خلال الأشهر القليلة الماضية، كشف مسؤولون حكوميون أميركيون النقاب عن تفاصيل عملية سيبرانية معقدة تسمى “إعصار الملح” أو “سولت تايفون” Salt Typhoon خطط لها ونفذها قراصنة صينيون. والهجوم، الذي يعتقد المحققون الأميركيون أنه مرتبط بوزارة أمن الدولة الصينية، استهدف في أقل تقدير تسع شركات عاملة في الاتصالات وتدير بنى تحتية حيوية في الولايات المتحدة، إضافة إلى أهداف عدة في عشرات البلدان الأخرى. وطوال العام أو العامين الماضيين، علماً أن المحققين لم ينجحوا بعد في تحديد المدة الدقيقة للعملية، حدد القراصنة الإلكترونيون مواقع جغرافية عدة وسجلوا مكالمات هاتفية لملايين الأميركيين، وتمكنوا كذلك من الوصول إلى الرسائل النصية والمكالمات الهاتفية لعدد مختار من كبار المسؤولين والسياسيين على مستوى العالم، من بينهم الرئيس الأميركي الحالي دونالد ترمب ونائب الرئيس جي دي فانس وفق تقرير أعده “بوليتيكو”، الموقع الإخباري الأميركي المتخصص في السياسة والشؤون العامة. صحيح أن التجسس السيبراني المدعوم من الصين ليس جديداً، بيد أن “إعصار الملح” كان غير مسبوق في نطاقه الواسع. وما زال مجهولاً الحجم الكامل للاختراق، ودرجة الوصول التي يملكها القراصنة الإلكترونيون إلى تلك المعلومات، ولكن نائب رئيس “لجنة الاستخبارات” الخاصة في مجلس الشيوخ الأميركي السيناتور مارك وارنر وصف الهجوم بأنه “الاختراق الإلكتروني الأسوأ للاتصالات في تاريخ أمتنا”.
وفي استجابة مباشرة للتهديدات السيبرانية الصينية، بدأ كبار المشرعين والمسؤولين الأميركيين في استخدام تطبيقات رقمية مشفرة لإجراء المكالمات الهاتفية وإرسال الرسائل النصية. وبدورها، أصدرت إدارة الرئيس الأميركي [السابق] جو بايدن إرشادات إلى الجهات التي تدير البنى التحتية الرقمية حول كيفية الحد من تأثير التهديدات السيبرانية وأخطارها على أنظمة الاتصالات والمعلومات، كذلك لجأت إلى حظر الشركات الصينية المتخصصة بالاتصالات من العمل في الولايات المتحدة، وعقدت مناقشات مع الرؤساء التنفيذيين لدى شركات الاتصالات الأميركية وشركات الأمن السيبراني. وفي الأسبوع الأخير له في منصبه، أصدر الرئيس الأميركي جو بايدن أمراً تنفيذياً ينص، من بين أمور أخرى، على أنه على الشركات التي تبيع البرمجيات الإلكتروينة للحكومة الفيدرالية أن تثبت علناً أنها استوفت معايير الأمن السيبراني. ولكن الاستجابة السياسية الطويلة الأمد ستقع على عاتق دونالد ترمب. سيكون كثير من موظفيه على دراية بالتهديد الذي يمثله القراصنة الإلكترونيون الصينيون، ولكنهم في المقابل سيكونون أقل معرفة بمدى التطور والتعقيد الذي أصبحت عليه القدرات التكنولوجية لدى خصومهم هؤلاء.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في الحقيقة، ليس في المتناول القضاء تماماً على التهديد المتمثل في التجسس السيبراني. بالنسبة إلى القيادة الصينية، لا تصب المعلومات التي يصار إلى جمعها بواسطة هذه العمليات في مصلحة الأمن القومي ومصالح السياسة الخارجية للبلاد فحسب، بل ترى أيضاً أن الولايات المتحدة تنفذ أيضاً عمليات القرصنة السيبرانية عينها ضد الصين. وفي هذا النوع من الهجمات السيبرانية، يملك المعتدون أفضلية على المدافعين، لذا لا يمكن منع الصين من التجسس. ولكن لا يعني هذا الواقع أن الهجمات السيبرانية يجب أن تستمر من دون اتخاذ أية إجراءات تردعها. يمكن للإدارة الأميركية الجديدة بقيادة ترمب أن تعرقل خصومها بصورة أفضل من طريق تحديث التكنولوجيا، وتوفير دعم أكبر للجهات التي تدير البنى التحتية البالغة الأهمية، علاوة على توسيع الجهود الأميركية لتعطيل أنشطة القراصنة الصينيين وفرض تدابير تعرضهم لعقوبات اقتصادية وتحملهم كلف مالية.
