هددت روسيا بنشر صواريخ نووية متوسطة المدى في آسيا رداً على تصرفات الولايات المتحدة. وأعلن نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي ريابكوف، في 25 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أن “ظهور الأنظمة الأميركية المناسبة في أي منطقة من العالم سيحدد مسبقاً خطواتنا الإضافية، بما في ذلك في مجال تنظيم ردنا العسكري والفني”.
وأعلن نائب وزير الخارجية الروسي أن لدى الولايات المتحدة نية أكيدة لنشر صواريخ متوسطة وقصيرة المدى في منطقة آسيا والمحيط الهادئ بحلول نهاية العام. وشدد الدبلوماسي الروسي على أن هذا الموقف الأميركي لا رجعة فيه، لأن الأميركيين يريدون “اكتساب مثل هذه الإمكانات واستخدامها في إطار مفهوم ما يسمى بالردع المزدوج”.
وبرر ريابكوف لروسيا مراجعة قرارها السابق بوقف نشر الصواريخ المتوسطة والقصيرة المدى. ومع ذلك، أعرب نائب الوزير عن رغبته في أن يتم كل شيء “من دون المزيد من بناء القدرات”، التي، بحسب قوله، قامت الولايات المتحدة بإنشائها باستمرار في السنوات الأخيرة. وإلا فإن موسكو سترد بـ”مقاومة مضاعفة”.
وعندما سُئل عما إذا كان ظهور مثل هذه الأنظمة الأميركية على أراضي الولايات المتحدة نفسها في جزيرة غوام سيكون سبباً لروسيا لمراجعة وقفها الاختياري الأحادي الجانب لنشر الصواريخ المتوسطة والقصيرة المدى، أجاب ريابكوف بالإيجاب، “بالطبع، بالطبع”.
وقالت وزارة الخارجية الروسية إن خطط واشنطن لنشر الصواريخ النووية متوسطة المدى في آسيا قد تؤدي إلى زعزعة استقرار الوضع في المنطقة والعالم.
تهديد مبطّن
واعتبر نائب وزير الخارجية الروسي، أنه ليس لدى موسكو أي التزامات تحد من نشر الصاروخ الباليستي الروسي الجديد المتوسط المدى “أوريشنيك” الذي أطلقته على مجمع عسكري أوكراني يوم 21 نوفمبر الجاري، في أول إطلاق تجريبي له. ووفقاً له، كان السبب وراء ذلك، من بين أمور أخرى، انسحاب الولايات المتحدة من معاهدة القوى النووية المتوسطة المدى. وأضاف أن “أي سيناريوهات تصعيدية، إذا بدأت في التحقق، فإن المزيد من السيناريوهات التصعيدية ستكون نتيجة مباشرة للسياسة المتهورة، أو لتسمية الأمور بأسمائها الحقيقية، السياسة اللاإنسانية التي تتبعها واشنطن والدول الأوروبية الرائدة، والتي تتغاضى تماماً عن أي سيناريوهات سريعة الزوال”.
ورداً على سؤال حول ما إذا كان الاتحاد الروسي يدرس إمكانية نشر صواريخ “أوريشنيك”، أجاب ريباكوف “إن ظهور الأنظمة الأميركية المقابلة في أي منطقة من العالم سيحدد مسبقاً خطواتنا الإضافية، بما في ذلك في مجال تنظيم الرد العسكري والعسكري الفني. أي نشر الصواريخ المتوسطة والقصيرة المدى في الدول الآسيوية”.
وفي ما يشبه التحذير المباشر، قال “لا ينبغي أن يكون هناك أي شعور زائف بالأمان أو الرضا عن النفس بين خصومنا وأتباعهم. لطالما اعتقدنا أنه يمكن الاستمرار في استخدام الإقناع وبعض الحجج، ولكن الممارسة تظهر أنها لا تحقق التأثير المطلوب، لذلك هناك حاجة إلى وسائل أكثر قوة، بما في ذلك نشر هذه الأنظمة في أماكن، حيث يمكنها ضرب الأهداف المناسبة والتصرف كإجراء تعويضي”.
وأكد أن موسكو سترد بشكل مناسب على ظهور الأنظمة الأميركية في أي مكان. وأوضح “إننا نتحدث عن رد ذي طبيعة عسكرية وعسكرية فنية”.
واستشهد ريابكوف بالصواريخ الروسية متوسطة المدى من الجيل الجديد من طراز “أوريشنيك”، والتي لا تحد من نشرها المحتمل بأي حال من الأحوال، الالتزامات الدولية الحالية لروسيا. وشدد على أن المزيد من التصعيد المحتمل سيكون على عاتق ضمير الولايات المتحدة والدول الأوروبية، نتيجة “لسياستهم المتهورة وغير الإنسانية” بالتغاضي عن “خطط كييف الإجرامية”.
معاهدة الصواريخ القصيرة والمتوسطة المدى
في عام 1987، أبرم الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة معاهدة القوى النووية متوسطة المدى، والتي ألزمت البلدين ضمناً بوقف إنتاج واختبار هذه الصواريخ الأرضية. وتُركت صواريخ كروز التي تُطلق من البحر أو الجو والتي تقع في نطاق يتراوح بين 500 إلى 5500 كيلومتر، خارج نطاق هذه المعاهدة.
