شكوى قديمة متجددة… أين تختفي مساعدات السودانيين؟

يبدو أن تداعيات الصراع المسلح بين الجيش السوداني وقوات “الدعم السريع” الذي اندلع منتصف أبريل (نيسان) 2023، سيظل يطاول المواطنين السودانيين بسبب اتساع رقعته وطول أمده، وبخاصة في الشأن الإنساني والنقص الحاد في الغذاء، مما تطلب من منظمات الأمم المتحدة وبعض دول الجوار بذل مجهودات جبارة في إيصال المواد الإغاثية التي تلعب دوراً كبيراً في إنقاذ ملايين الأرواح من الجوع، بعد أن بات شبح المجاعة يهددهم في مناطق النزاع النشط ومعسكرات الإيواء.

ومع ذلك ثمة تساؤلات وشكاوى وشبهات تدور حول الإغاثة من المواطنين في ولايتي الخرطوم وبورتسودان، ومنها أين تذهب آلاف الأطنان من شحنات المساعدات الإنسانية التي وصلت البلاد براً وجواً وبحراً؟ ولماذا لم تسلم الحصص الكافية لمستحقيها؟ وبخاصة أن عدداً من الأصناف كالرز والعدس والدقيق والسكر والمكرونة والزيوت ولبن البودرة تسربت إلى الأسواق، وما يدل على ذلك شعارات الدول المانحة على صناديق المواد الغذائية التي تغزو مختلف أسواق البلاد، فضلاً عن أنها كانت رداً كافياً على استفهامات المواطنين، إذ تباع علناً في المحال التجارية إلى جانب انتشارها الواسع على أرصفة الأسواق مقابل أثمان باهظة، في حين يموت كل ساعتين أربعة أطفال جراء سوء التغذية الناتج من الجوع الحاد، إضافة إلى المسنين والنساء الحوامل.

هذه التجاوزات وثقها ناشطون في غرف الطوارئ وتداولتها مواقع التواصل الاجتماعي واعتبروا مثل هذه الأفعال جريمة في حق المواطن الذي يعاني ضروباً مختلفة من المواجع في شتى مناحي حياته بسبب الحرب وتصعيد العمليات العسكرية، إلى جانب عدم الجلوس إلى طاولات المفاوضات الإقليمية والدولية لإنهاء أزمة السودان.

شبهات وتجاوزات

أحد مواطني مدينة أم درمان بضاحية كرري والذي فضل عدم ذكر اسمه، قال إن “المواطنين العالقين في الخرطوم الذين توافدوا نحو أحياء كرري والثورات الواقعة في الأجزاء الشمالية لمدينة أم درمان، ظناً أنها من المناطق الآمنة والحياة تسير على طبيعتها، إذ أصبحوا يعانون احتدام المعارك وسوء الأوضاع المعيشية بعد تكثيف العمليات العسكرية وتوجيه ميليشيات ’الدعم السريع‘ قصفها المدفعي نحو قاعدة كرري التابعة للجيش السوداني، مما أدى إلى أضرار واسعة تفاقمت معها معاناتهم بسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية التي يعجز المواطن على توفيرها في ظل التوقف عن العمل، وعدم صرف الرواتب الشهرية”.

وذكر أنه “في خضم هذه المعاناة لاحظنا انتشاراً كثيفاً للمواد الإغاثية التي وصلت البلاد من الخارج تباع في سوق قندهار غرب أم درمان، فضلاً عن أنه يعد من الأسواق التي نشطت خلال الحرب، إذ تحمل عبوات عديدة من السلع شعارات بعض الدول وكنا نتوقع توزيعها على مستحقيها بعد الحصر الذي أجراه بعض الجهات الرسمية للسكان المحتاجين للدعم عبر مناديبها، لكن المواطنين طال انتظارهم بعد التيقن من تسجيل أسماء غير الموجودين في كشوفات مستحقي الإغاثة الذين يقيمون في هذه المناطق، إذ لم يتسلموا حصصهم حتى هذه اللحظة، وبات من الواضح أن هناك شبهات وتجاوزات تدور حولها”.

