم تغلبت عليه غطرسته، وغروره، وعناده، وغباؤه، وغرابة أطواره، مما دفعه إلى الاعتقاد أنه كان دائماً أكثر فهماً وحكمة من جنرالاته في الميدان.
الأشخاص الذين تحدوا هتلر وعارضوه ـ ليس بسبب عدم ولائهم له، بل رغبة منهم في اتخاذ القرارات العسكرية السليمة ـ جعلوا الفوهرر يصاب بنوبات غضب عارمة، وأعدموا رمياً بالرصاص بتهمة الخيانة.
في المقابل فإن الأفراد الذين امتثلوا لأوامره ونفذوها، لم يكن وضعهم أفضل بكثير، فقد شهدوا سقوط مئات، إن لم يكن آلاف، الجنود الألمان، بلا سبب، بينما كانت جيوش الحلفاء تواصل تقدمها في أرض المعركة.
في تحليل لإحدى الحوادث الكثيرة التي تجاهل فيها أدولف هتلر نصائح جنرالاته، مما أسفر عن نتائج مدمرة، كتب جوناثان ديمبلبي، “كان القرار الأخير لهتلر مثالاً على عنجهيته ولا مبالاته بحياة الآخرين، إذ أصر على الدفاع عن المدينة حتى لو استلزم ذلك التضحية بعشرات الآلاف من الجنود الألمان المخلصين له، وذلك إرضاء لغروره”.
في الواقع، يخطئ ترمب في ظنه أن جميع جنرالات هتلر كانوا يطيعونه بشكل أعمى، وينفذون أوامره من دون تردد.
ويوضح ديمبلبي أنه مع استمرار الحرب واقتراب الهزيمة، “فرض هتلر رؤيته المتعنتة على هؤلاء الجنرالات التعساء الذين فقدوا الثقة به”.
بعدما واجه دونالد ترمب نفسه محاولتي اغتيال أخيراً ونجا منهما، من المفترض أن يكون على دراية بأن هتلر نجا هو الآخر من محاولات عدة لقتله على يد ضباط في الجيش لم يكونوا موالين له، بما فيها تلك التي نفذها الضابط كلاوس فون شتاوفنبرغ، الذي دس قنبلة في حقيبة، ووضعها تحت طاولة هتلر في عام 1944. وعلى رغم انفجارها، لم يصب الزعيم النازي سوى بجروح فحسب.
وقد جرى إثر تلك الحادثة إعدام شتاوفنبرغ، ونحو 200 من زملائه المتآمرين.
وكما شتاوفنبرغ، فإن جون كيلي الجنرال السابق في “مشاة البحرية الأميركية” US Marine Corps الذي أطلق اتهامات ضد دونالد ترمب – كان “مخلصاً بالكامل” لرئيسه السابق.
يبدو جون كيلي، كما كلاوس فون شتاوفنبرغ، رجلاً يتمتع بالنزاهة والاحترام. ومن الواضح أنه من الضروري هنا اعتماد تقييم متوازن.
ففي ما يتعلق بما اعتبرها ترمب خيانة سياسية، كان نصيب كيلي مجرد وابل من الهجمات اللفظية والإهانات التي أطلقها عليه الرئيس الأميركي السابق، مصنفاً إياه بأنه “شخص حقير ومنحط”. ويمكن بسهولة تخيل ملامح الغضب التي ارتسمت على وجه ترمب وهو ينبس بتلك الكلمات بنبرة حانقة.
من الصعب تصور أن دونالد ترمب لا يدرك الأخطاء الفادحة الأخرى التي ارتكبها أدولف هتلر وجنرالاته “المخلصون تماماً” له، مثل تكرار خطأ نابليون بغزو روسيا، وإعلان الحرب على الولايات المتحدة بلا داع بعد هجوم “بيرل هاربور”، وكذلك تضليله من جانب الحلفاء للاعتقاد أن “يوم النصر” D-Day (إنزال قوات الحلفاء على شاطئ نورماندي الذي أسهم في وضع حد لـ”الحرب العالمية الثانية”) سيكون على شاطئ كاليه وليس النورماندي، إضافة إلى السماح لتشرشل وبريطانيا بالانسحاب من دانكيرك، على سبيل المثال لا الحصر.
في الختام، يمكنني بكل سرور أن أرسل لترمب نسخة من الكتاب الممتاز لجوناثان ديمبلبي عن “الحرب العالمية الثانية”، لو كنت أعتقد حقاً أنه سيتكلف عناء قراءته.
نقلاً عن : اندبندنت عربية