لكن في عام 2018، اتهم الرئيس الأميركي دونالد ترمب، روسيا بانتهاك المعاهدة بسبب إنشاء صواريخ كروز من طراز “أم 729” التي يصل مداها إلى أكثر من 500 كيلومتر، وأعلن نيته الانسحاب من معاهدة القوى النووية المتوسطة المدى.
بدورها ادعت روسيا نشر قاذفات صواريخ أميركية من طراز “أم كا-41” في رومانيا. وفي بداية أغسطس (آب) 2019، انسحبت واشنطن من معاهدة القوى النووية المتوسطة المدى. وأعلنت موسكو تعليق الاتفاق.
وفي نهاية يونيو (حزيران) من عام 2020، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إطلاق إنتاج صاروخ أرضي متوسط وقصير المدى، رداً على إنتاج الولايات المتحدة ونشرها لمثل هذه الأنظمة في أجزاء مختلفة من العالم، مثل الفيليبين. وفي نوفمبر الجاري، قال إن روسيا التزمت بالفعل بمعاهدة القوى النووية المتوسطة المدى، ووصف قرار الولايات المتحدة بالانسحاب من المعاهدة بأنه خطأ جسيم.
وسمحت السلطات الروسية أيضاً برفع الوقف الاختياري لنشر الصواريخ المتوسطة والقصيرة المدى في بلدان أخرى. على وجه الخصوص، تم الإدلاء بمثل هذه التصريحات بعدما أعلنت الولايات المتحدة عزمها نشر أسلحة بعيدة المدى في ألمانيا في عام 2026.
تشدد بوتين
في 21 نوفمبر 2024، وبعد إطلاق صاروخ “أوريشنيك” الروسي الجديد متوسط المدى على منشأة “يوجماش” الأوكرانية لتصنيع الأسلحة، أعاد الرئيس الروسي تذكير العالم بأن بلاده تقوم بتطوير مثل هذه الأسلحة رداً على خطط الولايات المتحدة لنشر أسلحتها وصواريخها القصيرة والمتوسطة المدى في آسيا وأوروبا على مقربة من حدودها، والسعي إلى إلحاق هزيمة استراتيجية بها على المدى الطويل.
وأضاف بوتين، تعليقاً على إنتاج ونشر صواريخ متوسطة وقصيرة المدى في أوروبا وآسيا، “نعتقد أن الولايات المتحدة ارتكبت خطأً عندما قامت من جانب واحد بتدمير معاهدة القوى النووية المتوسطة المدى في عام 2019 تحت ذريعة بعيدة المنال. واليوم، لا تنتج الولايات المتحدة مثل هذه المعدات فحسب، بل كما نرى، أثناء تدريب قواتها، فقد عملت على حل قضايا نقل أنظمتها الصاروخية الواعدة إلى مناطق مختلفة من العالم، بما في ذلك أوروبا. علاوةً على ذلك، يقومون خلال التدريبات بإجراء تدريبات على استخدامها”.
وأكد بوتين أنه من الممكن أن يؤثر نشر الولايات المتحدة لصواريخ متوسطة المدى في آسيا أيضاً على روسيا، التي تعتبر أن هذه الصواريخ تهدد أمنها والأمن الدولي.
وبحسب بوتين، فقد أعلن البنتاغون رسمياً عن نشر الصواريخ ويجري مفاوضات مع اليابان وكوريا الجنوبية، وقال “من الواضح من هو الهدف الأول في هذه الحالة. نحن لسنا سعداء بهذا، لأن هذا يهددنا أيضاً”.
وأشار بوتين إلى أن روسيا لم تكن تنوي في السابق نشر صواريخ متوسطة المدى، لكنها الآن “ستعمل على ذلك” لأن الأميركيين حصلوا على مثل هذه الصواريخ.
ولفت بوتين إلى أن “سباق التسلح الذي يتكشف، وعدم اليقين بشأن تمديد معاهدة التدابير الرامية إلى زيادة تخفيض عدد الأسلحة الهجومية الاستراتيجية والحد منها (ستارت-3) آخذ في التصاعد”. وأضاف “هذا يخلق أيضاً عنصراً من عدم اليقين ويدفع إلى بدء سباق تسلح”. وشدد على أن هذا “سيئ للغاية”.
من جهته، قال سيرغي ريابكوف لـ”اندبندنت عربية”، “بوضوح، إننا نتحدث عن نظام جديد متوسط المدى. وبناءً على ذلك، في ظل عدم وجود أي قيود في هذا المجال، بما في ذلك نتيجةً للخطوة الخاطئة للغاية التي اتخذتها إدارة ترمب الأولى بالانسحاب من معاهدة القوى النووية متوسطة المدى وخرقها، انعدمت أي قيود “بشأن نشر هذا النوع من الأنظمة”.
وصرحت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا أن “الخطط الأميركية لنشر صواريخ متوسطة وقصيرة المدى في منطقة آسيا تقول إنها موجهة ضد الصين، يمكن أن تؤدي إلى زعزعة استقرار الوضع في العالم، لأن نشرها في اليابان يمكّنها من الوصول إلى الأراضي الروسية الآسيوية”.
وفي وقت سابق، قال المبعوث الرئاسي الأميركي الخاص للحد من الأسلحة، مارشال بيلينغسلي، في مقابلة مع صحيفة “نيكي”، إن “اليابان يمكن أن تصبح نقطة لنشر الصواريخ الأميركية”. ووفقاً له، فإن “الولايات المتحدة تشارك بشكل وثيق في تطوير أسلحة تفوق سرعتها سرعة الصوت”.