جديدة ومحسنة
ومعلوم أن “إعصار الملح” يُعد الاختراق السيبراني الأحدث في سلسلة طويلة من حملات التجسس السيبراني المدعومة من الصين. وتخصص الصين موارد كبيرة لجمع معلومات عن الوكالات والمؤسسات والأفراد الأجانب الذين ربما يروجون لسياسات تضر بالمصالح الصينية أو تؤثر سلباً في المناقشات الدولية حول قضايا تهم بكين. حدثت آخر عملية رفيعة المستوى قبل “إعصار الملح” عام 2023، عندما استغل قراصنة صينيون ثغرة أمنية في حسابات البريد الإلكتروني التي تعتمد على خدمات “مايكروسوفت” [المستخدمة بصورة شائعة في المؤسسات والأعمال] بغية الوصول إلى حساب وزيرة التجارة الأميركية جينا ريموندو وسرقة عشرات الآلاف من رسائل البريد الإلكتروني لمسؤولين في وزارة الخارجية يعملون في قضايا تخص شؤون دول شرق آسيا ومنطقة المحيط الهادئ.
وخلال الأسبوع الأخير من عام 2024، علم الكونغرس من وزارة الخزانة الأميركية أن قراصنة إلكترونيين صينيين نجحوا في الوصول إلى أجهزة الكمبيوتر الخاصة بالموظفين والوثائق غير السرية في “مكتب الأبحاث المالية”، واستهدفوا “مكتب مراقبة الأصول الأجنبية”، الذي يدير العقوبات الاقتصادية ضد الدول والشركات والأفراد. وعلى مدى العقدين الماضيين اخترق قراصنة صينيون الشبكات الإلكترونية المستخدمة في وزارات التجارة والدفاع والخارجية والبيت الأبيض وحملات الرئاسة لكل من جون ماكين وباراك أوباما، إضافة إلى السفارات ووزارات الخارجية والدفاع وبرلمانات دول حليفة للولايات المتحدة وشركائها حول العالم.
ولا يخفى على أحد أن الصين تحقق فوائد كثيرة [معلومات وبيانات سرية] من طريق حملات التجسس السيبراني التي تنفذها. مثلاً، تساعد سرقة بعض مجموعات البيانات الاستخبارات الصينية وعمليات مكافحة التجسس. وإضافة إلى بيانات الموقع والمكالمات والرسائل النصية، تمكن “إعصار الملح” من اختراق أنظمة المراقبة التي تسمح شركات الهاتف لسلطات إنفاذ القانون بالوصول إليها عندما تخوض السلطات تحقيقات في قضايا جنائية وشؤون الأمن القومي. ومن طريق الدخول عبر هذه الأبواب الخلفية لأنظمة الاتصالات الأميركية، ربما تكون أجهزة الاستخبارات الصينية تمكنت من معرفة أي من عملياتها تخضع للمراقبة من جانب “مكتب التحقيقات الفيدرالي” “أف بي آي” FBI.
وخلال الفترة الممتدة بين عامي 2014 و2018 سرق قراصنة إلكترونيون صينيون بيانات شخصية لأكثر من 20 مليون موظف فيدرالي من “مكتب إدارة شؤون الموظفين”، إضافة إلى معلومات الائتمان وأرقام جوازات السفر وخطط السفر وبيانات صحية لعشرات الملايين من الأميركيين، وجاء ذلك في عمليات اختراق استهدفت شركات خاصة من قبيل “أنتيم” Anthem و”إيكويفاكس” Equifax و”ماريت” Marriott و”يونايتد إيرلاينز” United Airlines. وقد تكون هذه البيانات ساعدت أجهزة الاستخبارات الصينية في إرغام أفراد على التجسس لمصلحة بكين، وربما ساعدت مكافحة الاستخبارات الصينية في تحديد وتعقب جواسيس الولايات المتحدة في مختلف أنحاء العالم. وليس مستبعداً أيضاً استخدام ما يسمى “الميتاداتا” من الاتصالات الأميركية، أي المعلومات حول الشخص الذي جرى الاتصال به ومدة المكالمة الهاتفية ولكن من دون الكشف عن محتوى المكالمة نفسها، لتوسيع وتحسين نوعية البيانات المحلية المستخدمة في تدريب أنظمة الذكاء الاصطناعية الصينية.
