أشرس مراحل حرب السودان: إعدامات بالمئات ونازحون بلا عدد

أحدثت أنباء الحملة الانتقامية والانتهاكات الدموية والتنكيل بالمدنيين التي تشنها قوات “الدعم السريع” على قرى شرق ولاية الجزيرة وغربها بعد انشقاق قائدها محمد أبوعاقلة كيكل الذي ينتمي إلى تلك المنطقة، صدمة رسمية وشعبية وردود فعل غاضبة وإدانات واسعة من معظم القوى السياسية والمدنية والكيانات الأهلية والقبلية في السودان.

ووفق مراصد محلية، فقد بلغت حصيلة القتلى أكثر من 460 من الشباب والأطفال والنساء والشيوخ في تصفيات دموية متعمدة، من بينهم أكثر من 124 قتيلاً إلى جانب مئات الجرحى من قرية السريحة بمحلية الكاملين وحدها إثر مهاجمتها من قبل الميليشيات بالأسلحة الخفيفة والثقيلة، بينما يظل مصير عشرات الآخرين المختطفين مجهولاً.

وبحسب “مؤتمر الجزيرة”، تجاوز عدد القتلى في مدينة تمبول وحدها نحو 300 قتيل بينهم نساء وأطفال، وتزيد الجثث الملقاة على الطرقات من صعوبة إجراء حصر دقيق حتى الآن، وأشار إلى أن أكثر من 30 قرية تمت مهاجمتها وهُجّر سكانها قسراً، إلى جانب حالات اختطاف لفتيات والعنف الجنسي.

أرقام جديدة

وقال حزب البعث السوداني إن ميليشيات “الدعم السريع” اقتحمت ما يزيد على 30 قرية في الجزيرة، إضافة إلى الهجوم العنيف على تمبول والهلالية ورفاعة وقرى أخرى.

وكشف في بيان عن أن التقديرات الأولية تشير إلى أن أكثر من 600 مواطن أُعدموا رمياً بالرصاص، بينما لا تتوافر أرقام عن أعداد الجرحى والمفقودين.

وبث جنود من قوات “الدعم” مقاطع فيديو صادمة أججت الغضب الشعبي، تظهرهم وهم يقتادون ويطاردون عشرات المدنيين أمامهم بالعربات القتالية، فضلاً عن اعتقال عشرات آخرين داخل المساجد والقاعات، وعمليات إذلال وترويع للشيوخ والمسنين.

البرهان يتوعد

وأعلن الفريق أول عبدالفتاح البرهان القائد العام للجيش، أنه “كلما تمادت ميليشيات آل دقلو الإرهابية في سفك دماء المواطنين الأبرياء، ازدادت عزيمة الشعب السوداني على مقاومتهم”.

وأضاف على حسابه في منصة “إكس” أمس الجمعة أن “انتهاك القانون الدولي الإنساني والجرائم ضد الإنسانية لن تمر من دون عقاب، وتجعل من غير الممكن التسامح مع هذه الميليشيات الإرهابية”.

وحمّلت قوات “الدعم السريع” من جانبها البرهان المسؤولية الكاملة عما تشهده ولاية الجزيرة من اشتباكات مع “المقاومة الشعبية” و”كتائب العمل الخاص”، وقالت في بيان، “تعلن قواتنا وبكل حزم أنها لن تتهاون مع المجرمين، وستضرب بيد من حديد كل من يحمل السلاح، ولن تقف مكتوفة الأيدي في مواجهة ما يسمى ’العمل الخاص والمقاومة الشعبية‘”.

مطالب بالمحاسبة

وطالبت حكومة السودان المجتمع الدولي بإدانة هذه الحملات بصورة فورية وقوية واتخاذ الإجراءات الكفيلة بمحاسبة مرتكبيها ووقف تدفقات الأسلحة والمرتزقة لهم.

وقال بيان صحافي للخارجية السودانية إن “قرى وبلدات شرق الجزيرة والبطانة تتعرض لحملات انتقامية من ميليشيات الجنجويد تستهدف المدنيين على أسس قبلية وجهوية، ويقدر ضحاياها بمئات القتلى والمصابين المدنيين، وتشريد آلاف آخرين عدة، بما يرقى إلى مستوى الإبادة الجماعية والتطهير العرقي”.

 

وأضاف البيان أن “صمت المجتمع الدولي ولا مبالاته تجاه هذه الجرائم يشجعان الميليشيات وراعيتها الإقليمية على التمادي في ارتكاب المجازر والإبادة الجماعية من دون خوف من العقاب”.

