في مواجهة أحد أبرز التحديات التي تعترض طريقهم التعليمي، يواجه طلاب كليات طب الأسنان في السعودية نقصاً حاداً في توفر الأسنان الحقيقية اللازمة لاستكمال دراستهم العملية. هذا النقص يشكل عائقاً كبيراً أمام تطورهم الأكاديمي، إذ يعتمد التدريب العملي في هذه المرحلة بصورة أساس على استخدام أنواع محددة من الأسنان مثل الضواحك والضروس، التي يتطلب أن تكون بحالة جيدة لضمان دقة التدريب.
هذه الحاجة الملحة تضع الطلاب في مواجهة مأزق معقد يتعارض مع القوانين السارية التي تمنع العيادات من بيع أو إعطاء الأسنان للطلاب، ومع ذلك فإن الواقع يشير إلى وجود استثناءات غير قانونية، إذ تقوم بعض العيادات بطرق غير رسمية وسرية بتزويد الطلاب بالأسنان المطلوبة في مقابل مبالغ مالية مرتفعة. المشكلة لا تقف عند حدود الأسعار، بل تتجاوزها إلى طريقة تخزين الأسنان، التي غالباً ما تكون غير آمنة، مما يثير مخاوف صحية، ويضع الطلاب في موقف محرج ومعقد بين حاجتهم الأكاديمية والتزامهم بالقوانين.
على الجانب الآخر يحاول بعض الطلاب التغلب على هذا العائق من خلال استيراد الأسنان من الخارج، وعلى رغم أن هذا الخيار يبدو أقل كلفة في بعض الأحيان مقارنة بالاعتماد على المصادر المحلية غير القانونية، إلا أنه يضيف أعباء زمنية ومادية على الطلاب، إذ يتعين عليهم التعامل مع التأخير الناتج من عمليات الشحن الدولية، فضلاً عن الشروط الصارمة والإجراءات المعقدة التي تحكم عملية الاستيراد، مما يجعل هذا الخيار محدود الجدوى لكثيرين.
يبقى السؤال الذي يفرض نفسه: لماذا لا تتبنى كليات طب الأسنان في السعودية دوراً مباشراً في توفير هذه المتطلبات الأساسية للطلاب؟ يمكن أن تسهم الكليات في حل هذه الأزمة عبر إنشاء برامج مخصصة لتوفير الأسنان الطبيعية، سواء من خلال التعاون مع العيادات أم عبر استيرادها بطرق قانونية ومنظمة، مثل هذه الخطوات ستسهل على الطلاب التركيز على دراستهم وتجنبهم اللجوء إلى حلول ملتوية أو مرهقة.
كما أن غياب حلول قانونية وميسرة يثير تساؤلات حول دور الجهات المعنية في معالجة هذا التحدي الذي يعطل مسار طلاب طب الأسنان في المملكة. تقديم بدائل قانونية مستدامة سيسهم في تعزيز العملية التعليمية وضمان التزام الطلاب بالقوانين، بما يخدم مصلحتهم الأكاديمية وصحتهم العامة على حد سواء.
خيارات غير مضمونة
تتطلب السنة الثانية من المنهج الدراسي لكلية طب الأسنان، التي تلي السنة التحضيرية، بدء التدريب العملي باستخدام “أسنان بشرية طبيعية” تخصص لأغراض تعليمية وتدريبية. عادة ما تجمع هذه الأسنان بعد خلعها من المرضى، مما يجعل العثور على مصادر موثوقة لتوفيرها أمراً ضرورياً لدعم العملية التعليمية.
تتعدد وسائل الحصول على هذه الأسنان، إذ يلجأ بعض الطلاب إلى السوق السوداء المحلية، بينما توفر بعض العيادات الأسنان بصورة مجانية لدعم العملية التعليمية. كما يلجأ آخرون إلى شراء الأسنان عبر مواقع إلكترونية خارجية، وهو ما يثير تساؤلات حول مدى قانونية وأخلاقية هذه الممارسات.
ومع ذلك تظل جميع الوسائل المذكورة غير مضمونة بصورة كاملة، إذ لا يوجد مصدر يضمن توفر الأسنان بجودة مناسبة أو وصولها في الوقت المحدد. يفضل الطلاب طلب الأسنان من خارج السعودية، كون ذلك خياراً أرخص مقارنة بالسوق المحلية، إضافة إلى توفير أنواع مختلفة من الأسنان وضمان وصولها من دون الحاجة إلى التجول بين عيادات الأسنان.
