يُضطر الطاقم التمريضي في المملكة المتحدة إلى تقديم الرعاية للمرضى في الممرات ومخازن الأدوية ومواقف السيارات والمراحيض، حيث يكشف تقرير صادم كيف أن الأزمة الحالية في المستشفيات تتسبب في فقدان الأرواح.

وفي التفاصيل، تُرك المرضى يموتون في ممرات المشافي في حين لم يكن لدى الطاقم الطبي العاجز أي مكان آخر لوضعهم فيه، كذلك حصلت بعض الوفيات من دون أن يلاحظها أحد لساعات في وقت يكافح الطاقم الطبي لإدارة أجنحة المستشفيات المزدحمة بشكل هائل خلال موجة الإنفلونزا الشتوية.

وفي هذا السياق، أظهر استطلاع أجرته الكلية الملكية للتمريض (RCN) وشمل أكثر من 5 آلاف ممرض وممرضة من جميع أنحاء المملكة المتحدة أن تسعة من أصل 10 (91.5 في المئة) اضطروا إلى تقديم الرعاية للمرضى في أماكن غير مناسبة مثل الممرات مرة واحدة في الأقل في الشهر، في حين أن سبعة من أصل 10 منهم (66.8 في المئة) قدموا الرعاية في أماكن غير ملائمة بشكل يومي.

وقد ظهرت هذه الصورة القاتمة بعدما أعلن وزير الصحة ويس ستريتنغ أن المرضى تعرضوا “لخيبة أمل” جراء استمرار جعل الرعاية في الممرات أمراً طبيعياً وبسبب استغراق سيارات الإسعاف ساعات طويلة للوصول – لكنه لم يستطع أن يقطع وعداً بعدم تقديم العلاج في الممرات في الشتاء المقبل.

وفي هذا الإطار قال: “أريد أن أكون واضحاً بأنني لن أقبل أو أتسامح مطلقاً مع تلقي المرضى العلاج في ممرات المستشفيات. إنه أمر غير آمن ولا يليق بكرامة الإنسان، وهو نتيجة قاسية لـ14 عاماً من الفشل في هيئة الخدمات الصحية الوطنية، وأنا عازم على جعل ذلك من الماضي”.

وفي سياق متصل، كشف الوزير ستريتنغ عن أن 53 ألفاً من طاقم هيئة الخدمات الصحية الوطنية كانوا مصابين بالإنفلونزا خلال الأسبوع الأول من عام 2025 مما زاد الضغط على النظام الصحي.

ولكنه أضاف: “لا يسعني ولا يمكنني قطع وعد بأن المرضى لن يتلقوا العلاج في الممرات العام المقبل. سيستغرق الأمر بعض الوقت لإصلاح الضرر الذي لحق بهيئة الخدمات الصحية الوطنية”.

وفي غضون ذلك، قالت الأمينة العامة والرئيسة التنفيذية للكلية الملكية للتمريض، البروفيسورة نيكولا رينجر، إنها سمعت أدلة على أن كثيراً من المرضى يوضعون على الكراسي بدلاً من الأسرَّة المتنقلة، وأن المكان المسطح الوحيد المتاح لإجراء الإنعاش القلبي الرئوي “كان على الأرض”. وأضافت: “أصبح الأمر مجرد طريقة عادية بالنسبة إلى الطاقم التمريضي لرعاية المرضى: مرضى إضافيون أمام ماكينات بيع المرطبات والسكاكر وأمام مخارج الطوارئ. هذا ليس طبيعياً ويجب أن يتوقف بالكامل. فالمسألة ليست مجرد مسألة رعاية وحسب، بل هي مشكلة سلامة”.

ولدى سؤالها عما إذا كانت تلك الأزمة تتسبب في فقدان الأرواح، أجابت البروفيسورة رينجر: “ليس لدي أدنى شك في ذلك”.

وتتضمن بعض الاستنتاجات الصادمة الأخرى ما يلي:

– أشخاص يموتون جراء إصابتهم بسكتة قلبية في الممرات؛ توفي أحد المرضى قرب المرحاض.

– لم تُكتشف وفاة أحد المرضى إلا بعد مرور ساعات من وفاته.

– نقص الطاقم الطبي أدى إلى جلوس المرضى في ملابس وأغطية مبللة بالبول لساعات، بينما يُنظف المرضى الآخرون المصابون بسلس البول على مرأى من الآخرين.

– يتلقى المرضى العلاج في مخازن الأدوية وفي الجزء الخلفي من سيارات الشرطة وإلى جوار مراكز التمريض وفي المراحيض والسيارات ومواقف السيارات.

– تعرض الطاقم التمريضي للإساءة اللفظية أو التهديد بالأسلحة أو الضرب من قبل المرضى وعائلاتهم.