وقالت مصادر دبلوماسية إن بعثة السودان الدائمة لدى مكتب الأمم المتحدة بجنيف تقدمت بمذكرة شديدة اللهجة لدى مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان ورئيس مجلس حقوق الإنسان بسبب العمليات الانتقامية لـ”الدعم السريع” ضد المواطنين في قرى غرب ولاية الجزيرة وجنوبها وشرقها، مطالبة المجتمع الدولي وآليات حقوق الإنسان خصوصاً باتخاذ موقف حاسم تجاه تلك الانتهاكات.

إدانات وتنديد

وأصدرت كيانات أهلية وقبلية من كل أرجاء السودان، بما فيها كبرى قبائل دارفور، بيانات إدانة واستنكار لتلك الانتهاكات البشعة، مؤكدة تضامنها مع مواطني البطانة ومعلنة أن تلك الجرائم لا علاقة بقبائل دارفور، بل تخص الميليشيات وحدها.

وحمّلت تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم)، قوات “الدعم السريع” المسؤولية الكاملة عن الانتهاكات الجسيمة في شرق الجزيرة، مؤكدة على ضرورة وقف الوحشية بصورة فورية ومحذرة من عواقب استمرار ترويع المدنيين العزل.

وندد بيان لـ”تقدم” بالاعتداء الدموي الذي شنته طائرات الجيش الحربية على منطقة مسجد الشيخ الجيلي بمدينة ود مدني، متسببة في سقوط عشرات الضحايا المدنيين.

ودانت هيئة محامي دارفور “المجزرة” التي ارتكبتها قوات “الدعم السريع” في منطقة السريحة، قائلة إنها اطلعت على فيديوهات على الوسائط الإعلامية حول وقائع استباحة “الدعم” لمناطق وقرى بولاية الجزيرة، موردة قائمة أولية بأسماء 124 من شهداء منطقة السريحة وحدها.

الحرب الأهلية

وأوضح بيان للهيئة أنه “بينما تدخل البلاد إلى مرحلة الحرب الأهلية، تقف القوى السياسية والمدنية عاجزة تماماً، وليس لها ما تفعله سوى الإدانة والاستنكار”.

وفي معرض إدانتها لعمليات القتل الجماعي على أساس إثني وقبلي بحق المدنيين في الجزيرة، حذرت شبكة “أطباء السودان” من عواقب هذا العمل الإجرامي ومغبة تحويل الصراع الدائر إلى حرب أهلية.

وأوضحت “هيئة محامي الطوارئ” أنه نتيجة للتصاعد المستمر للعنف المسلح في السودان، تتعرض مناطق شرق الجزيرة لأزمة إنسانية متفاقمة بسبب ارتفاع وتيرة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأضافت في بيان لها أن قوات “الدعم السريع” تواصل استهداف المدنيين العزل في هجمات انتقامية عشوائية تمارس فيها أقسى أنواع العنف باستهداف مدن وقرى منطقة البطانة، مما أسفر عن مئات القتلى والجرحى، وتشريد مئات العائلات مع نزوح نحو 10000 شخص بحثاً عن ملاذات آمنة.

واتهمت الهيئة الجيش بتحشيد بعض المجتمعات المحلية وتسليحها بدعوى المقاومة، مما يعرض المدنيين لخطر الاستهداف المباشر ويزيد من حدة الانقسامات المحلية ويضاعف العنف.

وقال تحالف قوى التغيير الجذري إن الأحداث تؤكد أن النزاع بين طرفي الحرب اتخذ منحىً جديداً أدى إلى مزيد من الانتهاكات والقتل والاغتصاب والنهب والنزوح في مدن وقرى عدة بشرق الجزيرة وأنحاء أخرى من الولاية.

ودان التحالف ما وصفه بـ”الانتهاكات البربرية التي أسفرت عن كل ذلك الخراب وفقدان الأرواح والممتلكات على يد أطراف هذه الحرب، وندين الأطراف الداعمة لها داخلياً وخارجياً، ونطالب بوقف هذه الأعمال فوراً ومحاسبة أطرافها”.

أسوأ المجازر

ووفق شهود عيان، فقد شملت الحملات الانتقامية إلى جانب مدن رفاعة وتمبول والهلالية، أكثر من 36 قرية بشرق الجزيرة وغربها وجنوبها تعرضت لانتهاكات غير مسبوقة شملت القتل والسحل وكل أنواع الانتهاكات بإطلاق النار العشوائي واقتحام ونهب البيوت والأسواق والتعذيب والإذلال والجلد بالسياط والاعتداء على النساء والفتيات.

