أدى تلوث الهواء والخلل في إمدادات الطاقة إلى إغلاق الدوائر الحكومية في معظم المحافظات الإيرانية، وأعلنت 20 منها إغلاق جميع مراكزها الإدارية والتعليمية والقضائية أول من أمس الجمعة.

وأرجع محافظ طهران الإعلان عن إغلاق الدوائر الحكومية في العاصمة أمس السبت إلى زيادة تلوث الهواء، لكن هذا الإغلاق شمل نحو 22 محافظة ويعد مؤشراً إلى عمق الأزمة والخلل في إمدادات الطاقة داخل البلاد.

وخلال الأسبوعين الأخيرين من ديسمبر (كانون الأول) 2024 عاشت البلاد وضعاً مشابهاً لما تمر به خلال الفترة الحالية، إذ فرضت الحكومة إغلاقاً واسعاً في البلاد بسبب الطقس البارد وزيادة استهلاك الغاز والكهرباء.

وتوقعت وسائل الإعلام المحلية أنه بسبب العطلة الرسمية الثلاثاء المقبل فمن المرجح أن تعلن الحكومة أيام الأحد والإثنين وحتى الأربعاء المقبل عطلة رسمية في البلاد، وأدى هذا الإغلاق المفاجئ إلى حدوث إرباك داخل الأسواق والأنشطة التجارية والاقتصادية، ما تسبب في احتجاجات من قبل الناشطين الاقتصاديين.

احتجاج على القرارات المفاجئة

ولقي قرار الحكومة القاضي بإعلان الإغلاق خلال ساعات متأخرة من أول من أمس انتقادات واسعة النطاق في إيران، ويرى الناشطون الاقتصاديون أن هذا النوع من الإعلان المتأخر يخل بنظام الأنشطة الاقتصادية، وبحسب قولهم فإنه إذا كان هدف الحكومة تقليل حركة المرور لتحسين الطقس فلماذا لا تعلن رسمياً عن الإغلاق خلال وقت مبكر، حتى تتمكن الورش الاقتصادية والتجارية من تنظيم أنشطتها بصورة تناسب هذا الوضع؟

ويعتقد بعض المحللين أن الحكومة مترددة في الإعلان عن إغلاق طويل الأمد خوفاً من زيادة مفاجئة في السفر واستهلاك الوقود، نظراً إلى أن أي خلل في إمدادات البنزين يشكل أزمة أخرى للحكومة.

ومن بين الانتقادات الأخرى التي يوجهها الناشطون الاقتصاديون استمرار نشاط سوق الأوراق المالية في حين أن البنوك والدوائر الحكومية مغلقة. وأدى عدم التنسيق بين الأجهزة الاقتصادية إلى ترك الشركات والصناعات في حال من الضياع والتردد.

وفي هذا السياق، أعلنت غرفة التجارة الإيرانية في تقريرها أن الإغلاق غير المخطط له يؤدي إلى شلل 88 في المئة من النشاط الاقتصادي الذي تديره في الأساس الحكومة. وفي حين أن 12 في المئة فقط من الاقتصاد الإيراني تحت إدارة القطاع الخاص، فإن الناشطين الاقتصاديين في هذا القطاع لا يستطيعون إيقاف أنشتطهم، لا سيما أن إغلاق المدن الصناعية بسبب انقطاع التيار الكهربائي والغاز وإغلاق شبكة البنوك يؤديان إلى شل القطاع الخاص بصورة غير مباشرة.

الخسائر الاقتصادية الناجمة عن كثرة العطل

كما هو معلوم، فإن الإغلاق المفاجئ يفرض كلفة مالية باهظة على القطاع الخاص، لأن عملية دفع رواتب الموظفين واستئجار المحال التجارية وكلفة التشغيل أصبحت مشكلة خطرة لأصحاب العمل، في ظل توقف النشاط الاقتصادي.

وخلال فترة 30 يوماً أعلن عن 10 أيام إغلاقاً عاماً في البلاد، من ثم السؤال الذي يطرح نفسه في ظل هذه الأوضاع، من المسؤول عن تعويض الخسائر الناجمة عن هذا الإغلاق المستمر؟

وفي مقابلة لنائب رئيس لجنة الطاقة في غرفة التجارة الإيرانية عن الإغلاق المفاجئ، قال إنه “إضافة إلى الخسائر الاقتصادية، لهذا الإغلاق عواقب نفسية واجتماعية أيضاً”، مضيفاً أن “هذه الحال من الممكن أن تتسبب في التوتر وإثارة القلق وحتى الاكتئاب، إذ إن الناس يشعرون بالقلق في شأن مستقبلهم المهني والتعليمي والاقتصادي. وهذا الوضع مثير للقلق خصوصاً للأسر ذات الدخل المحدود أو التي تدير أعمالاً وورشاً اقتصادية صغيرة”.

ووفقاً لهذا المسؤول الحكومي، فإن استمرار هذا الوضع يؤدي إلى حدوث أضرار في الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي داخل البلاد.

