خلال سير شاحنتهم الصغيرة في رتل الخروج القسري من مخيمات الشهباء الواقعة بريف حلب الشمالي، وبينما كان الغضب والقهر يسيطر على وجهه، قضى السبعيني إسماعيل حسين إبراهيم قهراً جراء إصابته بنوبة قلبية، وهو جالس في الشاحنة التي تنتظر الوصول في رتل طويل من منطقة الشهباء إلى ريف مدينة الطبقة حيث تسيطر قوات سوريا الديمقراطية.
بحسب ذوي إبراهيم فإنهم ينحدرون من قرية متينا التابعة لمدينة عفرين، وكانوا تركوها أثناء العملية العسكرية التركية “غصن الزيتون” في مارس (آذار) 2018 ليعودوا بعد ست سنوات وثمانية أشهر للنزوح مرة أخرى، لكن قلب الرجل السبعيني لم يحتمل مرارة الواقع ليتوقف قلبه عن النبض إلى الأبد.
ولأن الرتل لا يتحمل التوقف والانتظار، ولأن مصيبة العائلة تضاعفت بعدما اضطروا إلى النزوح مجدداً، اضطر ذوو المتوفى قهراً إلى أن يثبتوا جثمانه بحزام مقعد مقصورة الشاحنة في وضعية الجلوس إلى أن يصل بهم المسير نحو بر الأمان في مناطق الإدارة الذاتية ويجري دفنه هناك.
خلال اليومين الماضيين قضى سكان منطقة الشهباء أوقاتهم بما فيها ساعات الليل في العراء وهم مذعورون من المصير الذي قد يلقونه جراء المعارك الأخيرة التي طاولت تل رفعت، أبرز البلدات في هذه المنطقة التي كانت بقيت إلى جانب حي الشيخ مقصود والأشرفية تحت سيطرة وحدات “حماية الشعب” التابعة لقوات سوريا الديمقراطية.
حصار مطبق
عقب هجوم المعارضة السورية المسلحة على مناطق النظام بريف حلب الغربي بقيادة “هيئة تحرير الشام” وسيطرتها على حلب وريفها ومناطق واسعة من إدلب وحماة في عملية “ردع العدوان”، الـ27 من نوفمبر (تشرين الثاني)، بدأت فصائل من الجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا في الـ30 من الشهر ذاته عملية عسكرية سموها “فجر الحرية” بهدف الهجوم على القوات الكردية في مناطق سيطرتها بدءاً بمنطقة الشهباء، كما هاجمت المنطقة الواقعة تحت سيطرة النظام في تادف في مقابل مدينة الباب بريف حلب الشمالي، بهدف منع قوات سوريا الديمقراطية (قسد) من فتح ممر تسيطر عليه بين مناطقها شرق الفرات وصولاً إلى مدينة حلب ومنطقة الشهباء، وهو ما لم يتحقق، لتقع الأحياء الكردية في حلب ومعها منطقة الشهباء تحت حصار مسلحي المعارضة، مما حدا بـ”قسد” من أجل إجلاء السكان من منطقة الشهباء إلى فتح باب التفاوض مع القوات المسيطرة على الميدان، من دون تفاصيل إضافية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
غير أن القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي نشر اليوم على حسابه بموقع “إكس” أن قواتهم تدخلت لفتح ممر إنساني بين مناطقهم الشرقية وحلب ومنطقة تل رفعت “لحماية شعبنا من المجازر”، عقب تطورت الأحداث في شمال غربي سوريا بصورة متسارعة ومفاجئة، “إذ واجهت قواتنا هجمات مكثفة من جهات عدة مع انهيار وانسحاب الجيش السوري وحلفائه”.
وأضاف عبدي أن هجمات المجموعات المسلحة المدعومة من “الاحتلال التركي قطعت هذا الممر”، وأن قواتهم “دافعت ببسالة عن أهلنا في حلب وتل رفعت والشهباء”، في إشارة إلى مواجهات وقعت خلال الأيام السابقة بمناطق مختلف في ريف حلب.
