بعد نشر البيان المشترك لوزارة الخارجية الإيرانية ومنظمة الطاقة الذرية في شأن رفع مستوى تخصيب اليورانيوم رداً على قرار الوكالة الدولية للطاقة الذرية أثيرت موجة من القلق حيال احتمال تفعيل “آلية الزناد” ضد إيران.
ويعتقد المحللون والخبراء الدوليون أن هذه الخطوة من شأنها أن ترافق عواقب كبيرة ضد إيران، بخاصة في المجال الدبلوماسي والاقتصاد الداخلي.
وقال كوروش أحمدي، وهو من خبراء العلاقات الدولية حول احتمال تفعيل سياسة “الزناد” خلال الفترة المقبلة، إن “آلية الزناد ورد ذكرها في مشروع القرار رقم 2231 في البند الـ11 منه وتستمر صلاحية تنفيذه حتى 18 أكتوبر (تشرين الأول) 2025. وبعد هذا التاريخ لا يمكن للدول المعنية بالاتفاق النووي استخدام هذه الآلية. والفترة المتبقية من الاتفاق تتيح لهذه الدول طلب تفعيل آلية الزناد ضد إيران إذا لم تصل إلى اتفاق معها.
كما أن لغة التصعيد في حديث المسؤولين الإيرانيين خلال الفترة الماضية يزيد القلق من مستقبل البرنامج النووي في البلد.
وكان وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي حذر في برنامج بثه التلفزيون الحكومي من احتمال استخدام أطراف الاتفاق النووي آلية الزناد، وأشار إلى عدم وضوح مستقبل المفاوضات النووية، قائلاً “لا يمكن التكهن ماذا سيحدث لأنه لم تبدأ بعد مفاوضات جديدة”.
وتبين هذه التصريحات أن نظام الجمهورية الإسلامية يحاول تقييم الاحتمالات المقبلة لكن الوتيرة السريعة للتطورات الدولية من شأنها تقليص الفرص الدبلوماسية أمام إيران.
آلية الزناد: التعريف وسبل التنفيذ
هذه الآلية هي من البنود الأساسية في الاتفاق النووي وتتيح للأطراف التخلي عن محتوى الاتفاق وإنهاءه.
على أساس البند 36 و37 من الاتفاق النووي فإنه إذا ما رفعت شكوى في شأن انتهاك أي من بنود الاتفاق فإن مجلس الأمن أمامه 35 يوماً لاتخاذ قرار بهذا الشأن، وإذا فشل مجلس الأمن في اتخاذ قرار في الفترة المحدودة فإن مشروع القرار رقم 2231 الذي يعد بمثابة ضمان قانوني للاتفاق النووي تنتهي صلاحياته. ويعني هذا أن جميع العقوبات التي تم تجميدها بموجب القرار رقم 2231 يتم تفعيلها بشكل تلقائي.
وطبقاً لخبراء الشأن السياسي فإن تفعيل آلية الزناد ستكون لها عواقب أكبر من العقوبات الأميركية الحالية ضد إيران. هذه العقوبات لم تتسبب في إيجاد ضغوطات على الاقتصاد الإيراني فحسب، بل تؤدي إلى وضع ملف إيران في البند السابع لمنشور الأمم المتحدة.
وفي مثل هذه الظروف فإن إيران ستواجه تحديدات مثل قطع العلاقات الاقتصادية والنقل والمواصلات وحتى العلاقات الدبلوماسية. وهذه الإجراءات من شأنها تحديد الالتفاف على العقوبات الدولية المفروضة على إيران بواسطة كثير من الدول، بخاصة الصين.
العواقب الاقتصادية: أزمة في توفير الحاجات الأساسية
تفعيل آلية الزناد بخاصة على المدى القصير تسبب صدمات شديدة للاقتصاد الإيراني. نظراً للتوقعات التي تفيد بأن قادة النظام الإيراني سيستمرون بإرسال مساعدات مالية وتسليحية ونقل الأموال إلى الميليشيات التابعة له فإن وقف صادرات النفط الذي يعد مصدراً أساسياً في موارد إيران، وكذلك تحيد الاستيراد من شأنه إيجاد أزمة اقتصادية غير مسبوقة للإيرانيين.