دبلوماسية ودفاع وتعطيل
حتى الآن، لجأت حكومة الولايات المتحدة إلى وسائل دبلوماسية للتعامل مع هذه الأنواع من الهجمات التي تستهدفها، وذلك من طريق تعزيز دفاعات الشبكات الإلكترونية والأنظمة الرقمية المحلية، والسعي إلى تعطيل هجمات الخصوم. وأسفرت هذه التكتيكات عن نتائج متباينة. ولكن حتى الآن لم تجد الأدوات الدبلوماسية نفعاً في إيقاف التجسس السيبراني أو ردعه. وتنفي وزارة الخارجية الصينية بدورها وقوف بكين وراء العمليات السيبرانية، واصفة الولايات المتحدة علانية بأنها “إمبراطورية القرصنة” الحقيقية، وزاعمة أن واشنطن تستخدم قضايا الأمن السيبراني “لشيطنة الصين”.
كذلك أصدر “المركز الوطني الصيني للاستجابة لطوارئ فيروسات الكمبيوتر” وشركة الأمن السيبراني الصينية “360 ديجيتال سكيورتي غروب” 360 Digital Security Group، تقارير روجت لها صحيفة “غلوبال تايمز” الصادرة باللغة الإنجليزية والتابعة للدولة الصينية تدعي أن عملية صينية أخرى تسمى “إعصار الفولت” (فولت تايفون) Volt Typhoon، كانت اكتشفتها الولايات المتحدة خلال الأشهر الأولى من 2023 ولكنها كانت بدأت نشاطها منذ منتصف 2021، وفق “مايكروسوفت”، هي في الواقع من تنفيذ عصابة دولية من قراصنة إلكترونيين متورطين في استخدام برامج إلكترونية خبيثة لابتزاز الأموال من الأفراد أو المؤسسات، وأن وكالات تجسس أميركية اختلقت روايات كاذبة حول مصدر الهجمات بهدف زيادة موازناتها.
لا شك في أن الولايات المتحدة متورطة في التجسس السيبراني، إذ تتجسس على القادة السياسيين ووزارات الخارجية والجيوش التابعة للدول التي ربما تشكل تهديداً ضدها في المستقبل. ولكن الفارق الأساس بين سلوك الولايات المتحدة من جهة وسلوك منافسي واشنطن من جهة أخرى، أن الولايات المتحدة وحلفاءها في تجسسهم السيبراني يستهدفون فقط مصالح الأمن القومي المشروعة، ولا يسعون إلى تحقيق مكاسب اقتصادية أو جمع كميات ضخمة من البيانات عن السكان أو إلحاق الضرر بأطراف أخرى.
وخلال الأسبوع الأول من العام الحالي، فرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات على شركة أمن سيبراني مقرها بكين، اسمها “إنتغريتي تكنولوجي غروب” Integrity Technology Group، لدعمها حملة قرصنة إلكترونية تعرف باسم “إعصار الكتان” (فلاكس تايفون) Flax Typhoon استهدفت مؤسسات داخل قطاعات البنى التحتية الحيوية في الولايات المتحدة. ووجه أعضاء التحالف الاستخباراتي “العيون الخمس” Five Eyes، أستراليا وكندا ونيوزيلندا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، انتقادات صريحة إلى الصين في شأن هذا النوع من التدخل، أحياناً بدعم من دول أخرى، إذ نسبوا الهجمات السيبرانية إلى مجموعات مدعومة من الصين. وعلى رغم أن هذه الإجراءات أثبتت فاعليتها في تحذير الأهداف الضعيفة في شأن الحملات السيبرانية التي تشنها الصين، وفي بناء تفاهم مشترك بين حلفاء الولايات المتحدة حول أنواع العمليات السيبرانية التي تعد مشروعة، بيد أنها لم تحدث أي تأثير ملحوظ في تقليص حجم التجسس السيبراني الصيني ونطاقه.
