خلافاً لما يزعمه الكثيرون، هناك أدلة قوية تشير إلى أن الزيادة التي حصلت في إنتاج النفط الصخري الأميركي في فترة الرئيس دونالد ترمب الأولى، بخاصة بين عامي 2017 و 2019، لن تتكرر. لا يستطيع الرئيس ترمب زيادة إنتاج النفط الأميركي كما يعتقد هو وأنصاره. عام 2024 ليس عام 2016 وفترة 2025-2028 ليست مثل فترة 2017-2020.
فقد انهارت أسعار النفط في عام 2015 ولم تستطع الأسواق الانتعاش في عام 2016، وكانت حملة ترمب الانتخابية في هذين العامين. خلال تلك الفترة انخفض إنتاج النفط الأميركي بأكثر من مليون برميل يومياً بين أبريل (نيسان) 2015 وسبتمبر (أيلول) 2016. وأفلست العديد من الشركات، بخاصة شركات الغاز الطبيعي. وتكبدت شركات أخرى خسائر فادحة. عندها نظرت الشركات إلى ترمب لإنقاذها بطريقة أو بأخرى. كان الحديث عن تعافي الإنتاج وزيادة الأنشطة هو ما أرادت الصناعة سماعه من ترمب آنذاك، وهذا ما فعله ليرضي الناخبين، ويبدو أنه ما زال يتذكر ذلك، لهذا يكرر الآن ما قاله في السابق.
لكن الوضع الآن مختلف، حيث أن فوز ترمب للمرة الثانية جاء بعد زيادة الإنتاج حيث ارتفع إنتاج النفط والغاز الطبيعي والغاز الطبيعي المسال إلى مستويات قياسية وحققت شركات النفط أرباحاً قياسية.
ارتفاع أسعار النفط
يتفق الخبراء على أن ارتفاع أسعار النفط بين عامي 2010 و 2014 أسهم في تفجير ثورة الصخري، ويتفق أيضاً على أن أسعار الفائدة القريبة من الصفر ساعدت هذه الثورة بشكل كبير. مع مجيء ترمب في بداية 2017 ارتفعت أسعار الفائدة قليلاً، ولكنها بقيت منخفضة. الوضع الحالي مختلف تماماً حيث أن أسعار الفائدة الآن أكثر من ضعف ما وصلت إليه خلال ولاية ترمب الأولى. إذاً المشكلة هنا هي أن تكاليف التمويل عالية مقارنةً بالماضي ولا يمكن تكرار زيادة أنشطة الحفر والإنتاج التي حصلت في فترة ترمب الأولى. إلا أن الوضع أسوأ لأن العديد من الصناديق الاستثمارية والبنوك سحبت استثماراتها من صناعة النفط والغاز بحجة التغير المناخي في السنوات الثلاث الأخيرة، ومن ثم فإن كمية الاستثمارات المتاحة للصناعة الآن أقل من قبل بكثير، وهذا يسهم أيضاً في رفع تكاليف رأس المال من جهة، ووجود شروط أصعب للتمويل.
المشكلة الكبرى هي أن ارتفاع إنتاج النفط الصخري إلى مستويات قياسية يعني أن الاستثمارات اللازمة للتعويض عن معدلات النضوب وإبقاء مستوى الإنتاج على ما هو عليه هي الأكبر في التاريخ أيضاً. فمن المعروف أن معدلات نضوب الآبار في أحواض الصخري عالية، وكلما زاد الإنتاج تطلب الأمر إنتاجاً أكبر لإبقاء الإنتاج على ما هو عليه، وزيادة الإنتاج تتطلب كميات أكبر من ذلك. وتشير البيانات إلى أن الكمية اللازمة لإبقاء الإنتاج كما هو في عام 2025 أكبر من ضعف الكمية في عام 2017 أثناء فترة ترمب الأولى.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
اختلاف عدد الشركات ونوعيتها
عندما كان ترمب يترشح للرئاسة في عامي 2015 و 2016، كانت صناعة النفط مهيمَناً عليها من قبل العديد من المستقلين والشركات متوسطة الحجم. هذه ليست هي الحال الآن. بعد موجة كبيرة من عمليات الدمج والاستحواذ في عامي 2022 و 2023، تهيمن شركات النفط الكبرى مثل “إكسون موبيل” و”شيفرون” على الصناعة الآن.
