في وقت حقق القطاع المصرفي الأوروبي عائدات وأرباحاً هائلة العام الماضي 2024، يواجه القطاع المصرفي البريطاني مشكلات متعددة، آخرها أزمة بنك “سانتاندير” الإسباني الذي دخل السوق المصرفية البريطانية قبل نحو عقدين من الزمن.

ونشرت وسائل إعلام بريطانية الثلاثاء الماضي خبر استقالة رئيس بنك “سانتاندير” في بريطانيا ويليام فيريكر إثر خلاف مع البنك الرئيس في إسبانيا.

وجاء خبر الاستقالة بعد أيام من نشر صحيفة “فايننشال تايمز” تقريراً  يشير إلى أن المجموعة المصرفية الإسبانية تفكر في بيع فرعها في بريطانيا نتيجة الإحباط من أدائه مقارنة مع بقية أذرع المجموعة، خصوصاً البنك الأم في إسبانيا.

وتولى فيريكر رئاسة البنك البريطاني منذ عام 2020 وسبق له أن عمل في بنوك كبرى من بينها بنك “يو بي أس” وكان أيضاً مبعوثاً للأعمال من حكومة رئيسة الوزراء السابقة تيريزا ماي، وسبقته في المنصب الرئيسة الحالية للمجموعة الإسبانية آنا بوتين.

وبحسب القوانين والقواعد واللوائح البريطانية المنظمة للقطاع المصرفي، فإن ذراع البنك في بريطانيا له مجلس إدارة يخصه، ومنذ فترة هناك توتر بين فيريكر وبوتين، مع دراسة قيادة المجموعة الإسبانية خيارات حول البنك في بريطانيا من بينها الخروج نهائياً من سوق المملكة المتحدة.

ورأت بوتين أحياناً أن إدارة البنك في بريطانيا “معوقة” للأعمال، لكن بعض المحللين يرون أن المجموعة المصرفية لا تتحمل الاستقلالية مع تركز قراراتها الإستراتيجية في يد إدارة مدريد.

إلا أن استقالة رئيس البنك في بريطانيا تشكل تحدياً لإدارة “سانتاندير” في إسبانيا التي تحاول تحسين أداء ذراعها البريطاني.

مشكلة بريطانية أم إسبانية؟

ودخل “سانتاندير” سوق مصارف التجزئة في بريطانيا منذ عقدين بشراء بنك “آبي ناشيونال” وبعد الأزمة المالية العالمية عام 2008، اندمج بنك “آبي ناشيونال” مع بنك “أليانس أند ليستر” مع الاستحواذ على جزء من “برادفورد أند بينغلي”، مما وسع من وجود البنك الإسباني في بريطانيا، ومثل بقية البنوك العاملة في البلاد أصبح “سانتاندير يو كيه” يخضع لرقابة بنك إنجلترا (المركزي البريطاني) ويلتزم القواعد واللوائح المصرفية البريطانية.

ولأن المجموعة المصرفية الإسبانية أصلاً مجموعة عائلية، ومتخصصة أكثر في القروض العقارية، فإن تجربة صيرفة التجزئة لذراعها البريطاني لم تحقق لها تقريباً ما ترجوه من عائدات وأرباح.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

فخلال الأعوام الأخيرة شهد فرع البنك في بريطانيا تراجعاً في حساباته الدفترية وانخفضت أصوله الإجمالية من 315 مليار جنيه استرليني (392 مليار دولار) إلى 275 مليار جنيه استرليني (342 مليار دولار) بنهاية سبتمبر (أيلول) عام 2024.

وبحسب ما ورد في “فايننشال تايمز” نقلاً عن مصادر، فإن إدارة المجموعة في إسبانيا لا تستبعد فكرة بيع البنك البريطاني والخروج تماماً من السوق البريطانية، ويقول المحلل في شركة “ألانترا إكويتيز” فرانشيسكو ريكي إن البنك البريطاني لم يصبح “مصرف التجزئة المأمول”، ويضيف في شأن سانتاندير أنه “بالأساس مصرف للإقراض العقاري. فنسبة 85 في المئة من دفاتر الإقراض لديه هي قروض رهن عقاري. وكانوا يحاولون أن يصبحوا مصرف تجزئة عالمياً، لكنهم لم يتمكنوا من ذلك”.

تعقيدات العمل

وليست المشكلة فقط في ما يتعلق بالمجموعة المصرفية الإسبانية وطريقة عملها، إنما أيضاً هناك ما يعتبره بعضهم تعقيدات العمل في القطاع المصرفي ببريطانيا، حتى بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي (بريكست). وكان الترويج لـ”بريكست” مصحوباً بالتخلص من القواعد والقوانين الأوروبية التي تشكل عائقاً أمام الأعمال، بخاصة في القطاع المالي.

ويلقي هؤلاء باللائمة في فشل البنك الإسباني بمسعاه نحو صيرفة التجزئة في بريطانيا على عدم تعديل القوانين والقواعد بعد “بريكست” بالشكل الذي وعد به السياسيون، كما أن بنك “سانتاندير” كان من بين البنوك البريطانية التي طاولها حكم المحكمة بتعويض المتعاملين عن مغالطات قروض تمويل شراء السيارات. وبالفعل خصص بنك “سانتاندير” مبلغ 295 مليون جنيه استرليني (367 مليون دولار) لتغطية الغرامات عليه نتيجة حكم المحكمة.  

وهناك مشكلة أخرى في حال قرر المصرف الإسباني الخروج من السوق البريطانية لأنه ذلك سيأتي في وقت تسعى حكومة حزب العمال ووزيرة الخزانة راتشيل ريفز إلى زيادة الاستثمار من أجل إنعاش النمو الاقتصادي، خصوصاً أن تقارير صحافية ذكرت أن مجموعة “أتش أس بي سي” تفكر في الخروج من عمليات الصيرفة الاستثمارية في بريطانيا وأميركا وأوروبا.

وكل تلك الأنباء غير سارة على الإطلاق لحكومة رئيس الوزراء كير ستارمر التي جعلت هدفها الأول والأساس زيادة النمو الاقتصادي.

نقلاً عن : اندبندنت عربية