إيرادات البث التلفزيوني تعيد ترتيب مقاعد الدوريات الكبرى

تواصل دوريات كرة القدم العالمية التعافي من الضربات الشديدة التي تعرضت لها في سنوات تفشي جائحة فيروس كورونا، والتي تسببت في أزمات مالية خانقة لعدد كبير من الأندية وكشفت عن مدى جودة النظام الاقتصادي المتبع في تسويق اللعبة الشعبية الأولى عالمياً والربح منها.

ووفقاً للدراسة السنوية التي تنشرها مؤسسة “ديلويت” المتخصصة في خدمات المراجعة وتدقيق الحسابات والضرائب والاستشارات المالية، وتحمل اسم “دوري المال” فإن أندية كرة القدم الكبرى حققت في موسم (2023 – 2024) دخلاً قياسياً قدره 11.2 مليار يورو (11.67 مليار دولار) بزيادة قدرها 6 في المئة عن موسم (2022 – 2023)، مع إيرادات قياسية من أيام المباريات والإعلانات التجارية وعوائد البث.

وكشف التقرير أنه على النقيض من الارتفاعات المذهلة لإيرادات الأندية من الإعلانات التجارية وأرباح أيام المباريات كالتذاكر والمبيعات المباشرة والخدمات، لم يكن هناك أي ارتفاع في عوائد البث التلفزيوني وذلك بسبب صفقات الحقوق طويلة الأجل التي يستمر أغلبها لما بعد 2027.

وتعتبر إيرادات حقوق البث التلفزيوني العامل الأبرز في تحديد قوة الدوريات الكبرى لكرة القدم عالمياً، حيث تشكل المصدر الرئيس لدخل الأندية، وتلعب دوراً محورياً في تحديد مركز كل دوري في الخريطة الكروية.

وعلى رغم أن الاتجاه الذي اتخذته الأندية الأكثر نجاحاً مالياً في الاستفادة من نمو الإيرادات التجارية يتضح بمقارنة أرقام الإيرادات قبل 10 سنوات مع الأرقام الحالية إلا أن عوائد البث لا تزال تمثل الجزء الأكبر والأكثر استقراراً من إجمالي الإيرادات.

ومع تباين عوائد البث بين الدوريات، تظهر فجوة كبيرة بين الدوري الإنجليزي الممتاز، الذي يهيمن على الصدارة، وبقية الدوريات مثل الإسباني والألماني والإيطالي والفرنسي، التي تسعى جاهدة لتقليص هذه الفجوة.

وبينما استعاد ريال مدريد الإسباني بطل دوري أبطال أوروبا في (2023 – 2024) عرش أغنى نادٍ لكرة القدم في العالم وأصبح أول من تتخطى إيراداته مليار يورو بإجمالي 1.05 مليار يورو (1.09 مليار دولار)، لكن قائمة أعلى 10 أندية تحقيقاً للإيرادات في الموسم الماضي شهدت تواجد ستة أندية إنجليزية هي مانشستر سيتي (المركز الثاني) ومانشستر يونايتد (المركز الرابع) وأرسنال (المركز السابع) وليفربول (المركز الثامن) وتوتنهام هوتسبير (المركز التاسع) وتشيلسي المركز الـ10.

ويعتبر الدوري الإنجليزي الممتاز قوة اقتصادية لا تضاهى ويمتلك أفضل نموذج لتسويق وتوزيع أرباحه على الأندية، حيث بدأت رابطة الدوري الممتاز منذ تأسيسها في 1992 بيع حقوق بث المباريات وفق نموذج مركزي، ومنذ ذلك الحين، ارتفعت قيمة حقوق البث بنسبة مذهلة بلغت 3500 في المئة، مقارنة بعقود البث الهزيلة التي كانت تتلقاها بطولة الدوري الإنجليزي الدرجة الأولى في فترة ثمانينيات القرن الماضي، والتي كان آخرها في عام 1988 ولمدة أربع سنوات بقيمة 44 مليون جنيه استرليني (55.72 مليون دولار) لشبكة “أي تي في سبورتس”.

وفي ديسمبر (كانون الأول) 2023، وقع الدوري الإنجليزي الممتاز عقداً جديداً مع شبكتي “سكاي” و”تي أن تي سبورتس” بقيمة 8.083 مليار يورو (8.42 مليار دولار) لحقوق البث المحلية للفترة من 2025 إلى 2029، بمتوسط 2.02 مليار يورو (2.1 مليار دولار) في الموسم الواحد.

وتشكل الإيرادات الدولية أكثر من نصف إجمالي إيرادات الدوري، حيث يتوقع أن تصل نسبة الإيرادات الدولية إلى 53 في المئة هذا الموسم.