تحدثت ممرضة في قسم الطوارئ طالبةً عدم الكشف عن هويتها بسبب الطبيعة الحساسة للموضوع وقالت: “إن خطر وفاة المرضى وعدم ملاحظة ذلك مرتفع للغاية. الجميع متوترون… هناك أمور تُتجاهل. ليس بسبب رغبتهم في تجاهلها، بل بسبب حجم العمل الهائل الذي يجب عليهم إنجازه، مما يعني أنهم لا يستطيعون مواكبة جميع المهمات التي يتعين عليهم القيام بها.” وأشارت البروفيسورة رينجر إلى أن المسألة ليست مرتبطة بمستشفيات معينة بل هي أزمة تطاول النظام الصحي برمته. وأضافت: “يتطلب هذا تدخل الحكومة”. وفي هذا الإطار، تود الجمعية الملكية للتمريض من الحكومة أن تتخذ إجراءات فورية لتحسين الرعاية، رعاية الحالات الحرجة بما في ذلك من خلال نشر البيانات حول العدد الدقيق للمرضى الذين يتلقون الرعاية في هذه الظروف، فضلاً عن إعادة بناء القوى العاملة في التمريض.

وقالت البروفيسورة رينجر إن الإضراب العمالي هو “الملاذ الأخير” ولكنها حذرت من أن الطاقم التمريضي لن ينتظر إلى الأبد لرؤية التغيير. وتابعت: “ما نحتاج إلى إدراكه هو أنه إلى جانب أزمة رعاية المرضى في الممرات، هناك أزمة تمريض حقيقية في المملكة المتحدة. وقلقي الأكبر هو أنه إذا لم نعمل على حل هذه الأزمة، فلن يتحسن الوضع للمرضى أبداً. أنا ومعي كل الأعضاء في المجلس الإداري نتفق بصورة قوية في هذا الرأي”.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي هذا الصدد، اعتبرت هيلين مورغان، المتحدثة باسم الحزب الليبرالي الديمقراطي في مجال الصحة والرعاية الاجتماعية بأن التقرير “مروع”. وقالت: “مجرد التفكير في أن المرضى يتلقون الرعاية التي هم في أمسِّ الحاجة إليها في مواقف السيارات فيما يُترك المرضى الذين يُحتضرون لمصيرهم في الممرات يجب أن يجعلنا نشعر بالغثيان”. وتابعت مورغان أنه يجب على وزير الصحة أن ينشئ “خطة طوارئ” لتزويد المستشفيات بمزيد من الأسرَّة وتعزيز أعداد الطاقم التمريضي. وأضافت: “كان إرث حزب المحافظين في إهمال هيئة الخدمات الصحية الوطنية مخجلاً للغاية، ولكننا الآن بحاجة إلى أن نرى الحكومة وهي تتخذ خطوات جادة لإنهاء هذا الوضع الكارثي”.

وتحدث أفراد الطاقم التمريضي بأن الأزمة الحالية جعلتهم يشعرون “بالخجل” من مستوى الرعاية التي يقدمونها والطبيعة الخطرة في بعض الأحيان لبيئات عملهم، وأضافوا بأنهم يبحثون بصورة حثيثة عن فرصة لمغادرة هيئة الخدمات الصحية الوطنية.

وفي هذا السياق، قالت ممرضة في قسم الطوارئ التابع لأحد المشافي: “أبحث كل يوم عن وظيفة جديدة. غادر كثير من زملائي ولا ينوون العودة أبداً”.

وقالت ممرضة مشرفة أخرى إنها كانت تبحث “عن وظيفة أخرى” على رغم أنها تحب مهنة التمريض، فإن تأثير الأزمة في عائلتها وصحتها النفسية كان كبيراً للغاية.

ومن جهته، قال كبير مسؤولي التمريض في إنجلترا، دونكان بورتون، إنه يفهم كممرض مدى الإحباط الذي يشعر به الممرضون بسبب عدم قدرتهم على تقديم أفضل مستوى من الرعاية للمرضى. وقال: “أدت مستويات الطلب المتزايدة إلى وضع ضغوط شديدة على الخدمات الصحية وبخاصة خلال الأشهر الأخيرة، وترافق ذلك مع أحد أصعب فصول الشتاء التي شهدتها هيئة الخدمات الصحية الوطنية. إن التأثير الذي أحدثه ذلك في تجارب المرضى وطاقم العمل، بحسب ما كشف تقرير الكلية الملكية للتمريض، لا ينبغي اعتباره أبداً المعيار الذي تطمح إليه هيئة الخدمات الصحية الوطنية”.

 وأضاف: “لهذا السبب يمثل إرساء خدمة صحية مناسبة للمستقبل أولوية رئيسة بالنسبة إلهى يئة الخدمات الصحية الوطنية والحكومة، وتواصل هيئة الخدمات العمل الدؤوب لتقديم التحسينات في الرعاية العاجلة والطارئة للمرضى لطواقم عملنا.”

نقلاً عن : اندبندنت عربية