أزمة إهلاك البنية التحتية وهرب رأس المال

وقال المتخصص الاقتصادي بيمان مولوي في إشارة إلى انخفاض الاستثمار الحاد داخل إيران، إنه “وفقاً لتقارير المراكز الإحصائية فإن تدني مستوى البنى التحتية تتسبب بانخفاض الاستثمار في قطاع الصناعات الثقيلة والمعدات”، مؤكداً أن البنى التحتية داخل البلاد تتجه نحو مزيد من التدهور.

ويرى مولوي أن الإغلاق المفاجئ إضافة إلى التسبب بخسائر في قيمة الريال أسهما في زيادة هرب رأس المال، محذراً من أن انعدام الأمن الاقتصادي وزيادة خسائر الإنتاج من شأنهما أن يؤديا إلى تفاقم حال الاستياء وخروج رؤوس الأموال من البلاد.

وتعاني الشركات والورش الصغيرة في إيران أكثر من غيرها عطلاً، ويواجه عدد من الورش الصناعية الصغيرة إضافة إلى الإغلاق المفاجئ انقطاعاً طويلاً في التيار الكهربائي والغاز، ويعتقد مديرو هذه الوحدات الاقتصادية أنه إذا ما استمر هذا الوضع فلن يكون لأنشطتهم مبرر اقتصادي.

وقال عضو لجنة تنمية الصادرات غير النفطية في غرفة التجارة الإيرانية أميد ماهراني إن “الأضرار الاقتصادية الناجمة عن إغلاق الإدارات والبنوك بصورة متزامنة لا يمكن تقييمها، وهذه الخسائر خصوصاً في شبكة البنوك والقطاع الخاص والورش الصناعية لا يمكن تجاهلها أبداً”.

وأكد ماهراني أن الورش الصناعية ملزمة بدفع رواتب العمال على رغم انقطاع التيار الكهربائي يومين أو ثلاثة أيام خلال الأسبوع، مما أدى إلى زيادة الكلفة وانخفاض الإنتاج في هذه الوحدات الاقتصادية.

خسائر البنوك بسبب الإغلاق بلغت 10 ملايين دولار

ولفهم مدى الضرر الاقتصادي الناجم عن الإغلاق الإجباري داخل البلاد لا بد من النظر إلى تأثير إغلاق البنوك والمصارف، إذ عندما جرى اقتراح خطة إغلاق البنوك والإدارات أيام الخميس من كل أسبوع، قدر المحللون أن كل يوم من إغلاق البنوك من شأنه أن يسبب خسائر للاقتصاد الإيراني تقدر بنحو 10 ملايين دولار.

وبناء على هذا التقدير، يمكننا معرفة تأثير عمليات الإغلاق الحكومي الأخيرة تحت ذريعة إدارة استهلاك الطاقة أو تلوث الهواء في اقتصاد البلاد.

ومن الأمور الغريبة والعجيبة التي شاهدنا خلال العطلات الحكومة الأخيرة، وصول رسائل نصية قصيرة من البنوك تحذر فيها المواطنين من تأخر سداد الأقساط، مع أن عملية إغلاق البنوك وتعطيل الأنشطة الاقتصادية تمت بأوامر حكومية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأثار هذا الإجراء الذي اتخذته البنوك ردود فعل واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي، إذ تساءل بعض لماذا لا تقدم الحكومة حلاً لتمديد مهلة سداد القروض في ظل الإغلاق الحكومي المفاجئ؟

خطر الإغلاق المفاجئ حتى نهاية العام

وإذا ما أرجعنا عمليات الإغلاق الحكومي الأخيرة إلى تلوث الهواء والخلل في إمدادات الطاقة، فيبدو أن هذا الاتجاه سيستمر حتى نهاية العام الإيراني في الـ20 من مارس (آذار) المقبل، من ثم نظراً إلى التوقعات الجوية بزيادة البرد واحتمال عودة التقلبات الجوية داخل المدن الكبرى، فقد تلجأ الحكومة إلى الإغلاق مرة أخرى أيضاً.

ويعتقد عدد من المحللين أن الهدف الرئيس للحكومة من هذا الإغلاق المتتالي هو إدارة استهلاك الطاقة في البلاد دون النظر إلى عواقبها الضارة على الاقتصاد، وأن هذه السياسة تضع العبء الرئيس من الأضرار على عاتق المستهلكين والناشطين الاقتصاديين.

من ثم، أدت عمليات الإغلاق الحكومي غير المجدولة والانقطاعات في التيار الكهربائي والغاز المتكررة إلى تفاقم إفلاس الاقتصادي في عدد من الشركات الإنتاجية وغيرها من الورش الاقتصادية. وخلال وقت تعاني فيه البلاد ركوداً اقتصادياً، أدت عمليات الإغلاق المفاجئ إلى خفض الكفاءة الاقتصادية إلى الصفر ووضع عدد من النشطاء الاقتصاديين على حافة الإفلاس الكامل.

نقلاً عن : اندبندنت عربية