واعتبرت زاخاروفا أن “هذا إجراء مزعزع للاستقرار من وجهة نظر الأمن الدولي والإقليمي”. وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية في مؤتمر صحافي في 20 أغسطس (آب) الماضي، إن “مما لا شك فيه أن ظهور أسلحة صاروخية أميركية جديدة في المنطقة من شأنه أن يثير جولة خطيرة من سباق التسلح مرة أخرى”. وأضافت زاخاروفا أن موسكو بدورها مضطرة أيضاً إلى الأخذ في الاعتبار حقيقة أن مثل هذه الأسلحة ستنتج أخطاراً صاروخية إضافية على الأراضي الروسية، بما في ذلك الأهداف ذات الأهمية الاستراتيجية. وفي حالة نشر الصواريخ الأميركية في آسيا، سيتم اتخاذ إجراءات الرد اللازمة.
وضعية الناتو
من جهة أخرى، كشف رئيس اللجنة العسكرية لحلف شمال الأطلسي (الناتو) الأدميرال روب باور، في مؤتمر في بروكسل في نوفمبر الجاري، إن الناتو يناقش شن “ضربات وقائية عالية الدقة” على الأراضي الروسية في حالة نشوب صراع مسلح بين روسيا ودول الحلف. وأشار إلى أن الناتو غيّر موقفه تجاه جوهره كحلف دفاعي، ووصف ذلك بأنه “عامل إيجابي”. والآن، في رأيه، “من الأفضل عدم الانتظار، بل ضرب منصات إطلاق الصواريخ في روسيا في حال شنت هجوماً”. وأضاف أن “المطلوب هو مزيج من الضربات الدقيقة التي من شأنها تعطيل الأنظمة المستخدمة لمهاجمة (الناتو)… وعلينا أن نضرب أولاً”.
لم يقرأ بعناية
وكان السبب وراء هذا التغيير “الإيجابي” في سياسة حلف شمال الأطلسي هو “أساسيات سياسة الدولة في مجال الردع النووي” التي وافق عليها الرئيس بوتين في 19 نوفمبر. وعلى وجه الخصوص، يحق لروسيا الآن استخدام الأسلحة النووية إذا تم استخدام الأسلحة النووية أو غيرها من أنواع أسلحة الدمار الشامل ضدها أو ضد حلفائها، أو تم استخدام الأسلحة التقليدية ضد روسيا أو بيلاروس التي تشكل تهديداً خطيراً لسيادتهما. وكذلك إذا تم استخدام أسلحة الدمار الشامل لضرب المنشآت الروسية والعسكريين الموجودين خارج البلاد.
وسرعان ما ردت روسيا على مثل هذه التصريحات الجريئة من “أصحاب الرؤوس الحامية” الغربيين. ومن ثم، ردت الممثلة الرسمية لوزارة الخارجية ماريا زاخاروفا على باور، مشيرة إلى أن الناتو “على ما يبدو لم ينته من قراءة العقيدة النووية المحدثة”.
بدوره، اعتبر الخبير العسكري، الأدميرال الاحتياطي، فاسيلي دانديكين أن “ضربات الناتو الاستباقية على روسيا ستؤدي إلى اندلاع حرب عالمية ثالثة”. وأشار إلى أن “الغرب لا يدرك الآن عواقب الهجوم على دولة تعد واحدة من أقوى القوى في العالم”. وأضاف، “إذا حدث هذا الهجوم من قبل الناتو، فستبدأ الحرب العالمية الثالثة. أقول هذا كقائد من الدرجة الأولى، سوفياتي وروسي. هذه مسألة خطيرة للغاية. ويبدو أنهم لا يفهمون على الإطلاق ما هي العواقب التي قد تترتب على الهجمات على القوة التي أصبحت الآن الأقوى في العالم. وليعلموا أن الجواب سيأتي بشكل لا لبس فيه: ستطير الصواريخ من المحيط وتمر تحت الماء”.
كما أعرب النائب في مجلس الدوما، أدلبي شخاغوشيف عن غضبه من التصريحات حول “الضربات الوقائية”. وقال إن مثل هذه التصريحات تشكل بالتأكيد محاولةً للابتزاز. ورأى شخاغوشيف أنه “على النقيض من تصريحات الأوروبيين بشأن الاستقلال عن الناتو في شؤون أمنهم، فإن الولايات المتحدة ستجبر أوروبا على دفع رسوم باهظة وتأجيل طموحاتها، وابتزازها مع التهديد الروسي المتزايد”.
قواعدكم هي أهدافنا
وقال نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف بدوره، في حديث مع الصحافيين في 25 نوفمبر، إنه إذا تصاعد الوضع وبدأ صراع عسكري بين روسيا والولايات المتحدة، فإن جميع القواعد العسكرية الأميركية الموجودة في أوروبا ستصبح هدفاً ذا أولوية لروسيا. وتابع قائلاً، “إن عناصر نظام النشر المتقدم للأسلحة الأميركية (في أوروبا) الموجهة نحو أراضينا، بما في ذلك الأسلحة النووية التكتيكية، بالطبع، لا يتم استبعادها بأي حال من الأحوال من المعادلة”.