اتفاق غير معلن
القائد العام لـ”قسد” كشف عن أنهم يعملون على التواصل مع الجهات الفاعلة كافة في سوريا “لتأمين حماية شعبنا وإخراجه بأمان من منطقة تل رفعت والشهباء باتجاه مناطقنا الآمنة في شمال شرقي البلاد”، لكنه أكد أن مقاومة قواتهم تستمر لحماية أهالينا في الأحياء الكردية بمدينة حلب. وذلك عقب بيان موجه من إدارة العمليات العسكرية التي تقودها “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقاً) لوحدات حماية الشعب التي تسيطر على الحيين للخروج منهما بسلاحهم باتجاه مناطق شمال شرقي سوريا “بصورة آمنة”، مشفوعاً بطمأنة السكان الكرد بأنهم جزء من المجتمع السوري، ولهم حقوقهم المشتركة مع بقية السوريين، وأنهم مسؤولون عن حمايتهم وتأمين حياة كريمة لهم، بحسب البيان.
وفي مساء أمس الإثنين وصلت أولى الأرتال الخارجة من منطقة الشهباء إلى مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية عبر معبر قرب مدينة الطبقة الواقعة على سد الفرات، وبحسب المعلومات الأولية فإن عدد الخارجين من مناطق الشهباء يبلغ 120 ألف شخص.
أرتال من النازحين
وبحسب مصادر أهلية وشهود عيان ضمن النازحين فإن رتل السيارات والشاحنات المحملة بالنازحين قسرياً بلغ نحو ثلاثة كيلومترات، كما أكد آخرون لـ”اندبندنت عربية” حدوث عمليات اعتقال ومشاجرات وتفتيش من مسلحي فصائل الجيش الوطني مع النازحين أثناء توقف الرتل في منطقة الشهباء حين بدء بالسير والخروج من المنطقة على دفعات بعد وصول عناصر “هيئة تحرير الشام” التي تشرف وتضمن تنفيذ عملية الإجلاء من المنطقة، وفق المصادر.
وأظهرت صور نشرها الخارجون من تل رفعت ظروفاً قاسية يعيشها السكان الكرد، الذين بدأ بعضهم رحلة نزوهم الثالثة خلال سنوات الأزمة السورية في العراء والبراري بعدما أن تقطعت بهم سبل الخروج من المنطقة، إذ إن شاحناتهم الصغيرة ومركباتهم تحمل ما استطاعوا حمله، في حين سار بعضهم بدراجاتهم النارية وهم يحملون عائلاتهم كاملة عليها، وكان بعضهم يسكن مدينة حلب لكنهم تركوها مع اندلاع الحرب فيها عام 2012 وعادوا لمناطقهم الأصلية في عفرين، ليتركوها لاحقاً في عملية “غصن الزيتون” عام 2018 باتجاه مناطق الشهباء بريف حلب الشمالي، ليتوجهوا إلى مناطق الإدارة الذاتية عبر معبر البو عاصي بريف الطبقة.
على هذه الحال من التحرك البطيء والظروف القاسية وصلت مئات المركبات المحملة بالنازحين، وكان بينهم آخرون من منطقتي نبل والزهراء الشيعيتين، بعدما سيطرت عليها فصائل المعارضة، وكان مسار القافلة يمر في المنطقة التي سيطرت عليها “هيئة تحرير الشام” حديثاً، بعيداً من فصائل الجيش الوطني المدعوم من تركيا، وبلغت مسافة سيرها نحو 150 كيلومتراً ما بين حلب والطبقة، التي نصبت فيها خيام موقتة لتسجيل واستقبال النازحين من مؤسسات الإدارة الذاتية، وفي غياب المنظمات الإنسانية الدولية وغير الحكومية.
وفي عملية الإجلاء الكردية الكبيرة هذه يغيب عن المشهد أي ضامن دولي أو إنساني لسير عملية الاتفاق غير المعلن حتى الآن، على رغم وجود اتصالات مختلفة بين الأطراف الفاعلة في سوريا بخصوصها، بحسب المعلومات المتوفرة.
نقلاً عن : اندبندنت عربية