عودة محفوفة بالأخطار قادت الشاب رضا برفقة ثلاثة من إخوته إلى قريتهم الواقعة في ريف إدلب الجنوبي، بعد فراق دام أكثر من خمسة أعوام انقضت بعيدين من موطنهم. رحلة لا تشبه رحلة النزوح القاسية التي عاشوها في أكناف خيمة ممزقة في مخيمات الشمال السوري، لكن بمجرد وصوله إلى القرية التي انسحب منها الجيش النظامي منذ أكثر من شهر فوجئ بما لم يكن في حسبانه.
يروي الشاب رضا أنه وعلى رغم كل الشوق الذي يحمله لبيته فإنه تبدد فور وصوله إلى الديار، إذ لم تُبق الحرب إلا جدراناً آيلة للسقوط وبيتاً من دون سقف بحكم عمليات سرقة الحديد التي كانت تتم من قبل مجموعات سرقة ممنهجة تتبع النظام، وأيضاً أكواماً من الأتربة المتناثرة، وإلى جانب المنزل تحول بستان والده وعدد من بساتين القرية إلى حقل رماية للتدريب على السلاح بعدما قطع الجيش كل الأشجار الخضراء المعمرة في المنطقة.
الأمر لم يتوقف عند ذلك بحسب حديث رضا لـ”اندبندنت عربية” بل إنه فوجئ بوجود ثلاثة ألغام قابلة للانفجار، اثنان منها اكتشفها في باحة المنزل أثناء إزالة ركام بيته، واللغم الثالث وضع في إحدى الغرف. يقول رضا (35 سنة) إن “العناية الإلهية أنقذتنا من موت محتم أو إصابة أثناء عملنا أنا وإخوتي لإزالة الأنقاض وتهيئة البيت للعودة، لقد اكتسبت خبرة في التعامل مع الألغام أثناء خدمتي الإلزامية في الجيش”.
في غضون ذلك تحيط الألغام بالقرى التي كانت على خطوط التماس بين قوات إدارة العمليات العسكرية، والجيش النظامي في ريفي إدلب الجنوبي وحماة الشمالي، حتى إن إحدى القرى في إدلب وجد بها 200 لغم، مما منع عودة ساكنيها ولا سيما أن الألغام خلال هذا الشهر أزهقت أرواح عدد من العائلات العائدة وأدت الانفجارات إلى إصابات بين المدنيين.
وينبه موظف في فريق الإزالة بقسم التلوث بالأسلحة في اللجنة الدولية للصليب الأحمر في سوريا، ماجد الفحلة، إلى انعكاسات الحرب الأخيرة في سوريا، وما أدت إليه من عربات ومعدات وذخيرة وأسلحة ومرافق عسكرية تركها الجيش أو دمرها خلال هذه الفترة الأخيرة مما أدى إلى انتشار الذخيرة على نطاق واسع.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتابع “هذه المواقع تضم ذخائر منها حية ومنها غير منفجرة، وتشكل خطراً حقيقياً على سلامة المدنيين في هذه المناطق، ورسالتي اليوم ألا نحاول الاقتراب منها أبداً أو ندخلها أو نستكشفها ونبلغ السلطات المحلية في حال العثور عليها، ولا بد من ترك المحترفين للتعامل معها بشكل جيد”.
وكانت القوات النظامية في الـ27 من نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 قد تراجعت وانسحبت بصورة غير مدروسة، وغير منظم مع اقتحام مجموعات إدارة العمليات العسكرية بزعامة “هيئة تحرير الشام”، حلب ومن ثم حماة وصولاً إلى حمص ثم دمشق، وتركت القوات النظامية سلاحها وعتادها كاملاً، بل إن الجنود رموا أسلحتهم الفردية وبنادقهم في الشوارع.
ويلفت النظر الناشط المدني عقبة مارديني إلى مشاهدات حية لأرتال من الجيش النظامي كانت على أطراف العاصمة دمشق، ألقوا السلاح بشكل عشوائي، بينما وثقت “اندبندنت عربية” خلال الأيام الأولى من سقوط النظام بمقاطع مصورة كميات كبيرة من الدبابات وعربات، وملالات الجنود معطلة ومعطوبة أو متروكة على جنبات الطرق الرئيسة الواصلة إلى العاصمة أو في ضواحيها، إضافة إلى توثيق مشهد اندلاع حريق براجمة صواريخ كبيرة الحجم إثر اصطدام مركبة سياحية على طريق حمص دمشق.
في الأثناء حصلت منظمة “يونيسيف” على تقارير تفيد بمصرع أو إصابة 116 طفلاً في ديسمبر (كانون الأول) 2024 بسبب الذخائر غير المنفجرة، أي بمعدل أربعة أطفال تقريباً في اليوم، وتشير إحصائية للمنظمة ذاتها أنه وعلى مدى الأعوام التسعة الماضية سجل ما لا يقل عن 422 ألف حادثة تتعلق بالذخائر غير المنفجرة في 14 محافظة سورية، وتشير التقديرات إلى أن نصفها أدى إلى وقوع إصابات مأسوية بين الأطفال في جميع أنحاء البلاد.
وجاء في بيان حديث لمنظمة اليونيسيف حول الذخائر غير المنفجرة “النزوح المتجدد يؤدي إلى تفاقم الخطر، منذ الـ27 من نوفمبر أجبر أكثر من ربع مليون طفل على الفرار من منازلهم بسبب تصاعد النزاع، أما بالنسبة إلى هؤلاء الأطفال وأولئك الذين يحاولون العودة إلى مناطقهم الأصلية فإن خطر الذخائر غير المنفجرة مستمر ولا يمكن تجنبه”.
ولم يخف مدير التواصل لحالات الطوارئ لدى منظمة الأمم المتحدة للطفولة، ريكاردو بيرس، القلق المتزايد من الآثار المدمرة للذخائر غير المنفجرة في سوريا، لا سيما مع عودة العائلات السورية إلى ديارها عقب سقوط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد. وتابع في إحاطة له “البلاد لم تتخلص من مخلفات الحرب المدمرة بما في ذلك 320 ألف ذخيرة غير منفجرة، وهذا الخطر يؤثر في 5 ملايين طفل يعيشون في مناطق شديدة الخطورة تنتشر فيها الألغام والذخيرة”.
وناشد الدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء) الأهالي العائدين إلى قراهم وبلداتهم بعد تحريرها أخيراً بعدم الدخول إليها ولا سيما الأراضي التي كانت ضمن خطوط التماس سابقاً مع نظام الأسد البائد، وعدم الدخول إلى المنازل المدمرة أو سلك طرقات غير مستخدمة، وعدم الاقتراب كذلك من الثكنات والمقار العسكرية، والحواجز السابقة والسواتر الترابية والخنادق، والحذر من أي جسم غريب وعدم لمسه أو تحريكه والإبلاغ عنه.
نقلاً عن : اندبندنت عربية