نفذ الأردن استدارة سريعة رداً على تجميد المساعدات الأميركية المقدمة له سنوياً، واتجه مباشرة إلى الاتحاد الأوروبي الذي بادر بدوره بتقديم حزمة مالية للمملكة بقيمة ثلاثة مليارات يورو ولمدة ثلاثة أعوام، وتوقيع اتفاقية شراكة استراتيجية شاملة، وذلك في أعقاب زيارة أجراها ملك الأردن إلى بروكسل.
وعلى رغم أن المساعدات الأميركية تشكل جزءاً رئيساً من الدعم المالي السنوي للأردن، وتسهم في تمويل مشاريع تنموية في مجالات التعليم والصحة والبنية التحتية، إلا أن ثمة تحركات رسمية جدية للحد من تداعيات القرار الأميركي وتنويع مصادر الدعم المالي وتعزيز شراكات الأردن الدولية، فهل تستطيع عمان تقليل اعتمادها على واشنطن في المستقبل، وهل يكون الاتحاد الأوروبي بديلاً لها؟
اليورو بدلاً من الدولار
وفقاً للاتفاقية الأردنية- الأوروبية، فإن ثلاثة مليارات يورو ستقدم للأردن للأعوام من 2025-2027، وتتضمن منحاً بقيمة 640 مليون يورو، واستثمارات بحجم 1.4 مليار يورو، ومخصصات لدعم الاقتصاد الكلي تقدر بنحو مليار يورو.
وقبل الإعلان عن حزمة المساعدات الأوروبية الجديدة كان الاتحاد الأوروبي يعد أحد أبرز المانحين للأردن، ففي 2021 قدم الاتحاد الأوروبي مساعدات مالية للمملكة بلغت نحو 700 مليون يورو، كما أسهم الاتحاد في دعم الأردن لمواجهة أزمة اللاجئين السوريين.
ولم يتضح بعد إن كانت هذه المساعدات الأوروبية قادرة على سد العجز الذي يسببه وقف المساعدات الأميركية والتي تمول بدورها نحو 35 في المئة من العجز المالي للحكومة الأردنية والبالغ نحو2.8 مليار دولار في 2024، بينما بلغ حجم المساعدات الأميركية الملتزم بها للأردن من منح وقروض ميسرة نحو أربعة مليارات دولار في عام 2022.
آثار اقتصادية
يقول مراقبون إن تجميد المساعدات الأميركية حتى لو كان مؤقتاً، فإنه سيترك آثاراً اقتصادية، كالعجز المالي وزيادة الاقتراض، ورفع الدين العام، إضافة إلى تداعيات أخرى كتراجع الاستثمار في المشاريع التنموية بقطاعات التعليم، والصحة، والبنية التحتية، مشيرين إلى مخاوف من امتداد التداعيات لاحقاً لتشمل بعض الضغوط على سعر صرف الدينار الأردني، في وقت يملك البنك المركزي الأردني احتياطيات تفوق قيمتها 17 مليار دولار.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ووجدت الحكومة الأردنية نفسها اليوم أمام تحد اقتصادي، بخاصة إذا كان تعليق المساعدات الأميركية سيمتد على الأمد الطويل، الأمر الذي يفرض عليها أيضاً تعزيز علاقاتها مع دول الخليج إلى جانب أوروبا، فضلاً عن ترشيد الإنفاق الحكومي والتقشف، وفتح قنوات استثمار مع الصين.
يصف وزير الشؤون الاقتصادية الأسبق يوسف منصور المساعدات الأوروبية للأردن بأنها دفعة للاقتصاد في ظل ظروف ومتغيرات سياسية واقتصادية كبرى دولياً، ومن شأنها أن تزيد حجم الصادرات الأردنية إلى أوروبا بنسبة 30 في المئة، كما ستخلق فرص عمل جديدة فضلاً عن تحسين مشاريع البنية التحتية، بخاصة أنه تم تحديد أكثر من 1.2 مليار يورو في مشاريع المياه والطاقة المتجددة والنقل.
تقليل المخاطر
يعتقد الباحث الاقتصادي معتز العطين أن المساعدات الأوروبية قد تعوض الفجوة المالية وتدعم الاستقرار الاقتصادي مما يقلل الاعتماد على المساعدات الأخرى المباشرة، مشيراً إلى أن “الأردن يتبع سياسة تقليل المخاطر والآثار السلبية الناجمة عن وقف الدعم أو التمويل الخارجي، واتفاقية الشراكة الشاملة مع الاتحاد الأوروبي خطوة جيدة في مواجهة وقف المساعدات الأميركية للأردن واستجابة جيدة ومختلفة، إذ كان لا بد من إيجاد بدائل لتقليل التأثير السلبي على الاقتصاد والاستقرار الداخلي”.
يدعو العطين أيضاً إلى إجراءات داخلية، كتعزيز الصناعات الوطنية وتحقيق الاكتفاء الذاتي وتقليل الاستيراد، ورفع تنافسية القطاعات الاقتصادية، وتحقيق اقتصاد قوي ومستدام بعيداً من الاعتماد على المساعدات بشكل رئيس والانتقال للإنتاج.
أكثر من مجرد اتفاقية
يقول مدير مركز الدستور للدراسات الاقتصادية، عوني الداوود، إن توقيع اتفاقية “الشراكة الاستراتيجية الشاملة” بين الأردن والاتحاد الأوروبي بعيداً من الجانب الاقتصادي على أهميته، هو تقدير لدور الأردن كشريك أساس في الشرق الأوسط ومنطقة المتوسط، ودوره المحوري في استقرار الإقليم.
يرى الداوود في المساعدات الأوروبية أنها تشكل منعة اقتصادية وتحفيزاً لاستثمارات القطاع الخاص، ودعم لقطاعات عديدة كالمياه والطاقة والتكنولوجيا وريادة الأعمال. كما أنها رسالة بأن الأردن يملك خيارات تعاون اقتصادي وتجاري متعددة، تقلل من آثار أي توقف أو تجميد لأية مساعدات، مهما كان مصدرها.
وأهمية هذه الحزمة على مدى ثلاث سنوات، بحسب الداوود أنها ستسهم في تنفيذ مشاريع كبرى، وسترفع معدلات النمو وستخلق فرص عمل. وهي أكبر حزمة مساعدات أوروبية منذ الاتفاقية التاريخية التي وقعت عام 1997، ودخلت حيز التنفيذ عام 2002 ولا تزال فاعلة.
كما يعول الأردن على اتفاقية الشراكة في زيادة حجم التبادل التجاري بين المملكة والاتحاد الأوروبي، حيث يبلغ حجم الصادرات الأردنية نحو 544 مليون دولار، مقابل نحو 3.6 مليار دولار من المستوردات.
ويرى الداوود أن أهم بند نصت عليه الاتفاقية في الجانب السياسي تأكيد أهمية “الوصاية الهاشمية” على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس.
نقلاً عن : اندبندنت عربية