وفي اليوم السابق، قال نائب وزير الخارجية الروسي، أندريه رودنكو، إن الناتو يزود المنطقة الآسيوية بأسلحة هجومية، وهو أمر أدى إلى “تصاعد حاد في عسكرة” المنطقة.
وأشار وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بدوره، في 11 نوفمبر الجاري، إلى أن حلف شمال الأطلسي يوسع نفوذه إلى منطقة آسيا والمحيط الهادئ تحت ستار ضمان أمن أعضائه.
وقال لافروف، خلال كلمة ألقاها في اجتماع المجلس العام لحزب “روسيا الموحدة”، “إن الغرب الجماعي… وضع حداً للاتفاقات التي تم التوصل إليها في هذا السياق في المقام الأول، في إطار منظمة الأمن والتعاون في أوروبا”.
وبعد أسبوع، أشار لافروف، في حديثه في الندوة الدولية للخيال العلمي بعنوان “خلق المستقبل”، إلى أن الناتو يعتزم إجراء “معارك دفاعية” على بعد آلاف الأميال من حدوده، ليس فقط في المنطقة الأوروبية الأطلسية، ولكن أيضاً في آسيا ومنطقة المحيط الهادئ.
وقال “الغرب، وقبل كل شيء الأنغلوسكسونيون، ليس لديهم ما يكفي. والحرب التي شنوها ضد روسيا في أوروبا ليست كافية أيضاً. إذا قرأت إعلان الناتو، يتبين أنه من أجل حماية أراضي أعضائه، دعني أذكرك، أن هذا التحالف الدفاعي يهدف إلى إجراء هذه المعارك الدفاعية في بحر الصين الجنوبي وفي مضيق تايوان على بعد آلاف الأميال من شواطئه”.
نوايا تصعيدية
توقفت معاهدة القوى النووية متوسطة المدى بين روسيا والولايات المتحدة رسمياً عن العمل في 2 أغسطس 2019. وانسحبت الولايات المتحدة من المعاهدة، متهمةً روسيا بعدم الالتزام بشروط الاتفاقية. وبعد انهيار معاهدة القوى النووية المتوسطة المدى، أعلن البنتاغون عن تطوير صواريخ غير نووية جديدة يصل مداها إلى 500 كيلومتر.
وأعلن وزير الدفاع الأميركي آنذاك مارك إسبر، أنه يرغب في نشر صواريخ أرضية متوسطة المدى في آسيا خلال أشهر عدة.
واعتبر ألكسندر بيريندجييف، الأستاذ المشارك في قسم العلوم السياسية وعلم الاجتماع بجامعة جورجي بليخانوف الروسية للاقتصاد، أن نشر الصواريخ الأميركية متوسطة المدى في آسيا لا يهدد الصين فحسب بل روسيا أيضاً.
ووفقاً لبيريندجييف، فإن الصواريخ الأميركية يمكن أن تشكل تهديداً للسفن التي تمر عبر طريق بحر الشمال. وأشار الخبير إلى أن “الولايات المتحدة نشرت في السابق نظام دفاع صاروخي في اليابان، ادعت أنه يهدف إلى احتواء كوريا الشمالية، ولكن في الواقع يمكن توجيهه ضد روسيا في أي لحظة. لقد اعتقدوا أن بإمكانهم استخدام الأراضي الآسيوية لضرب روسيا. وفي الوقت نفسه، اعتقدت واشنطن أنه لن تكون هناك ضربة انتقامية”. وأضاف العالم السياسي، “لذا فإن أنظمة الصواريخ الهجومية التي قاموا بتركيبها في منطقة المحيطين الهندي والهادئ في عام 2024 يمكن استخدامها بلا شك ضد الاتحاد الروسي”.
وفي وقت سابق، قال المتحدث باسم القيادة الأميركية في المحيط الهادئ، روب فيليبس، إن “الولايات المتحدة قررت نشر صواريخ جديدة متوسطة المدى في منطقة المحيطين الهندي والهادئ في عام 2024”. ووفقاً له، من المخطط نشر إصدارات أرضية من صاروخ “أس أم-6” وصواريخ “توماهوك كروز”، والتي سيكون مدى طيرانها من 500 إلى 2700 كيلومتر.
الخبير من مركز الدراسات الروسية بجامعة شرق الصين العادية في شنغهاي، تشنغ رونيو، قال تعليقاً على خطط الولايات المتحدة لنشر صواريخ متوسطة المدى في اليابان، إنه يتعين على الصين وروسيا زيادة التعاون في مواجهة التهديدات المتصاعدة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ. وأضاف أن “نشر الصواريخ الأميركية يشجع اليابان وفي الوقت نفسه يصبح وسيلة ردع أكثر مباشرة ضد الصين وروسيا. وتحتاج الصين وروسيا إلى تعزيز التعاون بينهما في سياق المواجهة المتصاعدة في آسيا، وبخاصة في مجال تبادل المعلومات في الوقت الفعلي المناسب لتجنب سوء فهم المعلومات”.
ووصف رونيو الوضع حول خطط لنشر مثل هذه الصواريخ في اليابان باستخدام مصطلح “فنون الدفاع عن النفس”، وهو ما يعني الضغط النفسي على العدو قبل الهجوم. وقال الخبير، “في الوقت الحالي، تحتاج الصين وروسيا إلى منع ووقف المزيد من انتشار المرض. لأنه بمجرد اكتمال المشروع بنجاح في اليابان، فإن ذلك يعني أنها مستعدة لسحب السيف”، مضيفاً أن “كل هذا يهدد بشكل خطير الأمن والاستقرار بآسيا”.
