بعد أسبوع من مشادته مع نظيره الأميركي دونالد ترمب في واشنطن، شكر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الأوروبيين اليوم الخميس في بروكسل على دعمهم كييف في وقت تقوض الولايات المتحدة التحالف عبر الأطلسي وتجمد مساعداتها العسكرية لبلاده.
وقال مع انطلاق قمة استثنائية جمعت زعماء الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، “نحن ممتنون للغاية لأننا لسنا وحدنا. هذه ليست مجرد كلمات. نحن نشعر بذلك”.
وفي تناقض واضح مع صورته موبخاً إلى جانب الرئيس الأميركي في البيت الأبيض، ظهر زيلينسكي في بروكسل محاطاً برئيس المجلس الأوروبي أنطونيو كوستا ورئيسة المفوضية أورسولا فون دير لاين اللذين أكدا تصميمهما على دعم كييف.
وقالت فون دير لاين خلال افتتاح القمة “تواجه أوروبا خطراً واضحاً وقائماً، بالتالي يتعين عليها أن تكون قادرة على الدفاع عن نفسها، كما علينا أن نمنح أوكرانيا الوسائل اللازمة لحماية نفسها والعمل من أجل سلام عادل ودائم”.
وحذر المستشار الألماني أولاف شولتز من “سلام مفروض” على أوكرانيا، فيما يثير تقارب واشنطن مع موسكو مخاوف من فرض تسوية غير مواتية على كييف.
وفي تحول لم يكن من الممكن تصوره لعقود، قررت ألمانيا استثمار مبالغ طائلة في قدراتها العسكرية ودعت من أجل ذلك إلى إصلاح قواعد الموازنة الأوروبية المتشددة، مما فاجأ كثيراً من الدبلوماسيين الأوروبيين بعدما كانت برلين تتمسك حتى الآن بنهج مالي صارم في شأن العجز.
خطة أوروبية لـ”إعادة التسلح”
وفي سياق التقلبات الجذرية التي طرأت على الوضع الجيوسياسي جراء مواقف ترمب كشفت المفوضية الأوروبية عن خطة لـ”إعادة تسليح أوروبا” تقضي برصد نحو 800 مليار يورو (863.64 مليار دولار).
وفي هذا السبيل يجري بحث السماح للدول الأعضاء بزيادة إنفاقها العسكري من دون إدراجه ضمن العجز في موازناتها، وقالت فون دير لاين إن هذه خطوة كبيرة إلى الأمام لكنها ضرورية في وقت غير عادي”.
وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في خطاب متلفز إلى الفرنسيين أمس الأربعاء، “أريد أن أصدق أن الولايات المتحدة ستبقى إلى جانبنا، لكن علينا أن نكون مستعدين إذا لم يكن الأمر كذلك”.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتعهد التكتل تقديم نحو 30 مليار يورو (32.39 مليار دولار) إلى أوكرانيا خلال عام 2025 ولا ترى دول عدة ضرورة لزيادة هذا المبلغ في الوقت الحاضر.
وأعلنت واشنطن الإثنين الماضي تجميد مساعدتها العسكرية لأوكرانيا وسط تقارب مع الكرملين منذ المكالمة الهاتفية التي أجراها ترمب مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين في الـ12 من فبراير (شباط) الماضي.
وبعدما قامت كييف بكثير من مبادرات التهدئة حيال الولايات المتحدة إثر المشادة الكلامية بين زيلينسكي وترمب الأسبوع الماضي في المكتب البيضاوي حين هدد الرئيس الأميركي بـ”التخلي” عن أوكرانيا، أعلنت أمس العمل على مفاوضات جديدة مع الأميركيين.
مسألة حفظ السلام
وكان زيلينسكي عرض أول من أمس الثلاثاء هدنة مع روسيا في الجو والبحر لبدء مفاوضات حول “سلام دائم” بـ”قيادة” ترمب، كما أبدى استعداده لتوقيع اتفاق إطاري مع الولايات المتحدة حول استغلال الموارد المعدنية الأوكرانية، مما يطالب به الرئيس الأميركي.
ويطالب زيلينسكي حلفاءه الغربيين بضمانات أمنية متينة في إطار مفاوضات محتملة للتثبت من عدم تعرض بلاده لهجوم روسي جديد في المستقبل.
وأعربت أنقرة عن استعدادها لإرسال قوات الى أوكرانيا ضمن مهمات حفظ السلام إذا لزم الأمر، بحسب ما أفاد مصدر في وزارة الدفاع التركية اليوم.
وأكد مسؤول بريطاني أن لندن تجري محادثات مع نحو 20 دولة “مهتمة” بالإسهام في إحلال السلام بأوكرانيا.
وقال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف من جهته إن موسكو لا ترى “أي مجال للتسوية” حول مسألة نشر قوات أوروبية لحفظ السلام في أوكرانيا.
وأكد ماكرون أن موسكو “حولت النزاع الأوكراني إلى نزاع عالمي”، مشدداً على أن “الوقوف متفرجين سيكون من الجنون”.
لكن ليس هناك إجماع على سبل التحرك، وفي هذا السياق حذر رئيس الوزراء المجري القومي فيكتور أوربان المؤيد لترمب من أية مقررات خطية حول أوكرانيا مع نهاية القمة، في موقف يهدد بالكشف عن الانقسامات بين الأوروبيين في العلن.
وقال دبلوماسي أوروبي ملخصاً الوضع “الهدف إزاء أوكرانيا هو التوصل إلى اتفاق بين الأعضاء الـ27 جميعهم أو ما يقارب ذلك”، مؤكداً “سنتقدم في مطلق الأحوال. المهم أن تحصل أوكرانيا على دعم”.
