أعلن مركز الإحصاء الإيراني أن معدل التضخم النقطي بلغ 35.3 في المئة في فبراير (شباط) الجاري، بينما بلغ معدل التضخم الشهري 4.1 في المئة. وتشير هذه الإحصائية إلى ارتفاع معدل التضخم الشهري نتيجة ارتفاع أسعار المواد الغذائية ونمو سعر الصرف في السوق، كما وصل مؤشر أسعار المستهلك للأسر في البلاد إلى أكثر من 305 مما يظهر أن هناك تغييرات كبيرة في سلة معيشة الأسرة.

وتشير المراجعة الدقيقة للإحصاءات المنشورة إلى أن نمو أسعار العملات الأجنبية، إلى جانب ارتفاع أسعار المواد الغذائية، هما العاملان الرئيسان وراء ارتفاع التضخم في فبراير الجاري، إذ أظهرت الإحصاءات أن السلع والخدمات والتعليم شهدت أعلى معدلات التضخم النقطي، في حين كان قطاع الاتصالات هو أدنى.

 

وعند تحليل التغيرات في معدل التضخم السنوي للبلاد، وصل متوسط معدل التضخم إلى 32 في المئة، مما يوضح الاختلافات بين العشر المختلفة لتوزيع الدخل، بحيث يصل معدل التضخم إلى 30.3 في المئة في العشر الأول والثاني، و32.4 في المئة في العشر التاسع.

كما وصلت فجوة التضخم بين العشر إلى 2.1 نقطة مئوية هذا الشهر، وهو ما يمثل انخفاضاً قدره 0.6 نقطة مئوية مقارنة بالشهر الماضي، إذ كانت 2.7 نقطة مئوية. وقد يكون هذا الانخفاض بسبب تأثير التضخم على قطاعات مثل إيجار المنازل والعقارات والخدمات العامة، والتي، عادة ما تؤثر بصورة أكبر على سلة استهلاك الأسر في الطبقات الدنيا (العشر الأول والثاني).

ومن أهم القضايا التي وردت في هذا التقرير التحليل التفصيلي لتضخم أسعار المواد الغذائية، الذي يؤثر، بصورة مباشرة، على سبل عيش مختلف شرائح المجتمع الإيراني.

ارتفاع أسعار الخضراوات والبقوليات

وارتفعت أسعار الخضراوات والبقوليات في فبراير الجاري بنسبة 17 في المئة مقارنة بشهر يناير (كانون الثاني) الماضي، لتحل المرتبة الأولى بين السلع الغذائية في إيران، في حين جاءت الفاكهة والمكسرات في المرتبة الثانية بمعدل تضخم بلغ نحو تسعة في المئة.

وشهدت أسعار المواد الغذائية، بما في ذلك الخبز والحبوب، اتجاهاً تصاعدياً، إذ بلغ معدل التضخم الشهري للخبز والحبوب 7.4 في المئة. ويشير ارتفاع أسعار الخبز المعلب والصناعي، فضلاً عن الارتفاع غير الرسمي في أسعار الخبز التقليدي (مثل الخبز البربري والسنكك) إلى تغير في نمط إنتاج وبيع هذه السلع. وبما أن عديداً من الخبازين اتجهوا نحو الخبز خارج الأسعار المعتمدة من قبل الحكومة، فإن حصة إنتاج الخبز الذي لا يخضع للأسعار المعتمدة من قبل الحكومة تجاوز بكثير الخبز الذي تشرف عليه الحكومة.

وشهدت مجموعة السلع الأساسية مثل الشاي والقهوة والكاكاو ارتفاعاً في الأسعار خلال فبراير الجاري. ووصل معدل التضخم لهذه المجموعة من السلع إلى 7.3 في المئة، ومن المرجح أن يكون ذلك بسبب تأثير السوق الإيرانية بارتفاع أسعار القهوة والكاكاو العالمية.

وأما عن أنواع الزيوت، فإن معدل التضخم الشهري وصل إلى 6.1 في المئة. في المقابل، أظهرت السلع البروتينية مثل اللحوم الحمراء (معدل تضخم 1.9 في المئة)، ومنتجات الألبان والبيض (معدل تضخم 2.3 في المئة) استقراراً نسبياً، لكن هذا الاستقرار يشير إلى انخفاض الطلب في السوق أكثر منه إلى زيادة العرض أو السيطرة على التضخم من قبل الحكومة، إذ قامت بعض الفئات الفقيرة من المجتمع الإيراني بحذف هذه المواد الغذائية من سلة معيشتها بسبب الضغوط الاقتصادية.

ومن خلال فصل معدل التضخم الشهري بين المواد الغذائية وغير الغذائية والخدمات، يمكننا أن نفهم، بصورة أفضل، مدى خطورة أزمة المعيشة في إيران. وعلى رغم أن متوسط معدل التضخم الشهري لفبراير الجاري، أعلن أنه وصل إلى 4.1 في المئة، إلا أن معدل التضخم في قطاع المواد الغذائية شهد زيادة مضاعفة مقارنة بمستوى التضخم في يناير حيث ارتفع من 3.2 في المئة إلى 6.7 في المئة. ويشير هذا الارتفاع الحاد في أسعار المواد الغذائية إلى تزايد الضغوط على المستهلكين، خصوصاً بين الفئات الضعيفة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الاختلافات الإقليمية في التضخم والآفاق المستقبلية

من الناحية الجغرافية، أظهرت إحصاءات التضخم أن هناك اختلافات بين المدن والأرياف، حيث بلغ معدل التضخم أربعة في المئة بالمدن، بينما بلغ 4.7 في المئة في الأرياف. وقد تكون هذه الاختلافات ناجمة عن أنماط الاستهلاك والهياكل الاقتصادية المختلفة في المناطق.