واعتبر الخبير الصيني “أن نشر الولايات المتحدة لصواريخ متوسطة المدى في آسيا هو أيضاً جزء من انتشارها العسكري العالمي لمحاربة الخصوم وخلق عدم الاستقرار الإقليمي. والولايات المتحدة لا تتصرف بمفردها، ولكنها تعمل على تصعيد المواجهات من خلال وكلاء، وتقدم المساعدة باستمرار في نشر القوات العسكرية”. وأضاف، “مثلما تدعم الولايات المتحدة أوكرانيا بشكل كامل في المواجهة العسكرية مع روسيا في أوروبا، تجد المنطقة الأوروبية نفسها في وضع سيئ للغاية ولا يمكن التنبؤ به على الإطلاق”.
وأشار المتحدث ذاته إلى أن وضعاً مماثلاً لوحظ في آسيا. وقال “بالمثل، في آسيا، حيث لم تكن هناك أزمة أمنية حقيقية، اختارت الولايات المتحدة اليابان واشترت ‘تأميناً’ مباشراً لطوكيو من خلال نشر صواريخ متوسطة المدى لمنح اليابان الحرية في التصرف. وتوصلت الولايات المتحدة بالفعل إلى هذا الأمر وهو نموذج في أوروبا، وبدأ الآن بتكراره في آسيا”.
الصواريخ في آسيا
وقالت وزيرة الجيش الأميركي، كريستين وورموث، في وقت سابق، إن الجانب الأميركي مهتم بنشر صواريخ أرضية متوسطة المدى على الأراضي اليابانية، المحظورة بموجب معاهدة القوى النووية متوسطة المدى، التي انسحبت منها واشنطن في عام 2019.
وفي الربيع، وفي إطار التدريبات الفيليبينية – الأميركية، نشرت الولايات المتحدة نظاماً صاروخياً متوسط المدى في شمال الدولة الجزيرة. وعارضت بكين بشدة هذه الخطوة.
وانسحبت الولايات المتحدة من معاهدة القوى النووية متوسطة المدى في عام 2019. ورداً على ذلك، انسحبت روسيا أيضاً من المعاهدة.
وفي 20 فبراير (شباط) من العام نفسه، ذكر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في رسالة إلى الجمعية الفيدرالية، أنه في حال نشر صواريخ أميركية متوسطة المدى في أوروبا، فإن روسيا ستضطر إلى نشر وسائل ردع نووية، بحيث تكون الأراضي التي سيتم نشر هذه الصواريخ فيها والأراضي التي توجد بها مراكز اتخاذ القرارات بشأن استخدامها (أي الولايات المتحدة) في متناول اليد.
وفي 28 يونيو (حزيران) 2024، قال الرئيس الروسي إن روسيا يجب أن تبدأ في إنتاج صواريخ متوسطة وقصيرة المدى خاصة بها رداً على استخدام الولايات المتحدة لمثل هذه الصواريخ خلال التدريبات العسكرية في الدنمارك والفيليبين.
رأي الجنرالات
كذلك أكمل رئيس لجنة الدفاع بمجلس الدوما، الجنرال أندريه كارتابولوف، تهديد الدبلوماسي سيرغي ريابكوف في ما يتعلق بالنشر المحتمل لصواريخ “أوريشنيك” في آسيا. وقال إن روسيا يمكنها بالفعل نشر الصواريخ في أي مكان. وأشار إلى أن “الأسلحة ستظهر أينما يقول الرئيس بوتين، لكن من الواضح أن الأميركيين، الذين يضعون أنظارهم على منطقة آسيا والمحيط الهادئ، لن يعجبهم ذلك”.
أما الخبير العسكري، رئيس مجلس إدارة منظمة عموم روسيا “ضباط روسيا”، رومان شكورلاتوف، فأعلن أنه يمكن وضع أسلحة مماثلة في كوريا الشمالية، كما يعتقد. وقال “بادئ ذي بدء، تتبادر إلى ذهني جمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية، التي أبرمنا معها اتفاقاً بشأن دعم بعضنا البعض، بما في ذلك في المجال العسكري والدفاع العسكري. على الصعيد العالمي، يمكننا التكهن بأن هذه يمكن أن تكون نظرياً أراضي جمهورية الصين الشعبية، وربما دولاً صديقة أخرى تتحد معها بعض المنظمات الدولية”.
وفي وقت سابق، قال البيت الأبيض إن التعاون بين روسيا وكوريا الشمالية سيشكل تحدياً للولايات المتحدة لسنوات مقبلة.
وقدم بوتين صاروخ “أوريشنيك” متوسط المدى الذي تفوق سرعته سرعة الصوت بعشرة أضعاف بعد أن سمحت الولايات المتحدة وبريطانيا للقوات المسلحة الأوكرانية بإطلاق أسلحة بعيدة المدى على أراضي روسيا المعترف بها دولياً. وقال إن الجيش اختبر بالفعل الصاروخ في ظروف قتالية، وضرب مصنع “يوجماش” في مدينة دنيبروبيتروفسك، وهو جزء من المجمع الصناعي العسكري الأوكراني. وبحسب شهود عيان، لم يتبق سوى القليل من النبات هناك.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
موقف الكرملين
في السياق، أكد السكرتير الصحافي لرئيس الاتحاد الروسي، دميتري بيسكوف في 27 نوفمبر الجاري، أن روسيا تراقب عن كثب الخطط الأميركية لنشر صواريخ جديدة متوسطة المدى في آسيا.
