مفوضة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كايا كالاس تؤيد انتقادات الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترمب في شأن ضعف الإنفاق الدفاعي لدول التكتل والحاجة إلى زيادته بأكثر مما تنص عليه لوائح حلف شمال الأطلسي حتى، وتلفت إلى الفارق الكبير بين مخصصات التسلح للروس ونظيرتها في الاتحاد كتكتل أو في الدول الأعضاء منفردة.

وتٌعدّ دعوات وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي، أحدث تحذيرات مقلقة في شأن الدفاع صدرت عن مسؤولين في التكتل بعد الهجوم الروسي على أوكرانيا عام 2022، وقد جاءت تصريحات كالاس أمام المؤتمر السنوي لوكالة الدفاع الأوروبية في بروكسل، حيث أكدت أن “تقارير وكالات الاستخبارات الوطنية تفيد بأن روسيا يمكن أن تختبر جاهزية الاتحاد الأوروبي للدفاع عن نفسه في غضون ثلاثة إلى خمسة أعوام”.

ويهدد ترمب دول الاتحاد الأوروبي بمنع الحماية الأميركية عنها في حال عدم مضاعفة الإنفاق الدفاعي ضمن “الناتو”، أي إن الزيادة التي نفذتها دول التكتل بعد هجوم روسيا على أوكرانيا ليست كافية من وجهة نظر الإدارة الجديدة للبيت الأبيض، وهي حقيقة يقرها السياسيون في الاتحاد ويعترفون بضرورة القيام بكثير لمجاراة الإنتاج العسكري الروسي الهائل.

بحسب كالاس، تستطيع روسيا إنتاج أسلحة وذخائر خلال ثلاثة أشهر أكثر مما تستطيع دول التكتل الـ27 مجتمعة إنتاجه خلال 12 شهراً، بالتالي على مدى العقد المقبل، سيحتاج الاتحاد الأوروبي إلى ما لا يقل عن 500 مليار يورو للبقاء قادراً على المنافسة في مجال الدفاع، في حين خصص نحو 13 مليار يورو فقط لهذا المجال في موازنته من عام 2021 إلى عام 2027، تمثل 1.2 في المئة من إجمالي ناتجه.

وعام 2024 أنفقت دول الاتحاد الأوروبي مجتمعة نحو 1.9 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع مقابل تسعة في المئة صرفتها روسيا للغرض ذاته، وهذا بحسب كالاس لا يجدي لمواجهة “تهديد وجودي” لأمن التكتل اليوم وغداً.

وترى كالاس أن “أمن أوكرانيا بمواجهة روسيا هو أمن الأوروبيين جميعاً”، لذا تتوقع من قادة الاتحاد الأوروبي ليس تعزيز الإنفاق العسكري فحسب، بل أيضاً توظيف الأصول الروسية في القارة والمقدرة قيمتها بأكثر من 200 مليار دولار أميركي لدعم الترسانة العسكرية الأوروبية، لكن دول التكتل ترفض التصرف في تلك الأصول وتفضل استغلال عوائدها فقط، لذلك قدمت أخيراً 50 مليار دولار منها إلى كييف على شكل قرض.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أولوية أوروبا، برأي كالاس، ينبغي أن تكون “مساعدة كييف في التصدي لموسكو بينما تقترب الحرب بينهما من عامها الثالث”، فهي واثقة من قدرة القوات الأوكرانية على هزيمة الروس إذا حصلت على الدعم، فبوتين وفق وصفها “لا يفهم إلا لغة القوة، وخطط ترمب للسلام معه من خلال الضغط على أوكرانيا لتقديم التنازلات، تنطوي على مؤشرات ضعف سيلتقطها ويستغلها الخصم الأكبر للولايات المتحدة وهو الصين”. 

رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك الذي تنفق بلاده نسبياً أكثر على الدفاع من أي بلد آخر في “الناتو”، يضم صوته إلى مفوضة السياسة الخارجية الأوروبية الجديدة، ويحض دول الاتحاد على أخذ دعوات ترمب إلى زيادة الإنفاق العسكري من اثنين إلى خمسة في المئة من الناتج الإجمالي على محمل الجد، وقال توسك الذي تولت بلاده الرئاسة الدورية للتكتل هذا الشهر إنه “في هذا التوقيت لا يمكن لأوروبا التوفير في مجال الأمن”.

كذلك من المقرر أن تعرض كالاس ومفوض الشؤون الدفاعية في الاتحاد الأوروبي أندريوس كوبيليوس على قادة التكتل مقترحات جديدة لتعزيز القطاع في مارس (آذار) المقبل، ويقول كوبيليوس إن “سحب عاصفة الحرب تتشكل فوق أوروبا، ويمكن للتكتل الإنفاق والإنتاج أكثر من روسيا للتفوق عليها من ناحية السلاح”.

