من الضروري أن ندرك أن الأضحية في الإسلام ليست فرضًا، بل هي سنة مؤكدة لمن استطاع إليها سبيلًا، فقد قال الله تعالى: “لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ” [الحج: 37]، فالمقصود من الأضحية ليس مجرد الذبح، بل التعبد لله والتقرب إليه، وهو أمر لا يتحقق بإرهاق النفس بالديون أو بيع أثاث المنزل أو التضحية بما هو ضروري للحياة اليومية من أجل شراء الأضحية.

لكن في المجتمعات الإسلامية اليوم، نجد أن العادات والتقاليد قد جعلت من الأضحية عبئًا اجتماعيًا أكثر منها عبادة، حيث يشعر الفقير بالحرج إذا لم يتمكن من شراء الأضحية، ويرى أطفاله يتفرجون على غيرهم وهم يحتفلون بالذبح والشواء، مما يدفعه أحيانًا إلى الاستدانة أو التضحية بمستلزمات أكثر أهمية من أجل مسايرة المجتمع، وهذا ليس من الدين في شيء، بل هو من ضغط العادات الاجتماعية التي تحتاج إلى إعادة تصحيح.

الملك محمد السادس

ونظرا للتحديات المناخية والاقتصادية التي أدت إلى تراجع كبير في أعداد الماشية مما قد يخلف ضررا بالفئات ذات الدخل المحدود، كان من الحكمة أن يتدخل الملك محمد السادس ليضع حدًا لهذا الحرج الاجتماعي، حيث أكد جلالته أنه سيقوم بذبح الأضحية نيابة عن الشعب اقتداء بسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام عندما قال:”هذا لنفسي وهذا عن أمتي”، خطوة سديدة تستند إلى الحكمة وتراعي مصلحة المواطنين، فهذا القرار يرفع الحرج عن شريحة عظيمة من المغاربة الذين يجدون أنفسهم في معاناة مستمرة بسبب تزايد تكاليف الحياة، ومنعًا لأي شعور بالنقص أو التمييز بين الفئات الاجتماعية، كما أنه يحقق مبدأ التكافل والتراحم، ويعزز قيم العدل والمساواة، حيث لا يشعر الفقير بالغبن حين يرى غيره يضحي وهو عاجز عن ذلك.

الإسلام دين يسر، وقد أجاز للناس التخفيف في العبادات عند وجود المشقة، وإذا كان الله قد رخص بتيسير ما يتعلق بالصلاة في حالة السفر أوالمرض، ورخص بعدم الصيام في رمضان في حالة المرض، فمن باب أولى أن يُسمح بعدم الأضحية لمن لا يستطيع، بل حتى لمن يستطيع إذا كان في ذلك تحقيق مصلحة عامة للمجتمع.

إن قرار إلغاء شعيرة الذبح هذا العام ليس تعطيلًا لعبادة شرعية، بل هو اجتهاد مستند إلى مقاصد الشريعة، التي تقوم على التيسير ورفع الضرر، فالمصلحة العامة تقتضي أحيانًا تقديم أولويات أكثر إلحاحًا، كضمان العيش الكريم، وتأمين ضروريات الحياة، بدلًا من الإنفاق على شعيرة قد تتحول من عبادة إلى عبء اجتماعي.

نقلاً عن : الوفد