وفي وقت سابق، كتبت مجلة “ديفينس وان” العسكرية المتخصصة، في إشارة إلى قائد القوات الأميركية في المحيط الهادئ، تشارلز فلين، أن “الولايات المتحدة تخطط لنشر صواريخ جديدة متوسطة المدى في منطقة المحيطين الهندي والهادئ في نهاية عام 2024. ووفقاً له، يمكن أن تكون هذه صواريخ توماهوك أرضية وصواريخ مضادة للطائرات من طراز أس أم-6. وأوضح فلين هذه الخطوة بضرورة ردع الصين عن غزو تايوان”.
وقال بيسكوف تعليقاً على تصريحات فلين، “لذلك نحن نراقب كل هذه الخطط بعناية شديدة”.
وفي وقت سابق، تبنت روسيا والصين بياناً مشتركاً أعربتا فيه عن قلقهما إزاء الجهود الأميركية المكثفة لإنشاء نظام دفاع صاروخي عالمي في مناطق مختلفة من العالم. إضافة إلى ذلك، أعربتا عن قلقهما من خطط الولايات المتحدة لنشر صواريخ أرضية متوسطة وقصيرة المدى في منطقة آسيا والمحيط الهادئ والمناطق الأوروبية.
وفي وقت سابق، أعلن قائد القوات البرية الأميركية في المحيط الهادئ، الجنرال تشارلز فلين، عن نية الولايات المتحدة نشر منصة إطلاق في آسيا يمكنها إطلاق صواريخ متوسطة المدى. وأوضح هذه الخطط بالقول إن واشنطن تريد إيجاد طريقة لمواجهة تحديث القدرات الصاروخية الصينية.
في الوقت نفسه، لم يقدم فلين بيانات محددة عن أنواع الأسلحة ومواقعها وتواريخ نشرها.
ونقلت صحيفة “أساهي” عنه قوله “سيتم قريباً نشر قاذفات متوسطة المدى في منطقة آسيا والمحيط الهادئ”.
وأشارت الصحيفة “إننا نتحدث عن نظام الصواريخ الأرضية متوسط المدى، تايفون الذي طوره الجيش الأميركي. فإن مثل هذه القاذفة يمكنها إطلاق صواريخ توماهوك كروز التي يصل مداها إلى أكثر من 1600 كيلومتر وصواريخ أس أم-6 المضادة للطائرات”.
وتعتزم موسكو الرد بـ”معارضة مزدوجة” على نشر الولايات المتحدة صواريخ متوسطة المدى في منطقة آسيا والمحيط الهادئ. وسيكون هذا النشر هو الأول منذ انسحاب الولايات المتحدة من معاهدة القوى النووية متوسطة المدى. لكن الخبراء يحذرون من أن تصرفات الولايات المتحدة في آسيا ستكون بداية النشر غير المنضبط لهذه الصواريخ في جميع أنحاء العالم.
وفقاً للمحللين، فإن نشر واشنطن المحتمل لمنصات إطلاق أرضية للصواريخ متوسطة المدى في منطقة آسيا والمحيط الهادئ هو “تحذير” لبكين من مغبة بدء صراع عسكري مع تايوان.
وبحسب العديد من الخبراء، فإن الصواريخ ستتمركز في غوام، التي أصبحت موقعاً استراتيجياً مهماً للعمليات العسكرية الأميركية في غرب المحيط الهادئ، وتقع على بعد 3 آلاف كيلومتر من البر الرئيس للصين و2.7 ألف كيلومتر من تايوان. وهذا سيسمح للولايات المتحدة بنقل الوحدات الصاروخية بسرعة إلى حلفاء واشنطن، الأمر الذي يخلق أخطاراً ليس فقط للصين، ولكن لروسيا أيضاً.
الأخطار بالنسبة لروسيا
فاديم كوزيولين، رئيس مركز الأكاديمية الدبلوماسية بوزارة الخارجية الروسية، اعتبر أن “أي صواريخ يتم نشرها ويكون بإمكانها أن تصل إلى أراضينا تشكل تهديداً لروسيا. لكن أولاً وقبل كل شيء، تهدد الصواريخ الأميركية في غوام، الصين وكوريا الديمقراطية. إن حقيقة عسكرة المنطقة هي في حد ذاتها أخبار سيئة”. وقال إن “سباق التسلح سيشتد”.
وأوضح كوزيولين أيضاً أنه “إذا ظهرت الصواريخ الأميركية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، فإن البنية التحتية العسكرية الروسية وصناعة الدفاع في الشرق الأقصى، حيث يتم إنتاج غواصات ومقاتلات سوخوي، وتوجد شركات ذات أهمية استراتيجية، ستكون تحت التهديد”.