خصومة مستمرة

كالاس التي وصلت إلى المنصب مطلع ديسمبر (كانون الأول) عام 2024 خلفاً لجوزيب بوريل، لا تنتمي إلى اليمين المتطرف في القارة العجوز لكنها متشددة جداً إزاء العداء للروس وكثيراً ما تبنت مواقف معادية لموسكو منذ أن كانت رئيسة وزراء إستونيا بين يناير (كانون الثاني) 2021 ويوليو (تموز) 2024، مما دفع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى وضعها على قائمة المطلوبين جنائياً لبلاده بتهمة القيام بـ”أعمال عدائية” ضد موسكو.

وفي يونيو (حزيران) 2021، أي بعد خمسة أشهر فقط من توليها منصب رئيسة وزراء إستونيا، وقفت كالاس في وجه أقوى زعيم في القارة العجوز حينها، فبينما كانت وسائل الإعلام تحذر من حشد روسيا لقواتها على حدود أوكرانيا، أرادت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل دعوة بوتين إلى حضور القمة الأوروبية المقبلة في بروكسل، إلا أن كالاس رفضت وقالت أمام زعماء الاتحاد إن “الرئيس الروسي لا يمكن الوثوق به ولا ينبغي قبوله أو استرضاؤه”.

ولم تتمكن ميركل من تنفيذ خطتها وعندما غادرت القاعة، وقف ماكرون في حال من الذهول أمام ما وصف حينها بإذلال زعيم جديد من دولة صغيرة في الاتحاد للمستشارة ميركل، وقال أحد الدبلوماسيين المطلعين على الواقعة إن الرئيس الفرنسي التفت إلى كالاس وسألها “هل ستظلين رئيسة للوزراء غداً؟، في إشارة إلى رد فعل عنيف كان يتوقعه من ألمانيا.

خرجت ميركل من المشهد وظلت الدبلوماسية الإستونية التي لا يبدو أنها تمانع أبداً القيام بأدوار غير دبلوماسية ضد روسيا، أما ماكرون فموقفه ما زال ثابتاً على حاله ويتمثل في ضرورة اعتماد الأوروبيين على أنفسهم عسكرياً، بدلاً من العيش تحت رحمة الحليف الأميركي الذي “يمكن أن ينقل قواته وعتاده البري والبحري والجوي من قارة أوروبا إلى أي منطقة في العالم بأي لحظة تقتضي مصالحه فعل ذلك”، بالتالي يرى الرئيس الفرنسي أن أموال دافعي الضرائب الأوروبيين يجب استثمارها في تصنيع الأسلحة محلياً وليس فقط في شراء معدات أميركية”.

 

التحالف مع بريطانيا  

بعيداً من الولايات المتحدة، تتفق كالاس مع ماكرون على ضرورة تعزيز الاتحاد الأوروبي لعلاقاته الأمنية مع بريطانيا، وهي ترى أن هذه العلاقات مفيدة للطرفين ولا بد من إبرام اتفاق واضح بينهما في هذا الشأن، واصفة لندن بأنها “شريك رئيس” في مواجهة التهديد الروسي.

مبدئياً، سيناقش قادة التكتل سبل تطوير الدفاعات الأوروبية مع رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر والأمين العام لــ”الناتو” مارك روته الشهر المقبل في بروكسل، وقد استبقت لندن أي تعاون مرتقب مع الاتحاد الأوروبي في هذا الشأن بتوقيع “اتفاقية دفاعية” مع كييف قبل أيام تمتد لمئة عام وتشمل جوانب مختلفة.

وثمة فرصة لتوقيع بريطانيا اتفاقات مشابهة لتلك التي أبرمتها مع أوكرانيا مع دول عدة في الاتحاد الأوروبي، ولكن التكتل يفضل معاهدة واحدة تجمع المملكة المتحدة والاتحاد ككل، مما كان حتى الأمس يقتضي بحث جوانب أوسع من الدفاع ين لندن وبروكسل، ولكن مع وصول ترمب إلى البيت الأبيض ربما يخفف الطرفان من شروطهما.   

رئيس الوزراء الأشهر في تاريخ بريطانيا ونستون تشرتشل قال يوماً لشارل ديغول رئيس فرنسا بين 1940 و1944 إنه “عندما تضطر بلاده إلى الاختيار بين أوروبا والبحار المفتوحة، فستكون دائماً مع البحار المفتوحة”، لكن أميركا- ترمب تفضل العزلة وتركز على المنافسة الشاملة مع الصين، كما تفضل الحمائية على التجارة الحرة، لذلك تبدو الشراكة مع الاتحاد الأوروبي اليوم أكثر طبيعية بالنسبة إلى المملكة المتحدة، كما يقول المستشار الخاص للمجلس  الأوروبي للعلاقات الخارجية أناند ساندر.

نقلاً عن : اندبندنت عربية