ووفقاً للإحصاءات الرسمية فإن استيراد 24.6 مليون طن من السلع الأساسية بقيمة 16 مليار دولار العام الماضي، تكشف حاجة البلاد الأساسي في الاستيراد من أجل توفير سلع أساسية بخاصة المواد الغذائية.
العقوبات الجديدة تتسبب في تحيد مصادر العملة الصعبة للنظام الإيراني. هذه المصادر المحدودة تنفقها إيران لتوفير الحاجات المالية للميليشيات المنتمية اليها، ويتأثر استيراد السلع مثل القمح والرز وطعام المواشي والمواد البروتينية بهذه الإجراءات مما يؤثر بشكل مباشر في الأمن الغذائي في المجتمع. هذه القضية إلى جانب الأزمات الموجودة في الإنتاج الداخلي مثل عدم الاتزان في عمل قطاع الطاقة والحاجات لاستيراد وقود السيارات ستؤدي إلى تضخم كبير وتفشي الاستياء العام من أداء النظام.
العقوبات الجديدة وقطع استيراد الوقود تسبب في إيجاد خلل في توفير الوقود الداخلي. هذه القضايا إضافة إلى ارتفاع أسعار الطاقة يذكر هذا الوضع بالاحتجاجات التي شهدتها البلاد عام 2019 بعد ما أعلن النظام عن ارتفاع أسعار الوقود.
العواقب الأمنية والدبلوماسية لآلية الزناد
إضافة إلى النتائج الاقتصادية السيئة يمكن أن يؤدي تفعيل آلية الزناد إلى مواجهة عسكرية. طبقاً لبنود ميثاق الأمم المتحدة فإن مجلس الأمن الدولي بإمكانه اللجوء إلى السبل العسكرية إذا ما فشلت الجهود الدبلوماسية والاقتصادية في حل الأزمة.
هذه القضية تزيد من احتمال المواجهة العسكرية بين إيران والدول الغربية على رغم أن المراقبين يستبعدون احتمال وقوع حرب واسعة، لكن ارتفاع التوتر والضغوطات على النظام الإيراني يؤدي إلى عدم الاستقرار في المنطقة.
ومع تفعيل آلية الزناد لا يمكن مقارنة الوضع الحالي في إيران مع فترة الجولة الأولى من عقوبات مجلس الأمن الدولي عام 2010.
في تلك الفترة كانت الذخائر الكبيرة لموارد النفط تتيح لإيران مقاومة العقوبات لكن في الفترة الحالية، ومع انخفاض موارد البلاد وارتفاع ديونها فإن الاقتصاد الإيراني سيواجه أزمة مستعصية إذا ما فرض عليه عقوبات شديدة.
ومع الوصول إلى موعد انتهاء مشروع القرار 2231 في العام المقابل فإن إيران ستواجه اختبارات صعبة، ويؤدي عدم الوضوح في المفاوضات الجديدة وارتفاع التوتر بين إيران ومجلس الحكام إلى إيجاد أرضية من أجل تفعيل آلية الزناد.
تفعيل آلية الزناد يهد مستقبل النظام الإيراني
مع ارتفاع القلق من احتمال تفعيل آلية الزناد يحذر الخبراء الاقتصاديون من أن عودة العقوبات، بخاصة في المستوى الدولي ستؤدي إلى أزمة اقتصادية كبيرة في إيران.
وكان وزير الاقتصاد السابق عبد الناصر همتي حذر من أن النظام ليس أمامه حلول لاجتياز الأزمة في حال استمرار العقوبات ووقف الاستثمار الخارجي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويقول عبد الناصر همتي إنه إلى جانب السياسات التقشفية التي تتخذها الحكومة من فوق وبعد تحيد مصادر العملة الصعبة في الأسواق المالية فإن الإجراءات الاقتصادية الحكومية ستتأثر بشكل كبير إذا ما أقرت عقوبات جديدة، وفي مثل هذه الحال ستشهد العملة المحلية هبوطاً كبيراً أمام العملات الأجنبية.
