يترقب مجتمع المال والأعمال والفاعلون الاقتصاديون في تونس، خصوصاً العاملين في قطاعي التجارة والخدمات، موعد الثاني من فبراير (شباط) المقبل، إذ يشهد بدء تطبيق ضوابط جديدة في التعامل بواسطة الصكوك البنكية.

ووفقاً للضوابط الجديدة المتصلة بإجراءات قانونية تنظم التعامل بالصكوك البنكية ستدخل المنصة الإلكترونية الجديدة حيز التنفيذ، مما يعني وفق جل المتخصصين أن الصكوك لن يعود لها الصبغة القانونية بعد هذا التاريخ.

 وتطرح هذه المسألة تخوفات كبيرة وحيرة لدى مصدري الصكوك خوفاً من عدم استرجاع أموالهم، ما قد يؤثر في مستوى المعاملات المالية والتجارية في البلاد، مما قد يتسبب في حالة من الارتباك والضبابية، خصوصاً في ظل أنباء عن عدم جاهزية المنصة الإلكترونية الجديدة.

وتهدف هذه المنصة إلى مراقبة كفاية الأرصدة البنكية وهو ما يحد من استعمال الشيكات التي صارت تمثل وسيلة دفع مؤجلة لسداد عمليات تجارية بالتقسيط.

خشية كبيرة

في غضون ذلك، عبر عدد من تجار المواد الغذائية بالجملة عن تخوفاتهم في تصريحات خاصة لـ”اندبندنت عربية”، إذ يخشون من انكماش أنشطتهم التي تعتمد كثيراً على الدفع الآجل المستند إلى إصدار الشيكات.

ويرون أنه على رغم الأخطار المتعلقة بالتعامل بالشيكات، إلا أن الشيك في تونس من وسائل الدفع الميسرة التي يلجأ إليها التونسيون والتجار لتقسيط المدفوعات، ومع تطبيق الضوابط الجديدة قد تتراجع مبيعاتهم، موضحين أن المنصة الإلكترونية للتثبت من كفاية الأرصدة ستوقف تماماً استعمال الشيكات كوسيلة بيع بالتقسيط.

وأكدوا أن غالبية من يقدمون الشيكات كوسيلة ضمان ليست لهم أرصدة كافية عند إتمام عملية الشراء، غير أنهم في الوقت نفسه قادرون على الدفع على المدى القصير، إذ إن أكثر من 80 في المئة من العملاء يسددون مشترياتهم بالتقسيط وهي طريقة تجارية رائجة في تونس، نظراً إلى الظروف الاقتصادية والمالية الصعبة للمواطنين.

تحسين مناخ الأعمال

في المقابل، بررت الحكومة التونسية تطبيق الضوابط الجديدة بأنها تعد عملية تنقيح جذري للصكوك البنكية لتحسين مناخ الأعمال، وملاءمة السياسة القضائية مع خصوصية المعاملات الاقتصادية، وتعزيز أمان وموثوقية التعامل بالشيك، وتحسين الممارسات المصرفية.

ومن المرجح أن يكبح تطبيق القانون الجديد إصدار الشيكات للدفع المؤجل، إذ لن تقبل المنصة الإلكترونية المزمع تدشينها، الشيكات التي لا يؤمن أصحابها المبالغ الكافية لسدادها في أرصدتهم البنكية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي الوقت الذي ألغى القانون الجديد تجريم إصدار الشيك الذي تقل قيمته عن خمسة آلاف دينار (ما يعادل 1600 دولار)، تضمن إرساء منصات إلكترونية للتعامل بالشيك، لتتيح للمستفيد من الشيك التثبت الفوري والمجاني من الرصيد المتوافر الذي يغطي مبلغ الشيك لدى المصرف.

12 ألف قضية شيك

في الأثناء، أظهرت بيانات رسمية صادرة عن البنك المركزي التونسي، إصدار 18.5 مليون شيك حتى نهاية سبتمبر (أيلول) 2024، بقيمة 95.6 مليار دينار (30.8 مليار دولار)، بانخفاض واحد في المئة عن العام السابق بينما زادت القيمة بنحو 6.5 في المئة.

وخلال هذه الفترة رُفض 1.4 في المئة من إجمالي الشيكات الصادرة ما يعادل 272 ألف شيك، تمثل 2.4 في المئة من قيمة المبلغ الإجمالي.

مقابل ذلك تظهر البيانات الرسمية الصادرة عن وزارة العدل التونسية، أن عدد القضايا المتعلقة بإصدار شيكات من دون رصيد يتجاوز 12 ألف قضية، في حين يبلغ عدد الموقوفين على ذمة قضايا الشيكات 580 شخصاً، من دون اعتبار الذين هم محل ملاحقة أحكام قضائية.

التخلي عن الصكوك

وتعليقاً على الجدل الدائر في تونس حول الصكوك البنكية، قال أستاذ القانون الخاص بكلية الحقوق بصفاقس والمتخصص في قانون الأعمال وليد قضوم، إن “الفلسفة الحقيقية من تنقيح قانون الشيكات في تونس هو دفع التونسيين إلى التخلي نهائياً عن استعمال الشيكات والتوجه نحو آليات وتقنيات أخرى أكثر أماناً”.