 

 

ويروي “توجهنا مراراً إلى مكتب المدير التنفيذي لمحلية الخرطوم مع العلم أن المديرين التنفيذيين لمحليات الخرطوم وبحري وجبل أولياء وشرق النيل في ظل هذه الظروف يمارسون مهامهم عبر نوافذ خصصت لهم في كرري لتقديم الخدمات للمواطنين، وبخاصة في ما يتعلق بالإغاثة لنشكو حاجتنا لكن دون جدوى، فضلاً عن أننا لا نستطيع شراءها من الأسواق، إذ لا نمارس أعمالاً تدر لنا أموالاً، إلى جانب توقف الرواتب الشهرية”.

وأشار إلى أن “السودانيين أنهكت قواهم بسبب تكالب المعاناة واحدة تلو الأخرى، وبخاصة المتعلقة بالغذاء الذي أدى نقصه إلى موت الأطفال دون سن الخامسة، فضلاً عن أن المساعدات الإنسانية إذا ما اتبعت النزاهة في توزيعها وعدم تسريبها للأسواق كان من الممكن أن تكافح حال الجوع الحاد وإنقاذ حياة ملايين الأشخاص، إذ علمنا من خلال تداول الأحاديث أن عائدها يذهب لدعم الحرب”.

تفاقم المعاناة

الشكوك في شأن الإغاثة المقبلة من الخارج لا تراود سكان الخرطوم بل مئات الآلاف من النازحين في معسكرات الإيواء بمدينة بورتسودان في ولاية البحر الأحمر شرق البلاد، الذين تفاقمت معاناتهم المعيشية فضلاً عن أن مفوضية العون الإنساني التابعة للحكومة هي من تتولى مهمة تنسيق الشأن الإنساني بالولاية، وتسلم المواد الإغاثية ومن ثم توزيعها على النازحين والأسر المستضيفة، باستثناء برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة وبعض المنظمات الأخرى، التي تعمل على إيصال المساعدات عبر موظفيها، بحسب مشرفين متطوعين بمراكز الإيواء في بورتسودان.

احتكار الإغاثة

من جهتها، قالت الناشطة في العمل الإنساني سلوى عثمان التي تقيم في معسكر للنازحين بولاية البحر الأحمر إن “بورتسودان تحوي 239 ألف نازح يقيمون في 34 مركزاً، وفقاً لإحصاءات صادرة عن الأمم المتحدة خلال فبراير (شباط) الماضي، فضلاً عن تصاعد الأعداد بسبب اتساع رقعة الحرب والبحث عن ملاذات آمنة إزاء ذلك فإن حجم المعاناة في الحصول على الغذاء كبيرة، وبخاصة أن النازحين في بعض المعسكرات ظلوا لأيام عدة متواصلة بلا طعام، خصوصاً بعد السيول التي اجتاحت المعسكرات وبات من الصعوبة الحصول على الوجبات الغذائية الكافية”.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وقالت عثمان “نظراً لهذه الأوضاع المأسوية خاطبنا مفوضية العون الإنساني باعتبارها الجهة المنوط بها توزيع حصص المساعدات الإنسانية، كان ذلك عبر المشرفين في المراكز، فضلاً عن أنهم لم يتسلموا سواء الفتات الذي لا يسد الجوع ولو ليوم واحد، إذ إن الولاية تسلمت شحنات مهولة من المواد الإغاثية تشمل أصنافاً متعددة ضرورية لأساسات الحياة، لكن كالمعتاد تم تخزينها في مخازن غير مهيأة وهو ما يسهم في إتلافها وتعرضها للفساد بعامل الرطوبة، في حال يوجد من يتضورون جوعاً بالمعسكرات”.

ولفتت الناشطة في العمل الإنساني إلى أن” مثل هذه الأساليب المتبعة في احتكار الإغاثة ستؤدي إلى تكرار ما حدث مسبقاً، عند وصول الدفعات الأولى وتعرضها للنهب من المواطنين الذين كسروا أبواب المخازن بضاحية سلبونا، على رغم الحراسة المشددة من الجهات الأمنية”.