ويقول محمد عبدالمنعم النعيم الذي تمكن من الفرار مع أسرته من مدينة تمبول، إن “ما تم في مدينتي رفاعة وتمبول هو مستوى للرعب يفوق الخيال، والعمليات الانتقامية الواسعة ضد المدنيين في شرق ولاية الجزيرة وغربها هي أكبر وأسوأ مجازر بشرية تمت بواسطة الميليشيات”.

وتابع أن “الناس خرجوا فارين إلى القرى المجاورة للمدينة، لكن تلك القوات لاحقتهم هناك، مما اضطرهم إلى النزوح ثانية سيراً على الأقدام في اتجاه منطقة الفاو”، موضحاً أن أفراد الميليشيات كانوا يطلقون نيران بنادقهم ورشاشاتهم على كل هدف يتحرك في شوارع المدينة وهم يصيحون بصورة هيستيرية “أين كيكل”، وامتلأت الشوارع بالجثث خلال ساعات قليلة وهناك من تم قتلهم داخل بيوتهم.

العنف القبلي

في السياق، اعتبر أستاذ العلوم السياسية عبدالمجيد الزاكي أن الحملات الانتقامية التي تشنها قوات “الدعم السريع” تُعدّ مؤشراً خطراً على دخول حرب السودان في منعطف الثارات القبلية والجهوية والعنف والقتل على أساس الهوية.

ولفت إلى أن استنهاض تلك الحملات لروح الثأر من خلال عمليات التحشيد والاستنفار الجهوي والقبلي يعزز من مخاوف الانزلاق نحو الحرب الأهلية، من خلال تجذر الاصطفاف الإثني والعرقي ودعوات الثأر والانتقام المتصاعدة.

 

ووصف الاجتياح الدموي الذي حدث في منطقة سهل البطانة لمعظم مدن وقرى شرق الجزيرة وغربها وجنوبها، بأنه يمثل قتلاً وتهجيراً ممنهجاً، مشيراً إلى أن رد الفعل الغاضب والمبالغ فيه من قوات “الدعم السريع” ضد مدن وقرى المنطقة وقبائلها ومطاردتهم وسحلهم وقتلهم بهذه الطريقة الدموية يشير إلى فقدان تلك القوات لصوابها بعد هزائمها الأخيرة في محاور عدة، آخرها خسارتها في مناطق جبل موية والدندر والسوكي.

ويضيف أنها “ليست مجرد عمليات انتقام لانسلاخ قائدها كيكل وانضمامه إلى الجيش، فحال الهياج التي تعيشها تلك القوات تؤكد أنها انفلتت تماماً من أي ضوابط أو قيادة عسكرية بسبب مخاوف الانهيار التي تلاحقها”.

انسلاخ جديد

في الأثناء، أعلن عبدالقادر إبراهيم علي، مستشار قائد “الدعم السريع” ومسؤول ملف شرق السودان، انسلاخه من “الميليشيات التي سعت إلى ضرب وحدة الشعب السوداني”.

وقال خلال مؤتمر صحافي في مدينة بورتسودان إنه اختار هذا الموقف الوطني ليعلن انسلاخه مع قيادات أخرى من المجلس الاستشاري لقوات “الدعم السريع”.

واندلعت المعارك بين الجيش السوداني وقوات “الدعم السريع” منتصف أبريل (نيسان) 2023، ويواجه كلا الطرفين منذ ذلك الوقت اتهامات بارتكاب انتهاكات وجرائم حرب بسبب استهداف المدنيين.

وخلّفت الحرب في السودان عشرات آلاف القتلى وشردت أكثر من 10 ملايين شخص، كما تسببت وفقاً للأمم المتحدة بإحدى أسوأ أزمات النزوح العالمية في التاريخ الحديث.

ومنذ بداية الأسبوع الماضي، تشن قوات “الدعم السريع” حملات انتقامية ضد سكان شرق الجزيرة في أعقاب انشقاق قائدها بالولاية أبوعاقلة كيكل وانضمامه إلى الجيش السوداني، خلّفت مئات القتلى والجرحى، إلى جانب نزوح الآلاف واتهامات بعمليات تهجير قسري واغتصاب وسلب ونهب.

نقلاً عن : اندبندنت عربية