منذ ولادتها مطلع التسعينات سعت مؤسسة “أم بي سي” (مركز تلفزيون الشرق الأوسط) العريقة إلى أن تختط طريقاً محايداً في عملها وتمويلها للخدمة الإعلانية التي تقدمها للمتعاملين معها.

شغلت المؤسسة بين ثناياها أكثر من 40 جنسية، من بينهم كل الجنسيات العربية، بدافع توفير فرصة مثالية للحوار والتقارب بين الأشقاء العرب، ونجحت في استقطاب أهم الكفاءات الإعلامية العربية، التي ساهمت في الحوار العربي-العربي، والعربي-الإقليمي والدولي، وجسرت الهوة بين الأشقاء ووحدت اللهجات والهموم معاً.

تعرضت قناة “أم بي سي- العراق” السبت إلى هجوم مباغت من عناصر تنتمي لقوى سياسية تهتف بحياة “المقاومة الإسلامية”.

أقدم المهاجمون على تفكيك أجهزة القناة والاستحواذ على أجهزة البث والكمبيوترات التابعة لها، بعد اقتحام المبنى الواقع في حي الجامعة ببغداد وإحراق مكاتبه من دون إشعار بإخلاء المبنى أو تنبيه مسبق من الدولة عن سبب هذا الاقتحام المباغت.

هيئة الإعلام والاتصالات العراقية قررت وقف عمل القناة، على خلفية بثها تقريراً مخالفاً لتوجهات المجاميع المهاجمة، على رغم أن القناة المعنية “أم بي سي- العراق “ليست مسؤولة مباشرة عن التقرير المعني.

والغريب أن الهيئة المذكورة أوردت أن قرار الإيقاف “جاء نتيجة لانتهاك لوائح البث الإعلامي، من خلال تجاوزاتها المتكررة وتطاولها على من وصفتهم قادة النصر والمقاومة”، ووجهت بإلغاء رخصة العمل للقناة في العراق.

نهج القناة ومسؤولية الدولة

“أم بي سي العراق” تختط نهجاً إعلامياً مختلفاً تراعي فيه جوانب الحساسيات السياسية وتسعى، كما يقول رئيس تحرير إحدى المجلات العراقية، بأن تكون قناة مستقلة وملتزمة بخط التوجيهات والقوانين العراقية، ولا علاقة تحريرية لها بما تنشره قنوات المجموعة المتعددة، وهي أصلاً قناة غير إخبارية خدمت العراق وشعبه عبر برامجها التي ركزت على التعريف بالجوانب الإيجابية في الحياة العراقية الجديدة، وكانت تسعى لتقريب وجهات العراقيين مع أشقائهم العرب لاسيما الخليجيين، بأعمال مشتركة تجسر الهوة مع أبناء الشعب العربي وتعمق أواصر الأخوة بين البلدان العربية، فالقناة قدمت صوراً مشرقة عن العراق وشعبه تتطلب التريث في الفرز والقرار.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

من بعد آخر، يرى الكاتب والباحث العراقي الدكتور هيثم نعمان الهيتي أنه “مهما كان الموضوع المعروض من القناة، يجب أن يكون في العراق سيادة الدولة وخطوط حمراء لا يمكن أن تتعدى على المؤسسات الإعلامية والدبلوماسية ومنظمات المجتمع المدني، لأن ذلك يعني المساس بسيادة الدولة العراقية وقدرتها على احترام علاقاتها الإقليمية والدولية”.

ويقول الهيتي “بالتالي فإن الإخفاق ليس إخفاقاً إعلامياً من قناة أم بي سي ولا إخفاقاً جماهيرياً، وإنما إخفاق في سيادة القانون وفرض النظام من الدولة العراقية، وإن كان اختلاف في التوجه أو الرؤية السياسية مع ما تعرضه القناة فإن هناك طرق دبلوماسية وقانونية للتعامل مع القناة من خلال التنبيه والإنذار حتى الغلق، حين لا تلتزم بما تقدم”.

ويضيف “حتى في زمن الديكتاتورية السابقة، فإن وزير الإعلام على سبيل المثال قد أنذر جريدة بابل بالإغلاق عندما تحدثت بمواضيع تخالف السياسة الإعلامية للدولة”.

تضحيات جسيمة  

القناة تاريخها معروف، فهي سجلت الكثير جداً من التضحيات وقدمت الضحايا من مختلف البلدان العربية، وتحدت أعتى الديكتاتوريات التي شهدها العالم العربي، وناضلت من أجل شعارها الذي يتصدر واجهتها “الأهم أن تعرف أكثر”، لكن يؤلمها أن ترى ما يحدث من تعسف وإيذاء لمواطني بلدان عربية أثرت أن تعمل بمعيتهم وتمدهم بكل الإمكانيات والخبرات والنفقات كي يقدموا صوراً مشرقة عن أوطانهم دفاعاً عن حرية وكرامة الشعب، الذي تريده أن يعرف أكثر.

نقلاً عن : اندبندنت عربية