خسر السودان مصفاة نفط رئيسة بمنطقة الجيلي شمال مدينة الخرطوم بحري، وغطت سحب الدخان الأسود الكثيفة الداكنة الناجمة عن حريقها سماء مدينتي الخرطوم بحري وأم درمان صباح اليوم الخميس.

واتهم الجيش السوداني قوات الدعم السريع بتعمد حرق مصفاة الخرطوم للبترول في “مواصلة لما وصفه باستمرار سلوكها الإجرامي الحاقد على البلاد وشعبها”، وقال “بعد أن ضيقت عليها قواتنا الخناق بكل محاور القتال عمدت ميليشيات آل دقلو الإرهابية صباح اليوم إلى إحراق مصفاة الخرطوم بالجيلي في محاولة يائسة لتدمير بنيات هذا البلد، بعد أن يئست من تحقيق أوهامها بالاستيلاء على مقدراته وأرضه”.

وذكر بيان لمكتب المتحدث الرسمي باسم الجيش أن “هذا التصرف الحاقد يكشف عن مدى إجرام وانحطاط هذه الميليشيات قيادة وأفراداً ومساندين، ويوضح بجلاء مدى ضلوعها في ارتكاب كل أنواع الجرائم والانتهاكات غير المسبوقة في تاريخ الحروب بحق المواطن السوداني وممتلكاته”.

واندلعت معارك عنيفة بين الجيش السوداني و”الدعم السريع” في محيط مصفاة الخرطوم للبترول ومحطة قري الحرارية للكهرباء، والتصنيع الحربي بمنطقة الجيلي شمال العاصمة الخرطوم، وسط مخاوف كبيرة على مصير المنشآت النفطية والكيماوية ومستودعات الوقود ومحطات المعالجة الرئيسة.

اقتراب السيطرة

وتأسست مصفاة الخرطوم للبترول بمنطقة الجيلي شمال الخرطوم عام 1997، وبدأت الإنتاج الفعلي في عام 2000 وهي شراكة مناصفة بين الحكومة السودانية والشركة الوطنية للبترول الصينية بكلفة كلية قدرت بـ 6 مليارات دولار.

أوضحت مصادر ميدانية أن قوات الجيش والقوات المشتركة تجاوزت دفاعات “الدعم السريع” الرئيسة في محيط مصفاة نفط الخرطوم، وتقدمت نحو منشآت المصفاة ومناطق التصنيع الحربي ومحطة قري الحرارية لتوليد الكهرباء، في وقت ضيقت فيه قوات أخرى تقدمت عبر مسار الطريق البري الخناق على الميليشيات التي باتت شبه محاصرة داخل أسوار المصفاة.

وكشفت المصادر عن أنه من المتوقع أن يعلن الجيش السيطرة على مصفاة الجيلي في غضون أيام قليلة وقد أصبح الطريق ممهداً لتحريرها، بخاصة بعد أن أكمل فريق متخصص من سلاح المهندسين التابع للجيش إزالة حقل الألغام التي زرعتها الميليشيات حول المصفاة لمنع تقدم قوات الجيش.

وقالت “تنسيقية لجان مقاومة كرري” إن الدخان الأسود الكثيف غطى سماء مدينتي الخرطوم بحري وأم درمان بصورة غير مسبوقة بسبب شراسة المعارك والحريق في موقع مصفاة النفط.

وأفادت لجنة مقاومة منطقة قري أن مجموعات من “الدعم السريع” اقتادت أثناء محاولتها مغادرة المدينة السكنية للمصفاة ومحطة قري الحرارية 200 شخص من العمال وعائلاتهم هناك.

تهديدات دارفور

وفي محور دارفور تشهد مدينة الفاشر عاصمة الإقليم توتراً وهدوءاً حذراً وسط درجة استعداد قصوى وسط القوات المتحاربة هناك في أعقاب التحذيرات والمهلة التي حددتها “العدم السريع” بـ 48 ساعة لكل المقاتلين لمغادرة المدينة التي انتهت مساء أمس الأربعاء.

وكشفت مصادر محلية عن مغادرة عدد من موظفي المنظمات الأجنبية وبعض المواطنين للمدينة إلى المناطق المجاورة، وكانت “الدعم السريع” قد حذرت في بيان لها قبل يومين في ما سمته بـ “النداء الأخير” باسم قائد “الدعم السريع” كل القوات المسلحة داخل مدينة الفاشر بضرورة تسليم أنفسهم وأسلحتهم خلال 48 ساعة مع ضمان سلامتهم، وأنها لن تتهاون في التعامل بحسم رادع مع كل المسلحين داخل المدينة بعد انقضاء المهلة المحددة.