وأضاف أن قانون الصكوك الجديد أحدث مشكلات عدة للمتعاملين الاقتصاديين في تونس المفتقدين للأموال الذاتية للاقتناء بالحاضر في ظل ترسخ عادات إسداء صكوك الضمان والصكوك المؤجلة”، مرجحاً أن الفترة التي ستعقب التطبيق ستشهد ارتباك نوعاً ما، مستدركاً “لكن الأمور ستستقر تدرجاً حتى التخلص نهائياً من استعمال الشيك في تونس واللجوء إلى التقنيات الجديدة بوسائل الدفع الإلكتروني”.

وأشار قضوم إلى أن هناك أزمة كبيرة تتعلق بأن العديد من المتعاملين سواء أشخاص طبيعيين أو معنويين لهم شيكات مؤجلة وشيكات ضمان وجب إيجاد بخصوصها حلول قبل الثاني من فبراير 2025، لافتاً إلى ضرورة التأكيد على أن كل الصكوك البنكية بعد هذا التاريخ لن يتسنى للمصارف قبولها أو بمعنى آخر لن تعود هناك آية قيمة قانونية، إذ إن الشيك الجديد سيتضمن حزمة من المواصفات الجديدة، أهمها “كوير كود” ومدة صلاحية (6 أشهر فما أكثر)، علاوة على تحديد القيمة مالية للصكوك من طرف البنك على أساس دراسة تقوم بها بحسب الملاءة المالية للعملاء.

وتابع قضوم أن الضوابط والشروط الجديدة للصكوك، أربكت معاملات العديد من العملاء، خصوصاً أصحاب الشركات في ظل أن العادات القديمة السابقة كانت تخول منح صكوك مؤجلة أو صكوك ضمان لأن العديد من المتعاملين ليست لديهم السيولة المالية الكافية لاقتناء مختلف مستلزمات الإنتاج أو التجهيزات.

القوانين الجزرية

في الأثناء، قال أستاذ الاقتصاد بالجامعة التونسية رضا الشكندالي إلى “اندبندنت عربية”، إن التونسيين اعتادوا على أن الشيك كوسيلة لتسهيل الدفع وليس كوسيلة للدفع الفوري، بالتالي يترسخ هذا المفهوم في ذاكرتهم ويصبح هو المفهوم المتداول وليس المفهوم الذي يدرس في الجامعات.

وأضاف “إذا كان التونسي لا يمكن له أن يستعمل الشيك كتسهيل للدفع ولا يمكن له كذلك أن يتحصل على قرض للاستهلاك فكيف يمكن له أن يستهلك؟، خصوصاً أن مقدرته الشرائية لا تسمح له بدفع المبلغ كاملاً”.

ووصف الشكندالي القانون الجديد للشيكات بـ”الكارثة” التي ستقضي على ما تبقى من فتات النمو الاقتصادي والذي تحقق في تونس في السنوات الماضية بفضل الاستهلاك الخاص.

وأشار إلى أن الغرض أن كل العائلات التونسية تلجأ إلى الشيك لتسهيل الدفع على أقساط، مضيفاً أن “التجارة ستكون المتضرر الأول، وإن توقفت التجارة فستتوقف كل القطاعات تباعاً، خصوصاً الموجهة منها إلى السوق المحلية أي إلى الاستهلاك”، قائلاً “من دون استهلاك سيكون الاقتصاد التونسي أكثر هشاشة وغير قادر على الصمود، إذ ستحكمه أكثر العوامل الخارجية المتعلقة بالتصدير وهي غير مضمونة”.

واقترح الشكندالي أن يدفع البنك المركزي البنوك التونسية إلى تصنيف عملائها تماماً كما تفعل مؤسسات الترقيم السيادي مع الدول، وأن تصنف البنوك العملاء من الجيد إلى السيئ بحسب عدد الشيكات غير المستخلصة وتقدم لهم دفاتر شيكات بألوان مختلفة، كاللون الأبيض للحريف الجيد واللون الأحمر للحريف السيئ.

مقترح لتمديد التداول بالشيكات

مع اقتراب موعد التطبيق، تسود حالياً في كافة الأوساط الاقتصادية والمالية في تونس حالة من التوجس والارتباك من الإجراءات الجديدة الخاصة بالشيكات وطرق الحصول عليها وكيفية تحديد قيمتها وإصدارها، حتى أن العديد من المتعاملين الاقتصاديين خصوصاً في قطاع التجارة والخدمات بدأوا في رفض التعامل بالشيكات، وتزايدت المطالب بضرورة تمديد تاريخ تطبيق الإجراءات الجديدة للشيكات، خصوصاً إثر تداول أخبار شبه مؤكدة أن المنصة الإلكترونية المزمع إنجازها لم تكتمل.

ولذلك، طرح عدد من نواب البرلمان مبادرة تشريعية جديدة تتعلق بمقترح تنقيح القانون عدد 41 لسنة 2024، مفادها إبقاء التداول بالشيكات المعمول بها حالياً حتى أغسطس (آب) 2025، بدلاً عن فبراير 2025 والعمل بها بالتوازي مع الصيغة الجديدة للشيك.

نقلاً عن : اندبندنت عربية