الصين جعلت من نفسها منافساً نظيراً للقوى الكبرى الأخرى في مجال الفضاء السيبراني
بغية تحصين الولايات المتحدة بصورة أفضل من هذه الحملات السرية، استخدمت إدارة بايدن قرارات تنفيذية وطلبت التزامات طوعية من الشركات في القطاع الصناعي داخل الولايات المتحدة. ومن خلال التنسيق مع القطاع الخاص، استحدثت الوكالات الفيدرالية تدابير حماية ومعايير جديدة لقطاعات السكك الحديد وخطوط الأنابيب وقطاع الطيران. وخلال أبريل (نيسان) 2024، وقع بايدن مذكرة جديدة للأمن القومي في شأن البنى التحتية الحيوية، والتي كلفت إحدى الوكالات التابعة لوزارة الأمن الداخلي بتنسيق الجهود لحماية هذه البنى التحتية الحيوية، خصوصاً التي تدعم الأمن القومي والصحة العامة والسلامة.
كذلك وجهت المذكرة وكالات الاستخبارات الأميركية إلى مشاركة المعلومات حول التهديدات السيبرانية مع الجهات المالكة والمشغلة للبنى التحتية الحيوية. مثلاً، رداً على “إعصار الملح” اقترحت رئيسة “لجنة الاتصالات الفيدرالية” الحالية جيسيكا روزنورسيل قواعد تنظيمية جديدة من شأنها إلزام مشغلي الاتصالات بتأمين شبكاتهم، وإدخال متطلبات سنوية للتصديق على خطط إدارة أخطار الأمن السيبراني الخاصة بهم، وتطبيق الغرامات أو حتى العقوبات الجنائية في حال عدم الامتثال. ولكن من المرجح أن تخضع هذه القاعدة التنظيمية وغيرها من القواعد التنظيمية (وربما يتقرر إلغاؤها) لإعادة النظر من جانب “لجنة الاتصالات الفيدرالية” والكونغرس الجديد الذي يسيطر عليه الجمهوريون الآن، والذين يرون أن القطاع الخاص مثقلاً بالأعباء أصلاً. ومن غير المرجح أن تقدم إدارة ترمب قوانين تنظيمية جديدة لرفع معايير الأمن السيبراني.
ولكن حتى في حال تعزيزها، لن تكون القوانين التنظيمية الخاصة بالدفاع السيبراني كافية لحماية الولايات المتحدة من التهديدات السيبرانية الخارجية. لن يتوقف المهاجمون عن إيجاد ثغرات عبر الشبكات والأجهزة. لقد نجحوا في اختراق الشبكات بصورة متزايدة من طريق استهداف شركات خارجية موردة لبرمجيات وأنظمة إلكترونية تستخدمها الجهات المستهدفة. كذلك يواجه مجال الأمن السيبراني نقصاً كبيراً في الكفاءات، ويبقى استبدال المعدات القديمة مكلفاً. على سبيل المثال، ربما يكون “إعصار الملح” استغل ثغرات تشوب الأجهزة ولا يمكن معالجتها إلا عبر تحديث المعدات، وهو ما يكلف القطاعين العام والخاص مليارات الدولارات. ونظراً إلى مثل هذه التحديات، لعل الدفاع الأفضل يتطلب هجوماً سيبرانياً أكبر.
وربما تكون لدى الجمهوريين شكوك حول فاعلية فرض قواعد تنظيمية أكثر صرامة لحماية البلاد من التهديدات السيبرانية، ولكنهم شرعوا فعلاً في اتخاذ خطوات نحو تعزيز التكتيكات الهجومية لمكافحة هذه الأخطار، أو أقله تعبيد الطريق أمامها. خلال فترة ولايته الرئاسية الأولى، خفف ترمب القيود المفروضة على العمليات السيبرانية الهجومية من خلال “المذكرة الرئاسية للأمن القومي رقم 13″، كذلك فإن “قانون تفويض الدفاع الوطني” لعام 2019 سمح مسبقاً باتخاذ “إجراءات مناسبة ومتوازنة في الفضاء السيبراني الأجنبي لتعطيل وهزيمة وردع” أية “حملة نشطة وممنهجة ومستمرة من الهجمات ضد حكومة أو شعب الولايات المتحدة في الفضاء السيبراني” من جانب الصين أو إيران أو كوريا الشمالية أو روسيا.