وتوزع الإيرادات المحلية بالتساوي بين الأندية الـ20 في الدرجة الممتازة، بواقع 50 في المئة كدخل أساسي ثابت، مع تخصيص 25 في المئة للأداء الرياضي و25 في المئة لعدد المباريات المذاعة، أما الإيرادات الدولية، فتوزع بنسبة 69 في المئة بالتساوي بين الأندية، و31 في المئة بناء على الجدارة الرياضية.

ويمكن منح الفضل لهذه السياسة التوزيعية العادلة في ما وصلت إليه الأندية الإنجليزية من قوة وتنافسية على مدار السنوات الأخيرة، حيث لا يمكن للفريق المتصدر أن يحصل على أكثر من 1.8 مرة مما يحصل عليه الفريق صاحب المركز الأخير، ففي الموسم الماضي، حصل فريق شيفيلد يونايتد، الذي احتل المركز الأخير وهبط إلى الدرجة الأولى، على 132.3 مليون يورو (137.84 مليون دولار)، وهو مبلغ يفوق ما حصل عليه غالبية كبار دوريات إسبانيا وألمانيا وإيطاليا من حقوق البث في بلدانهم.

ولمعرفة حجم الفجوة بين أندية إنجلترا الكبرى والأندية المنافسة لها خارجياً، يكفي معرفة أن مانشستر سيتي بطل الدوري الإنجليزي حصل على 212.2 مليون يورو (221.08 مليون دولار) من عائدات البث في الموسم الماضي، بينما حصل أعلى نادٍ إسباني وهو برشلونة على 162.4 مليون يورو (169.2 مليون دولار)، وأعلى نادٍ ألماني وهو بايرن ميونيخ على 91.7 مليون يورو (95.54 مليون دولار)، وأعلى نادٍ إيطالي وهو إنتر ميلان على 90.8 مليون يورو (94.6 مليون دولار)، وأعلى نادٍ فرنسي وهو باريس سان جيرمان على 165.7 مليون يورو (172.63 مليون دولار).

وفي الدوري الإسباني الذي يتمتع بالجاذبية الدولية بسبب تواجد العملاقين ريال مدريد وبرشلونة، بلغت إيرادات حقوق بث مباريات القسمين الأول والثاني 4.95 مليار يورو (5.2 مليار دولار) لمدة خمسة مواسم، أو 1.5 مليار يورو (1.6 مليار دولار) لكل موسم، موزعة بين أندية الدرجة الأولى التي تحصل على 1.351 مليار يورو (1.41 مليار دولار) والدرجة الثانية التي تحصل على 147 مليون يورو (153.15 مليون دولار).

ويحتل الدوري الألماني المركز الثالث بإجمالي عقد بث تبلغ قيمته 4.48 مليار يورو (4.67 مليار دولار) لمدة أربعة مواسم، أو ما يوازي 1.12 مليار يورو (1.17 مليار دولار) سنوياً.

ويتميز الدوري الألماني بنموذج توزيع عادل يراعي الاستدامة وتطوير الشباب. وتوزع الإيرادات بالتساوي بين الأندية بواقع 50 في المئة كحد أساس مع تخصيص 43 في المئة للأداء الرياضي و4 في المئة لتطوير الشباب والاستدامة.

ويحتل الدوري الإيطالي الدرجة الأولى المركز الرابع بين الدوريات الأوروبية الخمس الكبرى لكنه يواجه تراجعاً ملحوظاً في قيمة حقوق البث التلفزيوني، حيث انخفضت قيمة العقد الجديد مع شبكتي “سكاي سبورتس” و”دازن” بنسبة 3 في المئة مقارنة بالدورة السابقة، ففي أواخر 2023، وقعت رابطة الدوري الإيطالي الدرجة الأولى عقداً بقيمة 4.5 مليار يورو (4.69 مليار دولار) لمدة خمس سنوات للفترة من 2024 إلى 2029، وهو ما يمثل انخفاضاً بنسبة 25 في المئة عن التوقعات الأولية، بحسب ما ذكرت الصحف ووسائل الإعلام الإيطالية، وقد أصبح إيراد الموسم الواحد للمسابقة الإيطالية نحو 900 مليون يورو (937.66 مليون دولار).

وتوزع الإيرادات في الدوري الإيطالي وفقاً لمعايير تختلف قليلاً حيث يتم تخصيص 50 في المئة من المبلغ بالتساوي بين الأندية، و28 في المئة بناء على الأداء الرياضي و22 في المئة بناء على الأثر الاجتماعي.

وأشار تقرير صحيفة “ماركا” الإسبانية عن مصادر دخل الدوريات الأوروبية إلى أن الإيرادات الدولية للدوري الإيطالي تبلغ 18.1 في المئة فقط من إجمالي إيراداته مما يعكس الحاجة الملحة لتوسيع النفوذ الدولي.

ويأتي الدوري الفرنسي في المركز الخامس بإيرادات بث تبلغ 2.5 مليار يورو (2.6 مليار دولار) للفترة من 2024 إلى 2029، وهو ما يمثل انخفاضاً بنسبة 60 في المئة مقارنة بالعقد السابق.