وذكر أنه من السابق لأوانه الحديث عن نشر روسيا لصواريخ متوسطة وقصيرة المدى في كل من أوروبا وآسيا، “ومع ذلك، لا يمكن استبعاد أي شيء، فالأميركيون يتخلون باستمرار عن الاتفاقات التي تم التوصل إليها سابقاً”. ويعتقد الباحث الروسي أن “مسألة نشر الصواريخ لن تهم روسيا والولايات المتحدة فحسب، بل الأوروبيين أيضاً، لأن رد روسيا على تصرفات الأميركيين في حالة نشوب صراع سيخلق تهديداً للأراضي الأوروبية”.
وحذر كوزيولين من أن الصواريخ الروسية ستكون قادرة على ضرب أي مدينة أوروبية. ومع ذلك، فإن الصواريخ الأميركية الآتية من أوروبا قادرة أيضاً على ضرب أهداف في روسيا “على طول الطريق إلى جبال الأورال”. وذكر كوزيولين أن “أوروبا بأكملها ستتعرض للهجوم، ولكن أولاً وقبل كل شيء تلك المدن التي قد تضم منصات إطلاق الصواريخ وقواعد التخزين الأميركية”.
وبحسب مدير مركز الدراسات الأوروبية والدولية الشاملة في المدرسة العليا للاقتصاد بجامعة الأبحاث الوطنية، فاسيلي كاشين، فإن “الأميركيين دمروا معاهدة الصواريخ القصيرة والمتوسطة المدى إلى حد كبير بناءً على حاجتهم لاحتواء الصين”.
وأشار الخبير إلى أنه “في بداية العام الحالي، تم نشر نظام الصواريخ الأرضية الأميركية متوسطة المدى، تايفون في جزيرة بورنهولم الدنماركية، ومن ثم تم الإعلان عن النشر المرتقب للصواريخ في ألمانيا اعتباراً من عام 2026”. وأشار كاشين إلى أنه “في الوقت نفسه، وقعت أحداث مماثلة في آسيا – نشر نفس المجمع في الفيليبين وغوام”، أي أن الأحداث التي حددتها القيادة الروسية كشروط للانتقال إلى إنتاجها الخاص قد حدثت بالفعل ونُشرت صواريخ متوسطة المدى”. وأكد المحلل، “لذلك يمكننا القول إن الوقف في الواقع ليس ساري المفعول”، على رغم أن حجم الانتشار الروسي سيأخذ في الاعتبار أيضاً تصرفات الجانب الآخر.
وبحسب كاشين، فإن “ضربات الأسلحة الأميركية بعيدة المدى في عمق الأراضي الروسية أصبحت أيضاً عاملاً مهماً في هذه القضية نظراً لحقيقة أن أوكرانيا تقع على الحدود مباشرة مع الاتحاد الروسي، فإن هذه الأسلحة يمكن أن تصل بالفعل إلى العديد من المدن الروسية الأكثر أهمية، ومن أجل خلق تهديد مماثل للقواعد الأميركية على الأقل في أوروبا، ستحتاج روسيا بالفعل إلى صواريخ متوسطة المدى”. وأوضح المتخصص أن “هذا يجعل أي احترام للوقف في الظروف الحالية أمراً سخيفاً”.
وبحسب اعتقاد كاشين، “نحن بحاجة إلى الانتقال إلى الإنتاج الضخم وغير المحدود لمجموعة واسعة جداً من الصواريخ متوسطة المدى، ليس فقط الأنظمة عالية التقنية والقوية مثل (أوريشنيك)، ولكن أيضاً الأنظمة الأبسط والأكثر انتشاراً. وهناك ما يكفي من الموارد والأموال للعديد منها”.
وأوضح الخبير أن هذا السلاح “يسمح لنا بإبقاء أوروبا والبنية التحتية لحلف شمال الأطلسي في القارة العجوز تحت المراقبة المستمرة”. وأشار إلى أنه “يمكن استخدام هذا السلاح في غضون نصف ساعة كحد أقصى في أي تطور للأحداث”، مضيفاً أن “هذا السلاح يمنحنا فرصاً كبيرة جداً، ولهذا السبب فإن جميع الدول، كما يقولون الآن، من معظم العالم، لديها أشياء سيئة. العلاقات مع الغرب تراهن على وجه التحديد على هذه الأسلحة، على الصواريخ الأرضية متوسطة المدى”.
كما لفت كاشين الانتباه إلى حقيقة أن القرار الذي اتخذه الاتحاد السوفياتي في الثمانينيات بالتخلي عن الصواريخ متوسطة المدى “كان ذا طبيعة متناقضة للغاية”، وبالنظر إلى الاتجاه السائد في تطوير الأسلحة والمعدات العسكرية في التسعينيات والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين. لقد بدا الأمر سخيفاً بالفعل. ولذلك، وفقاً له، فإن جزءاً كبيراً من المتخصصين العسكريين الروس يؤيدون دائماً أن “الالتزامات بالحد من الصواريخ متوسطة المدى لا ينبغي أن تخيم على روسيا”.
ميزة الاتحاد الروسي
وأشار كاشين إلى أنه في روسيا، وعلى رغم غياب الإنتاج التسلسلي للصواريخ المتوسطة المدى، التزاماً بمعاهدة الصواريخ النووية متوسطة المدى، “استمر إنتاج الصواريخ الباليستية العابرة للقارات واستمر الإنتاج الضخم لصواريخ إسكندر”. وتابع إن “الصواريخ الباليستية مهمة للغاية. لقد حققنا أيضاً بعض التفوق الفني على الأميركيين في تطوير الصواريخ الفرط صوتية، وزيادة إنتاج صواريخ كروز بشكل جدي. كل هذا في المجموع، يسمح لنا بالاعتماد على حقيقة أن روسيا سيكون لها التفوق الكمي، وربما حتى النوعي في هذه الأسلحة على العدو”.
