يرى الرئيس ترمب أن مستويات الدولار الأميركي حالياً ليست في مصلحة الولايات المتحدة، ومن ثم يجب خفضه في مقابل العملات الأخرى، كما يرغب في زيادة إنتاج وصادرات النفط والغاز بكميات كبيرة، وعلى رغم أن هناك تناسقاً بين الفكرتين كما سأوضح لاحقاً، لكن سياسات ترمب الأخرى، وبخاصة رفع الضرائب الجمركية بصورة كبيرة، تبقي الدولار قوياً، كما أن تدخل ترمب في شؤون البنك المركزي وأسعار الفائدة قد يؤدي إلى تقلبات كبيرة في الأسواق ومن ثم في الاقتصاد الأميركي، وهذا ينعكس سلباً على الطلب على النفط والغاز المسال، وخلال الأيام الأخيرة انخفضت الروبية الهندية في مقابل الدولار إلى أدنى مستوى لها في التاريخ، كما انخفضت عملات أخرى أمام الدولار ومنها اليورو والجنيه الإسترليني والين الياباني واليوان الصيني والدولار الأسترالي.
يسعّر النفط بالدولار الأميركي، وحتى النفط الروسي والإيراني يسعران بالدولار، ومن ثم فإن ارتفاع الدولار يعني ارتفاع الفاتورة النفطية للدول المستوردة التي انخفضت عملتها في مقابل الدولار، وإذا قررت بعض الدول في هذه الحال إبقاء الفاتورة النفطية على حالها فإن هذا يعني بالضرورة خفض طلبها على النفط، وبعبارة أخرى فإن ارتفاع الدولار يعني ارتفاع أسعار المنتجات النفطية في الدول المستوردة التي انخفضت عملتها حتى لو بقيت أسعار النفط على حالها، كما أن ارتفاع الدولار يرفع أسعار السلع المستوردة الأخرى، ومن ثم فإن كمية الأموال المتاحة لشراء الواردات تقل، وهذا بدوره يؤثر أيضاً في الطلب على النفط.
إن ارتفاع الدولار بهذه الصورة في مقابل العملات الأخرى ليس في مصلحة صناعة النفط الأميركية ولا دول “أوبك+”، بما فيها دول الخليج، فترمب يريد خفض قيمة الدولار الأميركي بهدف تشجيع الصادرات الأميركية، بما في ذلك النفط والغاز، لأن ذلك يعني انخفاض كلفتهما في الدول الأخرى، والمشكلة أن الوضع الحالي وسياسات ترمب قد تبقي الدولار قوياً، وهذا لن يسمح بتحقيق الأهداف الأخرى، وبخاصة زيادة صادرات النفط والغاز المسال، فبيانات سوق العمل الأخيرة تشير إلى ارتفاع مستويات التضخم وهذا يتطلب من البنك المركزي التوقف عن خفض أسعار الفائدة وربما رفعها، مما يدعم قيمة الدولار.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كما إن رفع التعرفة الجمركية على الواردات من الدول الأخرى يعني انخفاض صادرات هذه الدول وانخفاض معدلات النمو الاقتصادي فيها، ومن ثم انخفاض عملاتها في قابل الدولار، وينتج من ذلك انخفاض طلبها على النفط والغاز، والمشكلتان اللتان يخاف منهما الجميع وستؤديان إلى زيادة الذبذبة في الأسواق، بما في ذلك أسواق النفط والغاز، هما الخلاف المتوقع بين ترمب وقيادة البنك المركزي، إذ يرغب ترمب في خفض أسعار الفائدة وتغيير القانون ليمكنه من التأثير في قرارات البنك، وقيام الدول الأخرى بفرض ضرائب جمركية انتقامية ضد الولايات المتحدة، وبعبارة أخرى ستكون هناك حربان إحداهما داخلية في الولايات المتحدة بين إدارة ترمب والبنك المركزي، وبين الولايات المتحدة وحلفائها التجاريين من جهة أخرى، والنتيجة الحتمية هي ركود اقتصادي عالمي وانخفاض في الطلب العالمي على النفط والغاز المسال.
ارتفع إنتاج النفط والغاز المسال إلى أعلى مستوى له تاريخياً عام 2024، ويرى ترمب ومستشاروه أنهم يستطيعون زيادة الإنتاج فوق المستوى الحالي بـ 3 ملايين برميل يومياً، ورقم 3 ملايين برميل يومياً جاء من الزيادة التي حصلت خلال الفترة الرئاسية الأولى، ولهذا يعتقدون أنهم يستطيعون تكرار ذلك، ومشكلة ترمب أنهم لا يستطيعون زيادة الإنتاج بصورة كبيرة على كل الحالات، وقد جرت مناقشة الأسباب في مقالة سابقة وأختصرها هنا بثلاثة أمور، أولها أن ارتفاع أسعار الفائدة بصورة كبيرة مقارنة بما كانت عليه خلال فترة ترمب الأولى، ولذلك فأسعار الفائدة الحالية لا تشجع على الاقتراض لزيادة عمليات الحفر وزيادة الإنتاج، وثانيها أن فترة ترمب الأولى بدأت بعد انهيار أسواق النفط خلال عامي 2015 و2016 وانخفاض إنتاج النفط الأميركي بنحو مليون برميل يومياً، ومن ثم فإن ثلث الزيادة خلال الفترة الرئاسية الأولى كان انتعاشاً وليس زيادة في الإنتاج، وثالثاً تغير هيكل صناعة النفط الصخري من عدد كبير من الشركات الصغيرة والمتوسطة التي هدفت إلى بيع نفسها للشركات الأكبر من طريق زيادة عمليات الحفر لزيادة الاحتياطات والإنتاج لتعظيم قيمة الشركات، والآن تسيطر شركات النفط العالمية مثل “إكسون موبيل” و”شيفرون” على الصناعة ومن ثم ستكون عمليات الحفر أقل، ولن يزيد الإنتاج كما زاد في الماضي.
وأما بخصوص الدولار فبقاؤه مرتفعاً يعني أن الطلب العالمي على النفط لن ينمو بصورة كبيرة، وإدراك شركات النفط هذه الحقيقة يعني انخفاض أنشطة الحفر ومن ثم عدم ارتفاع الإنتاج كما يريد ترمب، كما أن الحروب التجارية ستحد من نمو الاقتصاد الصيني، ولذلك فإن الزيادة في الطلب على النفط ستكون محدودة، ونتيجة لهذه العوامل فلن تقوم الشركات الأميركية بزيادة الإنتاج، وباختصار فترمب لن يستطيع تحقيق هدفيه بإضعاف الدولار وزيادة إنتاج النفط والغاز المسال.
نقلاً عن : اندبندنت عربية