ورداً على تحذيرات وتهديدات الدعم السريع تحدّت قوات الجيش والفصائل المتحالفة معه قائد “الدعم السريع” باجتياح المدينة الفاشر خلال الفترة المحددة، ووصف تلك التحذيرات بأنها “فرفرة مذبوح”.

ونفى الجيش عبر حساباته على موقع “فيسبوك” ما تروج له “الدعم السريع” في شأن استسلام مجموعة من القوة المشتركة في معسكري أبو شوك والسلام غرب الفاشر، مؤكداً تماسك قواته وحلفائه من الحركات المسلحة والمقاومة الشعبية استعداداً لهزيمة “الدعم السريع” إذا واصلت الهجوم على المدينة.

من جانبها أعلنت القوات المشتركة لحركات دارفور المسلحة التي تقاتل إلى جانب الجيش استعدادها التام للتصدي والرد بحسم على أية محاولات هجوم جديدة من قبل “الدعم السريع” لاقتحام المدينة، مشددة على أن الفاشر ستظل عصية على الاجتياح بواسطة من سمتهم الغزاة.

وكان حاكم دارفور مني أركو مناوي قد كشف عن دعم عسكري كبير وصل لـ “الدعم السريع” عبر الحدود المشتركة مع ليبيا.

استعداد للردع

وأكد والي شمال دارفور الحافظ بخيت أن مدينة الفاشر ستظل عصية على المتربصين بها بفضل تماسك القوات المسلحة والقوة المشتركة والشرطة والمخابرات العامة وقوة الدفاع عن النفس (قشن) والمستنفرين التي هي في أكمل الاستعداد لردع كل من تسول له نفسه المساس بالمدينة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ووصف بخيت تحذيرات “الدعم السريع” بأنها تعبر عن حال الانهيار التي وصلت إليها، مردفاً في بيان له “نؤكد لكم عدم قدرة هذه الميليشيات على إسقاط الفاشر مهما كانت الظروف والمعطيات، وأن بيانهم المزعوم لا يعدو كونه يصب في إطار الحرب الإعلامية لرفع الروح المعنوية لبقايا قواتهم التي فرت مذعورة في الصحراء”.

في المقابل يؤكد بيان “الدعم السريع” أن متحركها الذي يحمل اسم “الطوفان” ألحق هزيمة كبيرة بالجيش والقوات في محور الصحراء وكبدتها خسائر فادحة في الأرواح والعتاد.

تحذير أممي

وأممياً حذرت الأمم المتحدة أمس الأربعاء من أخطار عدة تتهدد سلامة المدنيين في الفاشر بعد ورود تقارير تتحدث عن هجوم وشيك لقوات الدعم السريع على المدينة.

وعبر بيان للمتحدث باسم مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان سيف ماغانغو عن القلق العميق تجاه الإنذار الذي تطلب فيه “الدعم السريع” من قوات الجيش وحلفائه مغادرة الفاشر، مما يؤكد استعدادها لشن هجوم وشيك على المدينة.

وجدد البيان دعوة أطراف القتال إلى احتواء التوترات حول الفاشر واتخاذ خطوات عاجلة لضمان حماية سكانها المدنيين بما يتماشى مع التزاماتهما بموجب القانون الدولي.

وفي السياق اعتبر المتخصص في الشؤون العسكرية والأمنية اللواء أمن معاش عبدالهادي عبدالباسط أن تحرير مدينة ودمدني شكل ضربة قاصمة فتحت الباب لمزيد من الانتصارات في محوري الفاشر والخرطوم بحري والمدرعات.

تأمين الفاشر

وأوضح عبدالباسط أن دخول الجيش إلى مجمع الرواد السكني الذي يضم عشرات البنايات الشاهقة ومعقل “الدعم السريع” الذي تنطلق منه الهجمات المدفعية نحو المدرعات والأحياء والمناطق المحيطة بها سيفتح طريق الغابة لالتقاء قوات منطقة المقرن بالخرطوم نحو وسلاحي الذخيرة والمدرعات للالتقاء مع أم درمان، مما يجعل أهم المناطق وسط الخرطوم حيث القصر الجمهوري في متناول الجيش وعلى وشك التحرير.

وأوضح أن هناك تحركات قوية في محور دارفور وبخاصة حول مدينة الفاشر، لكنه لا يزال يتطلب مزيداً من الدعم وترتيب الأولويات لأن هذا المحور غاية الحساسية ولا يحتمل أي أخطاء، مشدداً على ضرورة تأمين الإمداد الكافي للقوات الموجودة هناك عبر الإسقاط الجوي المنتظم للمؤن والذخيرة.