وفي الوقت نفسه، يعتقد كاشين أن الأميركيين سيضطرون إلى تحويل جزء كبير من مواردهم لاحتواء الصين، لأن “جمهورية الصين الشعبية هي الرائدة المطلقة في إنتاج الصواريخ متوسطة المدى على وجه التحديد بسبب قدراتها الإنتاجية الهائلة”. وأشار إلى أن الصين “لديها صناعة كبيرة منفصلة يعمل فيها عشرات آلاف الأشخاص، لذا يمكنهم في الواقع إنتاج صواريخ أكثر من أي شخص آخر في العالم”. وخلص إلى القول، “لدينا عدو واضح يتمثل في الولايات المتحدة وحلفائها في أوروبا، ويمكننا ببساطة إنشاء مجموعة من القوات الصاروخية المرعبة للغاية في قدراتها”.
الصاروخ بالصاروخ
ويعتقد مجتمع الخبراء العسكريين الروس أن نشر الصواريخ في شرق البلاد سيساعد في ردع العدوان الأميركي المحتمل. ولهذه الخطوة القدرة على تغيير ميزان القوى في أوروبا، حيث سيتعين على واشنطن عاجلاً أم آجلاً خفض مستوى التصعيد. بخاصة وأن لروسيا مساحة هائلة من الأراضي وتسيطر على جزء كبير من القارة الأوراسية.
فإذا تم نشر الأسلحة على أراضي المناطق الروسية في الشرق الأقصى، على سبيل المثال، في تشوكوتكا، فإن الصواريخ المحلية لن تكون قادرة على الوصول إلى القواعد الأميركية في غوام أو أوكيناوا فحسب، بل أيضاً إلى الساحل الغربي للولايات المتحدة.
ويقول الخبير العسكري أليكسي أنبيلوغوف “اسمحوا لي أن أذكركم أن نطاق الطيران المعلن لـصاروخ “أوريشنيك” يبلغ حوالي 5 آلاف كيلومتر. وهذا يعني أن لوس أنجليس تقع ضمن المنطقة المتأثرة نظرياً. ليست هناك حاجة خاصة لنشر أسلحتنا على أراضي الدول الحليفة”. ويشير إلى أن دولاً مثل الصين أو إيران أو كوريا الشمالية لديها أنظمتها القوية إلى حد ما.
وتبدو محاولة نشر الصواريخ الروسية على أراضي فنزويلا أو كوبا أكثر إثارة للاهتمام. إذا أمكن التوصل إلى اتفاق مع هذه الدول، فمن الممكن ممارسة الضغط على واشنطن في وقت واحد من كلا الساحلين. ومع ذلك، في الواقع، سنتحدث عن تكرار سيناريو أزمة الصواريخ الكوبية في عام 1962.
ويقول أنبيلوغوف “قد تكون هذه الخطوات رداً على نشر الولايات المتحدة أنظمة مماثلة في ألاسكا. إضافة إلى ذلك، فإن زيادة وجود الأسلحة الأميركية في كوريا الجنوبية أو اليابان أو غوام يمكن أن يجبر موسكو أيضاً على اتخاذ قرارات قوية حتى مع أكثر المعتدين عنفاً”.
ووفقاً له، في هذه الحالة، “لن تكون الولايات المتحدة قادرة على الجلوس خلف المحيط الهادئ الواسع على ما يبدو”. وفي الوقت نفسه، يرى المحلل أن “حركة روسيا ستقتصر على أراضيها الوطنية، في حال استمرار الحاجة إلى نشر صواريخ قصيرة ومتوسطة المدى. ومع هذا التطور للأحداث، من المرجح أن تبدأ أخيراً عملية مناقشة الاتفاقيات الجديدة في مجال الصواريخ النووية متوسطة المدى. ومهمتنا هي أن نجعلها كاملة قدر الإمكان، مع مراعاة المصالح الشاملة لروسيا”.
وأشار أنبيلوغوف إلى أنه “إذا كان من الممكن التوصل إلى تفاهم متبادل بشأن الخصائص الرئيسة للقيود، وعدد الأطراف المشاركة في الاتفاقية، فإن الوثيقة النهائية ستكون قادرة حقاً على تغيير الوضع الدولي”. وأضاف أن “إبرام اتفاقيات جديدة في مجال الصواريخ المتوسطة والقصيرة المدى أمر ممكن أيضاً بين موسكو وواشنطن في المستقبل. لكن الأمر الرئيس هو عدم نسيان التجربة المحزنة في الثمانينيات، عندما قدمت موسكو، في محاولة لتجنب التوتر غير الضروري في العالم، تنازلات لواشنطن في مجال الصواريخ النووية متوسطة المدى. لذلك لا يمكن لموسكو، التي ترابط جيوش الناتو على مرمى حجر من حدودها اليوم، خفض عدد الصواريخ تحت أي ظرف من الظروف، ولكن قد يكون من المقبول بالنسبة لها أن تتفق مع الولايات المتحدة على استحالة نشر الأسلحة في مناطق حيوية تشكل تهديداً مباشراً”.
نقلاً عن : اندبندنت عربية