أحد هذه التكتيكات التي شرعت الولايات المتحدة في استخدامها فعلاً هي ما أطلقت عليه استراتيجية وزارة الدفاع السيبرانية لعام 2018 تسمية “المطاردة الاستباقية”، أي تعطيل النشاط السيبراني الخبيث من مصدره قبل أن يتسبب بأية أضرار كبيرة. والتفاصيل العامة حول هذه العمليات قليلة، ولكن وفق صحيفة “واشنطن بوست”، نفذت الولايات المتحدة عمليات سيبرانية خلال انتخابات التجديد النصفي الأميركية لعام 2018 والانتخابات الرئاسية لعام 2020 بُغية ردع قراصنة إلكترونيين، بما في ذلك عملية تحول دون استخدام “تريك بوت” TrickBot، علماً أنه إحدى أكبر شبكات الأجهزة المخترقة في العالم، في هجمات على أهداف أميركية.
إضافة إلى ذلك، تعمل قيادة الأمن السيبراني الأميركي والتي تشكل جزءاً من وزارة الدفاع الأميركية، مع الدول الشريكة للنهوض بعمليات “مطاردة استباقية” بحثاً عن أنشطة سيبرانية ضارة، ونسخ البرمجيات الخبيثة، من قبيل “فيروس توتال” VirusTotal، وكشفها علناً على مواقع الويب العامة قبل استخدامها ضد أهداف أخرى.
ووفق القائد العام لهذه القيادة الجنرال تيموثي هوف أجرت القيادة السيبرانية 22 مهمة في 17 دولة مختلفة عام 2023. وتضطلع وزارة العدل الأميركية أيضاً بدور في هذا النوع من التعطيل. وخلال ديسمبر (كانون الأول) 2023 رُصد قراصنة مدعومون من الصين يتخفون وراء أجهزة توجيه الإنترنت (الراوترات) المستخدمة في المنزل والشركات الصغيرة لتنفيذ هجمات سيبرانية على البنية التحتية الحيوية للولايات المتحدة. ولإحباط هذه الهجمات، سمحت المحكمة الأميركية لـ”مكتب التحقيقات الفيدرالي” بحذف البرمجيات الخبيثة وفصل أجهزة التوجيه المخترقة عن شبكة الروبوتات من دون إذن من المالكين.
أمن افتراضي
وستقف إدارة ترمب المقبلة في مواجهة الصين وأصبحت الأخيرة أكثر قدرة وكفاءة في التكنولوجيا السيبرانية مقارنة مع ما كانت عليه خلال إدارة ترمب الأولى. وكما أشار “مكتب مدير الاستخبارات الوطنية” عام 2024 “تظل الصين التهديد السيبراني الأكثر نشاطاً واستمراراً للحكومة الأميركية، والقطاع الخاص، وشبكات البنية التحتية الحيوية”. وجعلت الصين من نفسها منافساً نظيراً للقوى الكبرى الأخرى في مجال الفضاء السيبراني، من خلال الاستثمار في التكنولوجيا الجديدة والتدريب، وإيجاد روابط أوثق بين وزارة أمن الدولة والباحثين في مجال الأمن السيبراني، إضافة إلى بناء نظام بيئي محلي تنافسي للشركات الخاصة الراغبة في دعم العمليات السيبرانية للدولة.
صحيح أنه من غير المرجح أن تعتمد إدارة ترمب قوانين تنظيمية أو تشريعات جديدة لتعزيز دفاعات الشبكات الأميركية، ولكن يمكنها أن تقود جهود توحيد معايير الأمن السيبراني عبر وكالات فيدرالية متعددة، مما يجعلها قادرة على الالتزام بالقوانين والمتطلبات المتعلقة بالأمن السيبراني بصورة أقل كلفة، ويوفر وضوحاً أكبر للقطاع الخاص في شأن الأولويات في هذا المجال. يمكن أن تبدأ هذه المعايير الموحدة تحت إشراف مكتب “المدير الوطني للأمن السيبراني” (ONCD). وفي عهد بايدن، شرع مكتب “المدير الوطني للأمن السيبراني” في دراسة حول كيفية توحيد وتبسيط المتطلبات المفروضة على الجهات التي تدير البنية التحتية الحيوية، والتي تخضع غالباً لهيئات تنظيمية متعددة.
