أهم حدث في أسواق النفط في عام 2024 لن يتحدث عنه الإعلام الغربي: نجاح قيادة “أوبك+”، متمثلة في جهود وزير الطاقة السعودي الأمير عبدالعزيز بن سلمان آل سعود، في تحقيق أهدافها. فقد قامت المنظمة بتمديد تخفيض “أوبك+” والتخفيضات الطوعية، ثم قامت بتخفيضات طوعية إضافية ثم مددتها لتحقيق هدفين: استقرار السوق من جهة، وتخفيض الذبذبة في الأسعار من جهة أخرى. تمكنت قيادة التحالف من إدارة السوق عن طريق المتابعة المستمرة لأوضاع السوق وإقناع الدول الأعضاء بضرورة الإلتزام بالحصص الإنتاجية، والضغط على الدول المخالفة بضرورة الإلتزام والتعويض عن التجاوزات السابقة. نتج من هذه الجهود استقرار أسواق النفط وانخفاض الذبذبة في الأسعار، كما أنها منعت انهيار أسعار النفط.
ما حدث في 2024 حدث تاريخي يؤكد نتيجة تاريخية: لو نظرنا إلى أسعار النفط خلال الـ 140 سنة الماضية لوجدنا أن استقرار السوق، وانخفاض الذبذبة في الأسعار، وتخفيض التكاليف، ووقف الهدر في الموارد، تم فقط في الفترات التي تمت فيها إدارة السوق. وحصل عكس ذلك تماماً عندما عانت الأسواق من تغيرات كبيرة وذبذبة عالية وارتفاع التكاليف وزيادة الهدر في الفترات التي لم يكن فيها مدير للسوق. لهذا لا بد من إدارة السوق، ونجحت قيادة “أوبك+” بهذه المهمة.
حرية السوق
هناك من يقول بأن أسواق النفط يجب أن تُترك للأسواق، لأن حرية السوق تضمن أفضل النتائج. هؤلاء جهلة في علم الاقتصاد. هناك فرق بين الاقتصاد، وبين اقتصاديات الموارد الطبيعية الناضبة. لهذا نجد في الجامعات تخصصات مختلفة في علم الاقتصاد، أحدها اقتصاديات الموارد الطبيعية لأن مبادئها وأوضاعها تختلف عن اقتصاديات المنتجات الصناعية. وعندما تخفّض دولة ما الإنتاج، فإن النفط يبقى في باطن الأرض ليُستخرج في وقت آخر. أما إذا قررت الشركة تخفيض مبيعاتها من المنتجات الصناعية، فإن هذا لا يعني وقف خطوط الإنتاج فقط، وإنما قد يعني إتلاف المخزون أيضاً.
تأثير “أوبك” و”أوبك+”
هناك من يقول بأن وجود “أوبك” و”أوبك+” زاد من تقلب أسواق النفط وزاد الذبذبة، ويستدلون ببيانات السوق منذ عام 1973 مقارنةً بالفترات السابقة. كما أنهم يقارنون الـ 50 سنة الأخيرة بالفترات القديمة التي سيطرت فيها شركة “ستاندرد أويل” أو “الأخوات السبع” (أكسون، وغلف، وموبيل، وتكساكو، وسوكال، وبريتيش بتروليوم، ورويال داتش شل)، أو “مصلحة سكة حديد تكساس” على أسواق النفط. هذه المقارنة خاطئة ومن ثم أي نتائج لهذه المقارنة خاطئة أيضاً. فشركة “ستنادرد” و”الأخوات السبع” سيطرن على أغلب السوق بنسبة تتجاوز 90 في المئة، بينما لا تتجاوز سيطرة دول “أوبك” الـ 50 في المئة في أحسن أحوالها. كما أن “الأخوات السبع”، مثلاً، سيطرت على أسواق النفط عن طريق التكامل الرأسي والأفقي بحيث سيطروا على الصناعة من الاستكشاف حتى محطة البنزين. هذه ليست حال دول “أوبك” التي تسيطر فقط على جزء من إنتاج النفط الخام، ولا تسيطر على صناعة التكرير، ولا على الشحن، ولا على التوزيع. ولا يمكن مقارنة دول “أوبك” بما فعلته “مصلحة سكة حديد تكساس” التي أدارت إنتاج الشركات الخاصة بقوة السلاح والقانون. إذ اقتحمت قوات الحرس الوطني المدججة بالسلاح حقول النفط المملوكة ملكية خاصة واحتلوها وأجبروا المنتجين على تخفيض الإنتاج، بعدها تم سن قوانين تطلّب تطبيقها سجن المخالفين أو إجبارهم على دفع مخالفات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