وأما الخبر المقلق بالنسبة إلى الفئات الضعيفة هو أن المعدلات ستستمر في الارتفاع في الأشهر المقبلة، إذ عزا الرئيس السابق لمنظمة التخطيط والموازنة هذا الارتفاع في الأسعار إلى تأثير حذف العملة الصعبة التي كانت مخصصة لشراء السلع الأساسية من الخارج.

كما أشار الرئيس السابق لمنظمة التخطيط والموازنة وهيئة الشؤون الضريبية في إيران داوود منظور، على شبكات التواصل الاجتماعي، بما في ذلك منصة “إكس”، إلى أن آثار زيادة سعر الصرف على السلع الاستهلاكية أصبحت واضحة، وأن حذف العملة الصعبة المخصصة لشراء السلع الأساسية وضع عبئاً إضافياً على الفئات الضعيفة، وهي مخاوف ستستمر في الأشهر المقبلة.

وكان البنك المركزي الإيراني قد أعلن أنه تم تخصيص 60 ملياراً و145 مليون دولار من النقد الأجنبي حتى نهاية شهر “بهمن” (الذي يصادف الثلاثاء الموافق الـ18 من فبراير الجاري)، لاستيراد السلع الأساسية والأدوية والتجارية والخدمات، ولم يتم تطبيق سياسة حذف أو إلغاء العملة الأجنبية في هذه القطاعات.

ومن وجهة نظر البنك المركزي الإيراني، فإن هذه الأرقام تعكس الجهود المبذولة لتأمين موارد النقد الأجنبي ومنع التقلبات المفرطة في أسعار السلع الأساسية. لكن متخصصين اقتصاديين يقولون إن نمو سعر الصرف كان له تأثير في الاقتصاد الإيراني بطرق مختلفة، وإن مزاعم إدارة أسعار السلع الأساسية، وفي الوقت نفسه تحرير السوق والارتفاعات المتتالية في الأسعار أمر غير طبيعي.

ويرى بعض المحللين أن ارتفاع أسعار السلع الأساسية في قطاعات مثل الدواء يعود إلى اختلالات طوية الأمد في البنية الاقتصادية الإيرانية، أي بعبارة أخرى، فإن مجرد تخصيص النقد الأجنبي للسيطرة على الأسعار لن يعالج المشكلات الأساسية للنظام الاقتصادي الإيراني.

تأثير أسعار الصرف على السوق

بحسب الخبراء فإن اتجاه نمو سعر الصرف قد يؤثر، بشدة، على السعر النهائي للسلع، وإنه يخلق فجوة كبيرة بين الأسعار المعلنة وواقع السوق. وفي هذه الأثناء، شكك الخبراء في مزاعم السلطات في شأن إدارة أسعار السلع الأساسية إلى جانب تحرير السوق، وينظر إليها على أنها رد فعل على الضغوط الناجمة عن ارتفاع سعر الصرف. ومن أبرز القضايا المطروحة للنقاش في البلاد، اضطراب سوق الحبوب، الذي سجل أعلى مستوى للتضخم الشهري في سلة الغذاء.

ونفى البنك المركزي الإيراني أي دور للحكومة في هذه الفوضى، مؤكداً أن تأثير سعر الصرف على ارتفاع أسعار الحبوب ضئيل. لكن الناشطين في هذا المجال، ومن بينهم رئيس جمعية البقوليات في البلاد، يرفضون هذه الفكرة ويعتقدون أن حذف العملة الأجنبية المخصصة لشراء السلع أدى إلى زيادة كلف الاستيراد بالتالي أثر بصورة خطرة على أسعار هذه السلع.

وتشير الإحصاءات إلى أن استهلاك الفرد من البقوليات في إيران يراوح ما بين 8 و10 كيلوغرامات سنوياً، في حين أن المتوسط العالمي يراوح ما بين 14 و16 كيلوغراماً. ولذلك، فمن المرجح أن تتسع الفجوة التي تبلغ نحو ستة كيلوغرامات في الأشهر المقبلة مع استمرار ارتفاع الأسعار في البلاد.

إضافة إلى قطاع المواد الغذائية، يواجه سوق الأدوية أيضاً أزمة خطرة، إذ أدى انخفاض العرض والارتفاع المفرط في أسعار الأدوية إلى تعريض حياة وصحة المواطنين للخطر.

ووصلت الصدمة التضخمية في أسعار الأدوية، في الأشهر الأخيرة، إلى مستوى حذر منه خبراء الصحة مؤكدين أنه، في الأشهر الأولى من العام الإيراني الجديد الذي يبدأ في الـ21 من مارس (آذار) المقبل، ستشهد البلاد زيادة مضاعفة في أسعار الأدوية والخدمات الطبية. وشهدت أسعار بعض الأدوية، مثل الأدوية القابلة للحقن، ارتفاعاً كبيراً.

وإذا ما نظرنا نظرة شاملة على آراء الخبراء والبيانات التي قدمت في هذا الخصوص، فإننا نستشف أنه رغم الجهود المعلنة التي يبذلها البنك المركزي الإيراني، فإن سياسات الصرف الأجنبي وتخصيص الموارد لم تكن قادرة على تعويض آثار التقلبات الحادة في سعر الصرف في السوق.

نقلاً عن “اندبندنت فارسية”

نقلاً عن : اندبندنت عربية