وفي مستطاع مكتب “المدير الوطني للأمن السيبراني” مواصلة هذا العمل عبر تنفيذ توصيات الدراسة وتبسيط اللوائح التنظيمية التي تحكم كيفية استجابة الوكالات الفيدرالية للهجمات السيبرانية، والتي تتنوع وتكون متضاربة أحياناً. ومن شأن هذه الخطوات إعادة توجيه الموارد المستخدمة حالياً للالتزام باللوائح التنظيمية، والاستفادة منها بدلاً من ذلك في تعزيز الدفاعات الأمنية السيبرانية، إضافة إلى ذلك يقف قطاع الأعمال التجارية الأميركي على أعتاب موجة من الاستثمار في تطبيقات الذكاء الاصطناعي، والخدمات السحابية والشبكات الذكية للطاقة الكهربائية [تدمج تكنولوجيا المعلومات مع شبكات الطاقة لتحسين الكفاءة]، والقدرة على نقل البيانات بسرعة عالية عبر الإنترنت والشبكات الإلكترونية. ولضمان بقاء هذه التكنولوجيا آمنة، على الإدارة الجديدة التنسيق مع القطاع الخاص لتحفيز الاستثمارات الموازية في الكفاءات وتكنولوجيا الأمن السيبراني.
يتعين على الولايات المتحدة أيضاً تنفيذ مزيد من الهجمات الاستباقية وعمليات التعطيل بغية عرقلة مشغلي الهجمات السيبرانية الصينية والبنية الأساس التي يستخدمونها لشن هجماتهم. في تصريح إلى شبكة “سي بي أس نيوز”، قال مستشار الأمن القومي الجديد لترمب، النائب الأميركي [الجمهوري] مايك والتز “علينا أن نبدأ في اتخاذ موقف هجومي ضد الهجمات السيبرانية وفرض كلف وعواقب أعلى، على حد اعتقادي، على الجهات الخاصة والدولية التي تواصل سرقة بياناتنا، وتستمر في التجسس علينا”. ولكن العمليات السيبرانية الهجومية تحدث عادة في الخفاء. من الضروري أن تكون مصحوبة برسائل تحذير علنية بارزة توضح لبكين أن الولايات المتحدة جاهزة للرد بصورة قوية على عمليات التجسس الواسعة النطاق التي تستهدف المواطنين الأميركيين بصورة جماعية.
وللأسف، لم تحقق العقوبات والاتهامات القضائية الموجهة ضد القراصنة الأفراد وشركات التكنولوجيا الصغيرة التي تدعم العمليات السيبرانية النتائج المرجوة. ومن الأجدر بإدارة ترمب أن تنظر، بدلاً من ذلك، في فرض عقوبات، بالتعاون مع شركائها في آسيا وأوروبا الذين يتعرضون أيضاً لهجمات سيبرانية صينية، على المسؤولين الصينيين الذين يأذنون بالعمليات السيبرانية التي تسرق الملكية الفكرية، وتزرع برمجيات خبيثة في البنية التحتية الحيوية لشن هجمات مدمرة، وتترك الأنظمة ذات الاستخدام الواسع النطاق من جانب الأفراد والمؤسسات عرضة للاستغلال من أجل تحقيق أغراض ضارة، أو تتجاوز أقله الحدود التقليدية للتجسس العسكري السياسي.
على الأرجح، سيتعذر على الإدارة الأميركية الجديدة وضع نهاية للتجسس السيبراني الصيني بمجرد زيادة الضغوط الدبلوماسية على الصين وتنفيذ هجمات سيبرانية ضدها. ولكن إذا تبنت استراتيجية هجومية أكثر تنسيقاً، وعززت قدرة البلاد على الدفاع ضد الهجمات السيبرانية، سيساعد ذلك في منع حدوث اختراق سيبراني آخر بحجم “إعصار الملح”.
آدم سيغال رئيس “إيرا أ. ليبمان” للتكنولوجيات الناشئة والأمن القومي، ومدير برنامج السياسة الرقمية والفضاء السيبراني في “مجلس العلاقات الخارجية” داخل الولايات المتحدة. شغل بين أبريل (نيسان) 2023 ويوليو (تموز) 2024 منصب كبير المستشارين في “مكتب الفضاء الإلكتروني والسياسة الرقمية” التابع لوزارة الخارجية الأميركية.
مترجم عن “فورين أفيرز” 21 يناير (كانون الثاني) 2025
نقلاً عن : اندبندنت عربية