أثار خبر انتقال أحزاب سياسية في تونس من موالاة الرئيس قيس سعيد إلى معارضته تساؤلات حول دلالات ذلك، خصوصاً مع تفاقم الأزمة بين معسكر السلطة والمعارضة التي فقدت الكثير من الأوراق مع توقيف قيادات بارزة صلبها قبل أشهر.

ومن أهم هذه الأحزاب “حركة الشعب”، التي انتقدت أخيراً بشدّة ما أسمته “استنساخ الفشل من قبل السلطة الحالية”، وذلك بعدما أشاد الحزب قبل نحو ثلاثة أعوام بإجراءات اتخذها الرئيس قيس سعيد، وأطاحت بالبرلمان والحكومة المنتخبين ديمقراطياً وذلك بعد تفعيله المادة 80 من الدستور.

وفي السادس من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي نجح الرئيس قيس سعيد في الفوز بولاية رئاسية ثانية مُدتها خمسة أعوام، في استحقاق نافس فيه الأمين العام لـ”حركة الشعب”، زهير المغزاوي، في خطوة بدت لافتة في دلالاتها وتوقيتها.

أخذت مسافة

ومنذ أشهر، لم تتردد قيادات بارزة صلب “حركة الشعب” على سبيل المثال، عن توجيه سيل من الانتقادات إلى السلطة في تونس على غرار الوزير الأسبق، سالم الأبيض، ما أعطى انطباعاً بوجود فجوة بين الرئيس قيس سعيد وأحزاب الموالاة التي دعمت بصورة غير مشروطة قراراته في وقت سابق.

ومنذ 25 يوليو (تموز) 2021، قاد الرئيس سعيد سلسلة من التعديلات السياسية والدستورية التي أثارت تباعداً بين مكونات الطبقة السياسية في البلاد وسط انقسام في المواقف تجاه ذلك.

وقال الباحث السياسي التونسي، هشام الحاجي، إن “تغيير القراءات والمواقف ھو من بين قواعد العمل السياسي الذي يُؤمن أن التحالفات السياسية ليست زواجاً كاثوليكياً لا يُمكن فكّ الارتباط فيه”.

وأضاف الحاجي في حديث لـ”اندبندنت عربية” أن “حركة الشعب شرعت في أخذ مسافة من الرئيس قيس سعيد منذ الانتخابات الرئاسية الأخيرة بما أن أمينھا العام ترشح ضد قيس سعيد، وهذا أمر له تبعات ودلالات حتى وإن قلل البعض من أھميته”.

وأبرز أنه “يمكن تفسير ھذا التحول بشعور حركة الشعب أن قيس سعيد لا يبالي بھا ولا يتفاعل معھا وھو الذي لا يُؤمن بالأحزاب السياسية، وبأن قيس سعيد ابتعد من الأرضية المشتركة التي تجمعھما”، لافتاً إلى أن “النقد الذي وجھته حركة الشعب لرئيس الجمهورية قوي لكن يجب أن نعرف ما ھو حجم حركة الشعب وتأثيرھا ميدانياً لنعرف تأثيراته الفعلية”.

وتساءل الحاجي “هل فقدت حركة الشعب الأمال ربما بالحصول على بعض المكاسب شأنها شأن أحزاب أخرى من وراء دعم الرئيس سعيد ما جعلها تدخل في خلاف معه؟ هذا وارد جداً وطبيعي لأن التحالف يقوم بالأساس على المشاركة”.

لا عقائد أو أيديولوجيات

ومنذ أشهر تعالت أصوات من قبل الأحزاب الموالية للرئيس قيس سعيد من أجل إجراء حوار وطني للخروج من نفق الأزمة السياسية التي تعرفها البلاد، وأشارت تلك الأحزاب إلى هواجس مما يحدث إقليمياً، خصوصاً بعد سقوط رئيس النظام السوري بشار الأسد في ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

ومنذ قيام الرئيس سعيّد بالعديد من التعديلات السياسية والدستورية في وقت سابق، وهي تعديلات أعادت تونس إلى نظام الحكم الرئاسي، باتت الأحزاب السياسية تواجه تهميشاً متزايداً سواء من معسكر الموالاة أو المعارضة.

واعتبر الباحث السياسي التونسي، بوبكر الصغير، أن “فكرة الأحزاب السياسية في تونس عريقة على مر التاريخ، وهي تعود إلى نهاية القرن الـ19، وللبلاد تاريخ راسخ في ما يخص العمل النقابي والحزبي وذلك بفضل وجود نخب واعية وماسكة بمفاتيح التطور والحداثة”.

وأردف الصغير في تصريح خاص أن “صدمة 14 يناير (كانون الثاني) 2011 بقدر ما أثرت في مؤسسات النظام أثرت أيضاً في النخب في تونس، إذ وجدت أنها تعيش لحظة فارقة في مسار تاريخي للبلاد مع دخولها في وضع لم تكن تتصوره، إضافة إلى دخول فكر جديد لتونس”.

وزاد قائلاً “أعتقد أن الأحزاب التي تُكثر من تحولاتها السياسية وتحالفاتها وتوجهاتها هي لا تبنى على عقائد أو أيديولوجيات واضحة وثابتة بقدر ما تبنى على اعتبارات ومصالح شخصية”.

ولفت الصغير إلى أن “هذه الأحزاب تبحث عن التموقع داخل المشهد السياسي الجديد، وهي تفتقر إلى فكر سياسي ورؤية أيديولوجية وثوابت أيضاً تبني عليها كل أنشطتها السياسية، مثلاً هذه الأحزاب السياسية ليست لها برامج واضحة أو مؤسسات ديمقراطية أو رموز وازنة لها أو غير ذلك، وهي عوامل يمكن أن تفرز برامج واتجاهات محددة”.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لا تأثير محتملاً

ومع انتقالها إلى صف المعارضة، من غير الواضح ما إذا كانت لدى هذه الأحزاب أوراق قد تلعبها من أجل تحدي السلطة في البلاد.

ويوجد في تونس نحو 200 حزب سياسي تأسس معظمها بعد انتفاضة 14 يناير 2011، التي أطاحت الرئيس الراحل زين العابدين بن علي، وهي أحزاب يخيم على نشاطها الكثير من الجمود.

وقال الصغير إنه “ليس لدى هذه الأحزاب تأثير في المسار السياسي الذي تعرفه تونس، خصوصاً أن الرئيس سعيد يمثل استثناء في التجارب السياسية التي عرفتها البلاد في العصر الحديث”.

وأكد أن “الرئيس قيس سعيد لديه رؤيته الخاصة في مأسسة منظومة حكم جديدة ومؤسسات جديدة، وأعتقد أن الأحزاب تُخطئ عندما تعتقد أنها تتعامل مع أنظمة شبيهة لتلك التي تعاملت معها بعد 14 يناير”.

نقلاً عن : اندبندنت عربية