وتشير التوقعات إلى أن أسعار الدولار ستصل في فترة قصيرة إلى ما بين 100 و200 ألف تومان وهذا الأمر يؤدي إلى هبوط قيمة أموال المواطنين، بخاصة الطبقات المتوسطة والفقيرة في المجتمع الإيراني.
لمعرفة مدى صعوبة هذه التوقعات يكفي القول إنه في الوقت الحالي الذي تواجه فيه إيران عقوبات أميركية فإن الدخل السنوي للمواطنين الإيرانيين انخفض بشكل كبير خلال الـ 13 عاماً الماضية، أي أن العقوبات الحالية تستمر بإلحاق الضرر بالاقتصاد الإيراني حتى من دون تفعيل آلية الزناد.
ومن النتائج الأخرى لتفعيل آلية الزناد هي ارتفاع موجة هروب العملة من إيران. ووفقاً للإحصاءات الرسمية فإنه خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2023 بلغت قيمة هروب العملة من إيران 20 ملياراً و193 مليون دولار.
هذا العدد يعد غير مسبوق في التاريخ المعاصر لإيران، وتفعيل عقوبات مجلس الأمن الدولي سيؤدي إلى ارتفاع وتيرة هروب الرأس مال من إيران وإيجاد صعوبات في استقطاب الاستثمارات الخارجية. وفي وقت يحتاج الاقتصاد الإيراني إلى الاستيراد وتوفير مصادر مالية خارجية وتنشيط الإنتاج الداخلي، فإن انهيار ما تبقى من الصناعات المحلية ووقف عمل القطاعات الاقتصادية المختلفة أمر لا مفر منه بعد تفعيل آلية الزناد.
وفي مثل هذه الظروف فإن عدم اهتمام أصحاب الصناعات والمستثمرين باستمرار النشاط في إيران يؤدي إلى ارتفاع نسبة البطالة وركود اقتصادي كبير ويتسبب ذلك بأزمات اجتماعية ونمو الاحتجاجات الواسعة في المجتمع.
الحاجة الفورية لاستقطاب الاستثمارات الخارجية
كان الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان أكد خلال الحملة الانتخابية أن البلاد بحاجة إلى استقطاب 100 مليار دولار سنوياً على أقل تقدير من الاستثمارات الخارجية من أجل اجتياز الأزمة الاقتصادية الحالية.
هذه النسبة من رأس المال ضرورية من أجل منع انهيار الصناعات الأساسية في البلاد وكذلك إحياء البنى التحتية الاقتصادية في البلاد، لكن مع تفعيل آلية الزناد لا يمكن استقطاب رأس مال أجنبي وسيواجه النظام مضايقات مالية شديدة.
وفي ما كان مرشد النظام علي خامنئي، قد أكد خلال السنوات الماضية على أهمية “الاقتصاد المقاوم” ودعم الإنتاج المحلي فإن البلاد لم تستطع الوصول إلى هذه الأهداف التي أقرها النظام من أجل تقليل الانتماء إلى الاقتصاد العالمي ومواجهة العقوبات التي يواجهها البلد. ويثبت الواقع في الوقت الحالي أن هذه السياسة لم تستطع مقاومة الضغوط الاقتصادية والعقوبات الدولية المفروضة على إيران.
ويعترف المسؤولون الإيرانيون بصراحة بفشل هذه السياسة ويحذرون من أن إيران تسلك طريق الانهيار الاقتصادي إذا ما استطاعت العودة إلى التجارة الدولية وإزالة العقوبات.
آلية الزناد تطلق الرصاص صوب قلب الاقتصاد
ارتفاع العقوبات من جانب مجلس الأمن الدولي وبخاصة تفعيل آلية الزناد ستؤدي حتماً إلى تسريع نمو الأزمة الاقتصادية في إيران. وفي وقت يفشل النظام الإيراني في البحث عن سبيل لاجتياز الأزمة الحالية فإن تفعيل آلية الزناد يعد بمثابة إطلاق رصاص صوب قلب الاقتصاد الإيراني. هذه العقوبات لا تؤثر في الاقتصاد الإيراني فحسب، بل تتسبب في أزمات اجتماعية وسياسية لا يمكن لنظام طهران اجتيازها بسهولة.
نقلاً عن “اندبندنت فارسية”
نقلاً عن : اندبندنت عربية