لكن الخطر يكمن في شراء الأسنان عبر الإنترنت، إذ قد تصبح الطلبية مفاجأة من حيث الأنواع أو الجودة. يعلق إبراهيم ناصر، أحد طلاب طب الأسنان، قائلاً “اعتقدت أنني سأحصل على أسنان سليمة كما كانت موضحة بالصور على الموقع، لكن ما وصلني كان متهالكاً نسبياً. احتوت الأسنان على تكلسات وبقع وجير وجذور ملتحمة ومنحنية، على عكس وصف الموقع.”
وأضاف ناصر أنه حصل على كمية كبيرة من القواطع السفلية، بينما لم يتلق أي ضرس علوي ثالث، مما يعكس عدم تطابق الطلب مع ما استلم. هذه التجربة تؤكد القلق السائد بين الطلاب في شأن موثوقية المصادر التي يلجأون إليها للحصول على الأسنان، وهو ما يدفعهم للبقاء في دائرة مغلقة من البحث المستمر عن مصادر بديلة، مما يعوق تحقيق أهدافهم التعليمية بصورة كاملة.
السوق السوداء والعيادات
يعد سوق الأسنان الطبيعية غير ثابت في السعودية، إذ لا توجد وسيلة بيع رسمية معتمدة لتوفيرها. وتقول عالية محمد، إحدى طالبات كلية طب الأسنان، إن هذه المشكلة تعد أزمة عالمية تواجه جميع طلاب طب الأسنان.واستغل تجار السوق السوداء في السعودية هذه الأزمة لبيع الأسنان بأسعار فلكية مقارنة بالسوق العالمية، وتضيف عالية أن بعض الطلاب يضطرون إلى اللجوء إلى السوق السوداء بسبب ضيق الوقت، إذ يدفعون ثلاثة أضعاف كلفة الأسنان في السوق العالمية، فعلى سبيل المثال قد تبلغ كلفة الأسنان المستوردة من موقع خارجي نحو 100 دولار أميركي، بينما تصل كلفتها في السوق السوداء إلى 350 دولاراً كحد أدنى.
اسنان للبيع
ضروس عقل
ضواحك
ناب
طبيعيه #رياض_العلم#طب_الاسنان
— Dr.Teeth اسنان للبيع (@DrTeeth487582) September 12, 2024
إضافة إلى ذلك قد تكون تلك الأسنان مخزنة بطريقة خاطئة، مما يجعلها غير صالحة للدراسات أو التدريب، كما أنها تباع من دون أية ضمانات وبصورة عشوائية.
تواصلت “اندبندنت عربية” مع أحد تجار السوق السوداء لاستقصاء مصادرهم، وأوضح التاجر أن مصادرهم تتنوع بين شراء الأسنان من العيادات أو تقمص شخصية طالب طب للحصول عليها مجاناً وإعادة بيعها.
عامل المسؤولية لدى بعض العيادات
يعاني طلاب طب الأسنان تحديات كبيرة في توفير أسنان سليمة للتدريب، حتى مع تعاون بعض العيادات. غالباً ما تخلع الأسنان السليمة لأسباب طبية أو اقتصادية، إلا أن عدم الالتزام بتخزينها بصورة صحيحة يجعلها تعامل كنفايات طبية تتلف مباشرة. وفي الحالات النادرة التي تحفظ فيها، قد يتسبب التخزين غير الملائم في تلفها.
لذلك يلجأ الطلاب إلى توزيع علب فارغة على العيادات لتخزين أي أسنان صالحة قد تتوفر، إذ تحفظ الأسنان داخل هذه العلب باستخدام الماء أو محلول خاص. تتعاون بعض العيادات مع الطلاب، لكنها غالباً تحذرهم من عدم ضمان توفر الأسنان في الوقت المطلوب، مما قد يؤدي إلى إعادة العلبة فارغة من دون أي محتوى.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وترفض بعض العيادات توفير الأسنان للطلاب لأسباب صحية، إذ تعتبرها نفايات طبية قد تشكل خطراً على الصحة العامة. ووفقاً لمركز السيطرة على الأمراض الأميركي (CDC)، قد تكون الأسنان المستخرجة ملوثة بالدم أو مواد معدية أخرى، مما يعرض العاملين في قطاع الرعاية الصحية والمرضى لخطر الإصابة بأمراض منقولة عبر الدم، مثل فيروس نقص المناعة البشرية (HIV) أو التهاب الكبد الوبائي “ب”، ولهذا يتطلب التعامل مع الأسنان المستخرجة اتباع إجراءات خاصة لضمان السلامة والتقليل من الأخطار الصحية.
في سياق ذلك قامت “اندبندنت عربية” بالتواصل مع الجهات المختصة للحصول على إجابات واضحة حول هذه القضية، لكنها لم تتلق أي رد.
نقلاً عن : اندبندنت عربية