نظرة خاطئة
وهناك من يقول إن جهود “أوبك+” فشلت لأن تمديد التخفيضات لم يرفع أسعار النفط. ويستدلون بعدد المرات التي أعلن فيه التحالف تخفيض الإنتاج أو تمديده، ولم ترتفع الأسعار. هذه نظرة خاطئة للسوق، وأكبر إثبات على هذا، هو دليلهم هم: “عدم ارتفاع الأسعار بعد قرارات تخفيض الإنتاج أو تمديده”، هم ينظرون إلى الدليل الغلط! الرد عليهم بسيط جداً: تخفيضات ‘أوبك+’ تجاوزت 5 ملايين برميل يومياً. ماذا سيحصل لأسعار النفط لو تمت إعادتها للسوق؟ الأسعار ستنخفض بشكل مريع، الأسواق ستفقد الاستقرار، والذبذبة ستزيد. وسينتج من ذلك ارتفاع التكاليف وزيادة الهدر، ليس بسبب رخص النفط فقط، وإنما بسبب إفلاس العديد من الشركات أيضاً، بخاصة في الولايات المتحدة.
لو تمت إعادة التخفيضات إلى السوق مرة واحدة فإن أسعار النفط ستنخفض إلى الثلاثينيات. هذا يعطينا الأثر الحقيقي لتخفيضات “أوبك+”: إذا انخفضت الأسعار إلى 30 دولاراً للبرميل والسعر الآن 70 دولاراً، فأثر التخفيضات 40 دولاراً للبرميل. باختصار، دور “أوبك+” في إدارة السوق كبير، وأثرها كبير، وهنا علينا ألا ننسى أن هذا تتطلب جهوداً جبارة من قيادة تحالف “أوبك+”.
الحالة العراقية
الفقرة الأخيرة تقودنا إلى موضوع ذي حساسية بالغة يتعلق بالعراق: هناك عراقيون يطالبون الحكومة العراقية بتجاهل تخفيضات “أوبك+” والتخفيضات التي تلتها من مجموعة الثمانية، وآخرون يطالبون الحكومة العراقية بالانسحاب من “أوبك” و”أوبك+”، ظناً منهم أن هذا سيؤدي إلى زيادة الإنتاج وزيادة الصادرات وبالتالي زيادة الإيرادات. غاب عن هؤلاء أن قيام العراق بزيادة الإنتاج إلى أقصى طاقته الإنتاجية يعني قيام الدول الأخرى بزيادة الإنتاج أيضاً، ومن ثم انهيار أسعار النفط إلى الثلاثينيات. هذا لا يعني انهيار إيرادات العراق فقط، وإنما إفلاس الحكومة العراقية. تصور ماذا سيحصل في العراق إذا انخفضت أسعار النفط من 70 دولاراً إلى 30 دولاراً للبرميل.
أرقام إنتاج وصادرات النفط العراقية التي تنشرها الحكومة العراقية لا تشمل بيانات إنتاج كردستان. وحجة الحكومة العراقية أنها تنشر الأرقام الرسمية فقط وإنتاج كردستان غير رسمي. هناك مشكلتان: الأولى أن اتفاق “أوبك+” لتخفيض الإنتاج يعتمد على بيانات مستقلة من سبع شركات متخصصة، وكلها تعتبر إنتاج كردستان جزءاً من إنتاج العراق. لهذا نجد فروقاً تتجاوز 300 ألف برميل يومياً أحياناً، بين بيانات العراق الرسمية والبيانات التي تنشرها هذه الشركات.
المشكلة الثانية هي أن جزءاً كبيراً من إنتاج كردستان يُباع في الأسواق العراقية ويُستهلك في العراق. هذا يمكّن العراق من زيادة صادراته “الرسمية” بكمية استهلاك النفط القادم من كردستان. هذا يعني أن النفط الكردستاني جزء من البيانات الرسمية على كل الحالات.
خلاصة القول إن استمرار نجاح “أوبك+” ومجموعة الثمانية في تحقيق أهدافها في 2025 يتطلب استمرار العراق بتخفيض الإنتاج، وهذا ينطبق أيضاً على كازاخستان.
نقلاً عن : اندبندنت عربية