ويتفق الخبراء على أن الهدف والأفق الزمني للشركات المستقلة يختلفان عن الهدف والأفق الزمني لشركات النفط الكبرى. فالشركات المستقلة كانت تهدف إلى حفر مزيد من الآبار كي تستطيع تكبير احتياطياتها وزيادة إنتاجها بهدف بيع الشركة إلى شركات أكبر. ومن ثم فإن هدف زيادة الإنتاج وقتها خلال فترة قصيرة أسهم في زيادة إنتاج الولايات المتحدة بشكل كبير. وهذه ليست هي الحال مع شركات النفط الكبرى التي تنظر إلى الاحتياطيات من وجهة نظر طويلة الأجل. فهي لا تملك حافزاً لزيادة الحفر والاحتياطيات والإنتاج لأنها لا تنوي بيع نفسها أو أصولها مثل الشركات المستقلة الصغيرة. ووجهة نظرها هي العكس تماماً: زيادة الإنتاج من دون نمو الطلب من شأنه أن يؤدي إلى انخفاض الأسعار والإيرادات والأرباح.
وتشير البيانات الحكومية الفيدرالية إلى أن عدد شركات النفط والغاز في الولايات المتحدة انخفض بمقدار الثلث تقريباً بسبب عمليات إفلاس من جهة، والشراء والاندماج من جهة أخرى. فقد انخفض عدد الشركات من نحو 9000 شركة في عام 2017 إلى نحو 6000 شركة حالياً، ونتج من ذلك سيطرة عمالقة النفط على أحواض الصخري.
كما أن عدد العمال والمهندسين والموظفين انخفض بأكثر من 20 ألف شخص منذ عام 2017. وهنا يأتي السؤال: على رغم زيادة الكفاءة في استخدام رأس المال والتقدم التقني، هل تستطيع الصناعة أن تتوسع الآن مثلما توسعت في عامي 2027 و 2018 بعدد موظفين أقل؟
وأصبحت صناعة النفط الصخري أكثر تركيزاً في عدد محدود من كبار شركات النفط العالمية التي هدفها تخفيض التكاليف وزيادة العائدات. وما تبقى من شركات صغيرة مستقلة لا يستطيع التوسع في ظل أسعار فائدة عالية واستثمارات أقل.
إلا أن المشكلات أعقد مما ذكر بسبب نوعية النفط الصخري. لماذا تصدر الولايات المتحدة النفط؟ لأن المصافي الأميركية لا تريده. لماذا لا تريده مصافي النفط الأميركية؟ لأنه خفيف حلو، بينما تقوم هذه المصافي باستيراد ما بين 5 إلى 6 ملايين برميل يومياً من النفط المتوسط والثقيل الحامض. فإذا استمر النفط الصخري بالنمو، فإن كل الزيادة ستصدر، وما حصل في الولايات المتحدة من إشباع للمصافي بالنفط الخفيف سيحصل في دول أخرى، ومن ثم فإن مشكلة الصخري التي لا يفهمها الرئيس ترمب ومستشاروه تتعلق بالطلب على النفط، وليس إمكانية إنتاجه، ومن ثم فإن شعار “احفر يا عزيزي احفر” هو شعار خاطئ. وإذا استمر تبني السيارات الكهربائية فإن هذا سيخفض الطلب على البنزين، وأغلب ما يتم إنتاجه من النفط الصخري هو البنزين، وبالتالي فإن مشكلة الطلب هي المشكلة الكبيرة التي تواجه آمال ترمب.
نقلاً عن : اندبندنت عربية