تسريب للأسواق

في السياق ذاته، قال عضو غرفة الطوارئ بمدينة بورتسودان الفاضل عبدالوهاب إن “الجهات المسؤولة عن تسلم الإغاثة التي وصلت ولاية البحر الأحمر من بعض دول الجوار ظلت تفرض قيوداً على أعضاء غرف الطوارئ من الشباب الناشطين في المنظمات، التي نهضت في ظل الأزمة الحالية لتوفير حاجات النازحين كافة من إيواء وغذاء ودواء وغيرها من متطلبات حياتهم الجديدة التي فرضتها الحرب، على رغم أنه لا هم لهم سوى العمل الإنساني، لا سيما منعهم التدخل والمشاركة في توزيع المواد الإغاثية، بحجة أنهم ينتمون لمنظمات غير مسجلة”.

ومضى عبدالوهاب في حديثه “هناك تلاعب في الإغاثة، وإلا كيف وصلت الأسواق، نراها تباع في المحال التجارية وتنتشر على الأرصفة دون رقابة بيد أن لا وجود لها في معسكرات الإيواء، إلى جانب الأسر المستضيفة التي تعاني أوضاعاً اقتصادية قاسية إذ يذهبون لأسواق المدينة المختلفة لشراء مواد الإغاثة بأموال طائلة”.

ونوه عضو غرفة الطوارئ إلى أنه “لا بد من مبررات لتسريب الإغاثة إلى الأسواق من المسؤولين القائمين على أمرها والمزاعم في الفساد والتلاعب الذي طاولها ومحاسبة من أسهم في تجويع المواطنين”.

تدفق المساعدات

ويواجه أكثر من 20 مليون سوداني أوضاعاً إنسانية في غاية الصعوبة والتعقيد داخل مناطق النزوح والصراع المتفجر بين الطرفين المتحاربين الذي دخل شهره الـ17 جراء انعدام الغذاء، مما يتطلب وصول المساعدات الإنسانية بالسرعة المطلوبة في ضوء التعهدات التي حصل عليها الوسطاء الدوليون والإقليميون من الجيش و’الدعم السريع‘ خلال المحادثات التي أجروها في جنيف أخيراً لحل الأزمة السودانية، وذلك بتوفير ممرين آمنين هما معبر أدري في (إقليم) دارفور على الحدود الغربية، ومعبر الدبة على الحدود الشمالية لعبور هذه المساعدات إلى داخل البلاد.

وبالفعل بدأت قوافل المساعدات الإنسانية التابعة لبرنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة تتدفق عبر معبر أدري الواقع على الحدود السودانية – التشادية بعد توقف دام ثمانية أشهر بحجة استغلاله من قبل ’الدعم السريع‘ بإدخال الأسلحة والعتاد لقواتها.

 

 

ووافق الجيش وقوات “الدعم السريع” في السودان على توفير ممرين آمنين للمساعدات الإنسانية للتخفيف من تداعيات الحرب الدائرة بينهما. وأكدت دول الوساطة في بيان أنها حصلت “على ضمانات من طرفي النزاع لتوفير نفاذ آمن ومن دون عراقيل عبر شريانين رئيسين، هما أدري والدبة”، مشددة على أن “الغذاء والجوع لا يمكن استخدامهما سلاحاً في الحرب”.

وأكد البيان الختامي للمحادثات أن “شاحنات المساعدات في طريقها لتأمين مساعدات لمواجهة الجوع في مخيم زمزم وأجزاء أخرى من دارفور”، مشدداً على ضرورة أن “تبقى الطرق مفتوحة وآمنة لنتمكن من إدخال المساعدات إلى دارفور ونبدأ بتحويل مجرى الأمور ضد المجاعة”. وشدد الوسطاء في بيانهم على مواصلة “تحقيق تقدم” بغرض فتح ممر آمن ثالث للمساعدات عبر سنار في جنوب شرقي البلاد.

نقلاً عن : اندبندنت عربية