ويستغرب المتخصص في الشؤون الأمنية من أنه وعلى رغم النجاحات التي تحققها قوات الجيش والقوات المشتركة لكنها في محور الصحراء، لكن كان يجب عليها أن تضغط في الوقت نفسه لفك حصار المدينة أو في الأقل توسيع دائرة تأمينها لوقف القصف المدفعي المتواصل علي الأحياء والأعيان المدنية حيث الأولوية الآن.

وسط الخرطوم

وطالب اللواء المتقاعد قوات الجيش بتكثيف الضغط وتسريع إيقاع حركتها في محور وسط الخرطوم بعد أن مر وقت طويل منذ نجاح الجيش في عبور الكباري نحوها، وأن عليه سرعة انتهاز الفرصة السانحة بعد الاستنزاف الكبير التي تعرضت له الميليشيات وأصبحت تعاني نقصاً في الإمداد البشري والذخيرة، مشيراً إلى أن سرعة حسم معركة وسط الخرطوم سيمثل انهيار لبقية قوات الميليشيات الموجودة في المدينة.

ويشير عبد الباسط إلى أن هناك تركيزاً كبيراً من جانب الميليشيات والدول الداعمة لها على إسقاط مدينة الفاشر، لأن ذلك من الأوراق التي ستعيدها للمفاوضات مرة أخرى، معتقداً أنه إذا جرى تحريك قوات في اتجاه مدينة الضعين عاصمة شرق دارفور معقل الميليشيات سيضرهم إلى سحب كثير من قواتهم لحمايتها، ولذلك فالعمل في هذا محور يحتاج إلى مراجعة أولوياته.

مشاورات مدنية

سياسياً أنهت القوى المدنية السودانية في العاصمة الكينية نيروبي اجتماعاتها بنيروبي بدعوات ملحة إلى إيقاف الحرب الإثنين المقبل مشاورات مهمة جمعت قوى سياسية ومدنية وشخصيات مستقلة، بتنظيم حركة جيش تحرير السودان بقيادة عبدالواحد محمد نور، وسط دعوات ملحة إلى إنهاء الحرب التي مزقت السودان وتسببت في كارثة إنسانية شاملة.

ودعا الاجتماع إلى تشكيل جبهة وطنية عريضة تعمل على تقصير أمد الحرب ومواجهة التحديات التي تهدد السودان بما في ذلك مخططات فلول النظام السابق، كما أشاد المشاركون بجهود كينيا بقيادة الرئيس وليام روتو لاستضافتها اللاجئين السودانيين ودعمها المستمر لجهود السلام.

واستعرض الاجتماع الذي انعقد خلال الفترة من الـ 19 و الـ 22 يناير (كانون الثاني) الجاري الأوضاع الحرجة التي يعيشها السودان في ظل تداعيات الحرب وما خلفته من عمليات لجوء ونزوح واسع النطاق بجانب المأساة الإنسانية والمجاعة والجرائم والانتهاكات الجسيمة بحق المدنيين.

جذور الأزمة

وأكد المجتمعون أهمية وقف الحرب فوراً ومعالجة جذور الأزمة السودانية عبر عملية سلام شاملة وعادلة وضرورة تكاتف السودانيين في مواجهة خطابات الكراهية والعنصرية، واستكمال مسار ثورة ديسمبر 2019 المجيدة.

ومنذ ما يقارب العام تواجه مدينة الفاشر حصاراً خانقاً بواسط قوات الدعم السريع التي تسعى إلى السيطرة على المدينة التي تعتبر آخر معاقل الجيش في إقليم دارفور بعد سيطرتها على أربع من أصل خمس من ولايات الإقليم.

ومنذ سبتمبر (أيلول) الماضي توسعت المواجهات بين الجيش بمساندة القوات المشتركة لحركات دارفور المسلحة، وصعدت “الدعم السريع” هجماتها على المدينة وتقول القوات المشتركة أنها تصدت لأكثر من 160 هجوماً على المدينة.

وتشهد الفاشر ظروفاً إنسانية بالغة التدني والتعقيد حيث يعيش فيها نحو مليوني شخص في ظل الحصار والمعارك العنيفة بين الجانبين وفي ظل الحرب الممتدة منذ أبريل (نيسان) 2023 بين الجيش “الدعم السريع”.

نقلاً عن : اندبندنت عربية