معلومات الاستخبارات الفرنسية
وقال وزير الدفاع الفرنسي سيباستيان لوكورنو اليوم إن معلومات الاستخبارات التي تقدمها بلاده إلى أوكرانيا لم تتأثر بتعليق الولايات المتحدة توفير تلك المعلومات لكييف، لكنه حذر من أن وقف واشنطن مساعداتها العسكرية سيضر بعمليات أوكرانيا لصد الهجوم الروسي.
واتخذت الولايات المتحدة القرار في إطار جهود للضغط على زيلينسكي للتعاون مع ترمب في مساعيه لعقد محادثات سلام مع روسيا التي بدأت حرباً على أوكرانيا في فبراير (شباط) عام 2022.
وقال لوكورنو لإذاعة “فرانس أنتر” إن وقف الولايات المتحدة للمساعدات العسكرية وتقديم المعلومات الاستخباراتية لأوكرانيا سيكون لهما “تأثير كبير في العمليات”.
وأشار إلى أن فرنسا لديها مصادرها الخاصة لمعلومات الاستخبارات التي تقدمها لكييف ولا تعتمد على واشنطن.
وأضاف لدى سؤاله عما إذا كان بمقدور أوروبا أن تعوض ما سينقص بسبب وقف المعلومات الأميركية، “أعتقد بأن الأمر أكثر تعقيداً بالنسبة إلى أصدقائنا البريطانيين الذين يعملون ضمن منظومة استخبارات مع الولايات المتحدة”، في إشارة إلى مجموعة “فايف آيز” أو “العيون الخمس” التي تضم دولاً متحدثة بالإنجليزية وتشمل أيضاً كندا وأستراليا ونيوزيلندا.
وقال “لدينا مصادر سيادية للاستخبارات وقدراتنا الخاصة ولدينا موارد نستفيد منها في مساعدة الأوكرانيين”.
وأحجم متحدث عسكري فرنسي عن الإفصاح عن الطبيعة المحددة لمعلومات الاستخبارات التي تقدمها باريس إلى كييف وعلل ذلك بحساسية تلك المعلومات.
تحالف الراغبين بدعم أوكرانيا
وأجرى مسؤولون بريطانيون محادثات مع حوالى 20 دولة مهتمة بالانضمام إلى “تحالف الراغبين” لدعم أوكرانيا خلال وقف لإطلاق النار، حسبما أعلن مسؤول بريطاني اليوم الخميس.
وأضاف المسؤول أن الاجتماع ضم “في غالبيته شركاء أوروبيين ومن الكومنولث” وانعقد الأربعاء، رافضاً تحديد الدول التي شاركت فيه.
وأوضح أن النقاشات في شأن كيفية إسهام الدول لا تزال في “المراحل المبكرة”. وقال إن الوضع المتعلق بالجهود لإنهاء الحرب “غير واضحة المعالم إلى حد كبير”.
وقال المسؤول طالباً عدم الكشف عن هويته، “بالطبع، نرحب بالمشاركة المتزايدة التي نتلقاها من هؤلاء الشركاء الأوروبيين وشركاء الكومنولث. إنها مشاركة إيجابية، لكنها في بداياتها”.
وتقود بريطانيا وفرنسا جهوداً لتشكيل مجموعة تضم الدول المستعدة للمساعدة في إرساء وقف إطلاق النار في حال التوصل إلى اتفاق لإنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا.
وأعلن رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون استعدادهما لنشر قوات في أوكرانيا لضمان الحفاظ على وقف إطلاق نار محتمل، بدعم من الولايات المتحدة. ولم يوضحا الدور المحدد لهذه القوات.
وأشارت تركيا الخميس إلى استعدادها للمشاركة في جهود لحفظ السلام، بينما قال رئيس الوزراء الإيرلندي مايكل مارتن إن القوات الإيرلندية قد تشارك في حفظ السلام، ولكن لن يتم نشرها في أي “قوة ردع”.
وشددت روسيا على أنها لن تقبل بوجود قوات أوروبية في أوكرانيا.
ووسط شكوك في التزام الولايات المتحدة الطويل الأمد بأمن أوروبا في عهد الرئيس دونالد ترمب، تسارع الدول الغربية إلى زيادة إنفاقها الدفاعي والحفاظ على جبهة موحدة.
وأكد ستارمر الذي يحاول أن يكون جسراً بين أوروبا والولايات المتحدة، لمحطة “سكاي نيوز” الخميس، أنه يعمل على “تطابق مواقف الولايات المتحدة وأوكرانيا والحلفاء الأوروبيين”.
وقال خلال زيارة مرتبطة بالدفاع في شمال غرب إنجلترا “إن القدرة على العمل مع الولايات المتحدة وشركائنا الأوروبيين هي التي حافظت على السلام لمدة 80 عاماً حتى الآن”.
السلام الذي تختاره روسيا
وقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اليوم الخميس، إن موسكو يجب أن تختار سلاماً في أوكرانيا يضمن أمن روسيا على المدى الطويل وتنميتها المستدامة.
وأضاف بوتين لنساء فقدن أقارب لهن في الحرب، “يتعين علينا أن نختار لأنفسنا خيار السلام الذي يناسبنا، والذي سيضمن السلام لبلدنا على المدى الطويل”.
وعندما سألته والدة أحد الجنود القتلى عما إذا كانت روسيا ستتراجع، قال بوتين إن روسيا لا تنوي فعل ذلك.
نقلاً عن : اندبندنت عربية