في دورة مهرجان “كان” السينمائي لهذا العام، التي أقيمت في الفترة من 13 إلى 24 مايو 2025، حمل فيلمان لمخرجتين شابتين آمالاً كبيرة، هما فيلم “ألفا” للمخرجة جوليا دوكورنو، و”الصغيرة الأخيرة” للمخرجة حفصية حرزي، إلا أن التوقعات العالية سرعان ما تبخرت، حيث لم يرقَ أي منهما إلى المستوى المنتظر.

جوليا دوكورنو، التي سبق وأن حصدت “السعفة الذهبية” عن فيلمها “تيتان” عام 2021، عادت إلى المنافسة بفيلم “ألفا”، الذي بدا كتكرار لنمطها الإخراجي المعتاد، حيث يركز على رعب الجسد واضطرابات النفس والوجودية، لكن هذه المرة تحول أسلوبها إلى ما يشبه التكرار الممل، مع استنزاف مفرط للأدوات الفنية التي فقدت فعاليتها بسبب الإفراط في استخدامها.

تدور أحداث “ألفا” في مدينة غامضة غير محددة المكان أو الزمان، تتعرض لتهديد مزدوج من فيروس يحول المصابين إلى حجارة وعاصفة رملية مدمرة. تتبع القصة طبيبة وابنتها المراهقة في علاقة متوترة، مع وجود شقيق الأم المدمن الذي يزيد من حالة القلق، لكن دون أن يضيف عمقاً درامياً، ليغرق الفيلم في دراما عائلية ضعيفة لا تضيف جديداً.

حاولت دوكورنو دمج عناصر من سينما الكوارث، دراما المراهقة، رعب العدوى، وصدمات الأجيال، لكن النتيجة كانت خليطاً غير متناغم، مع مشاهد تُصمم لتكون “لحظات عظيمة” لكنها تنهار بسبب الإخراج الرمزي المتكلف، ما أفقد الفيلم بعده الإنساني لصالح استعراض بصري متعب. وتحول الجسد، الذي كان محور أفلامها السابقة، إلى مجرد أداة درامية مكررة، وشخصيات الفيلم تفتقر إلى الجاذبية، وسط سرد درامي مستنزف لا يثير تعاطف المشاهد.

أما فيلم “الصغيرة الأخيرة” لحفصية حرزي، الممثلة والمخرجة الفرنسية التونسية، فقد شارك هذا العام في المسابقة الرسمية، لكنه يعتبر من أضعف الأعمال المشاركة. يحكي الفيلم قصة “فاطمة”، فتاة مراهقة من ضواحي باريس تنتمي إلى مجتمع عربي إسلامي تقليدي، تكافح بين قيم عائلتها الدينية وهويتها الجنسية المختلفة، حيث تشعر بانجذاب إلى الفتيات، ما يثير صراعاً داخلياً حاداً بين ثقافتها ومشاعرها الشخصية.

يحاول الفيلم طرح قضايا مهمة متعلقة بالهوية والحرية والتمكين، لكنه يفتقد إلى الحكي المتماسك، إذ تطغى على سردية الفيلم محاولات استفزازية للصدمة على حساب القصة، مما يؤدي إلى انعدام التوازن بين الطرح الفني والرسالة الاجتماعية.

الفيلم مبني على رواية تحمل نفس العنوان للكاتبة الفرنسية الجزائرية فاطمة داس، وهو يعكس تجربة شخصية، فيما تعكس طريقة سرد حرزي تأثرها بالمخرج عبداللطيف كشيش، الذي ساعد في انطلاق مسيرتها، لكن هذا التأثير ما زال يطغى على أسلوبها، فلا تتمكن من تشكيل رؤيتها الخاصة بالكامل.

على الصعيد الدرامي، يخضع الفيلم لمسار تقليدي يبدأ بإدراك فاطمة لذاتها ثم مواجهة التناقضات بين الموروث الديني ورغباتها الشخصية، مع محطات نمطية مثل شعور الذنب وتجربة الحب الأولى، التي تنتهي بالفشل، مما يغرق الفيلم في clichés رغم محاولات المخرجة لتفاديها.

ومع كل هذه السلبيات، يبقى أداء ناديا مليتي في دور فاطمة نقطة القوة الرئيسية، حيث تمنح الشخصية حياة وشخصية واضحة على الشاشة، ما يجعل المشاهدين يستمرون في متابعة الفيلم حتى النهاية.