من أعظم روضات الجنات فى شهر البركات روضة إفطار الصائمين، وما يدل على هذا ما روى عن أنس بن مالك رضى الله عنه قال: كنا مع النبى صلى الله عليه وسلم فى السفر فمنا الصائم، ومنا المفطر قال: فنزلنا منزلاً فى يوم حار، وأكثرنا ظلاً:  صاحب الكساء، ومنا من يتقى الشمس بيده، قال: فسقط الصوام، وقام المفطرون فضربوا الأبنية، وسقوا الركاب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ∩ذهب المفطرون اليوم بالأجر∪. أخرجه البخارى ومسلم. 

قال ملا على القارى رحمه الله (قوله: ∩ذهب المفطرون بالأجر، أى: بالأجر الأكمل الوافر؛ لأن نفع صوم الصائمين قاصر على أنفسهم، وليس المراد نقص أجرهم؛ بل المراد أن المفطرين حصل لهم أجر عملهم ومثل أجر الصوام لتعاطيهم أشغالهم وأشغال الصوام).

ويستفاد من الحديث أن أجر الخدمة فى الغزو أعظم من أجر الصيام، وفيه أن التعاون فى الجهاد وفى خدمة المجاهدين فى حل وارتحال واجب على جميع المجاهدين، وفيه جواز خدمة الرجل لمن يساويه؛ لأن الخدمة أعم كما ذكرنا وفيه فضل أجر المرأة فى تفطير زوجها وأولادها لأن العمل العام أفضل من العمل الخاص وأفضل الأعمال ما تعدى نفعه للغير. 

وبمقدور الإنسان أن يحصل على أجور لا تحصى بتفطير الصائمين، ولقد كان ابن عمر رضى الله عنهما لا يفطر إلا مع فقير أو مسكين، لأن تفطير الصائمين من العبادات العظيمة التى ثبت فى فضلها ما يحث المسلم على المحافظة عليها، فعن زيد بن خالد الجهنى رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من فطر صائماً كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئاً. رواه الترمذى وغيره، وقال الترمذى حسن صحيح. 

فإذا علمت هذا فإن العلماء مختلفون فيما يحصل به تفطير الصائم، فمنهم من قال يحصل بأدنى شىء ولو بتمرة أو جرعة من ماء أو مذقة من لبن، واستدلوا له بحديث روى فى ذلك عن سلمان لكنه لا يصح، وبأن ظاهر الحديث المتقدم يدل على هذا، وقال بعض العلماء إن هذا الثواب لا يحصل إلا لمن أشبع الصائم، لأن إشباعه هو الذى يحصل به المقصود من تقوية على العبادة واستغنائه فى تلك الليلة، وهذا القول هو ترجيح شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله. 

قال ابن مفلح رحمه الله فى الفروع: ومن فطر صائماً فله مثل أجره من غير أن ينقص من أجره شىء. صححه الترمذى من حديث زيد بن خالد. وظاهر كلامهم أى شىء كان كما هو ظاهر الخبر. وكذا رواه ابن خزيمة من حديث سلمان الفارسى وذكر فيه ثواباً عظيماً إن أشبعه. وقال شيخنا مراده بتفطيره أن يشبعه. انتهى. 

واختلف العلماء فى معنى من فطر صائماً فقيل: إن المراد من فطره على أدنى ما يفطر به الصائم ولو بتمرة. وقال بعض العلماء: المراد بتفطيره أن يشبعه لأن هذا هو الذى ينفع الصائم طول ليلة وربما يستغنى به عن السحور؟ ولكن ظاهر الحديث أن الإنسان لو فطر صائماً ولو بتمرة واحدة فإنه له مثل أجره. ولهذا ينبغى للإنسان أن يحرص على إفطار الصائمين بقدر المستطاع لا سيما مع حاجة الصائمين وفقرهم أو حاجتهم لكونهم لا يجدون من يقوم بتجهيز الفطور لهم. انتهى. 

وينبغى لك إذا أردت الحرص على كمال الأجر فى تفطير الصائمين أن تكون أول من يقدم لهم ما يفطرون عليه، ويمكنك أن تذهب إلى مسجد فى الحى الذى تصلى فيه المغرب فتصلى معهم وتكون أول من يفطرهم ولو على تمرة أو جرعة ماء. 

نقلاً عن : الوفد