مصطفي ﺳﻴﺮﺗﺶ المفتي العام في ﺟﻤﻬﻮرﻳﺔ اﻟﺒﻮﺳﻨﺔ واﻟﻬﺮﺳﻚ ﺳﺎﺑﻘًﺎ:

أعداء الإسلام يسعون لتدمير البنية التحتية للشرق الأوسط

 

فى ظل التحديات التى تواجه المسلمين فى أوروبا، والتغيرات الاجتماعية والسياسية المتسارعة، تبرز أهمية المؤسسات الدينية فى الحفاظ على الهوية الإسلامية وتعزيز القيم الأخلاقية.

«الوفد» التقت بالمفتى العام فى جمهورية البوسنة والهرسك سابقًا، الدكتور مصطفى سيرتش، الذى تحدث عن دور الفتوى، أثر الأزهر فى الخارج، وأهم التحديات التى تواجه المسلمين فى البوسنة، بالإضافة إلى رأيه حول القضية الفلسطينية. وهذا نص الحوار.

< كيف ترى دور الأزهر الشريف فى دعم المسلمين فى البوسنة؟

<< الأزهر كان ولا يزال المرجعية الأساسية للمسلمين فى البوسنة، فبعد انفصالنا عن الدولة العثمانية فى مؤتمر برلين عام 1878، وجدنا أنفسنا معزولين دينيًا، وكدنا أن نفقد هويتنا الإسلامية. لذلك، بدأنا فى بناء علاقة قوية مع الأزهر الشريف، واعتبرناه «الرئة» التى نتنفس بها.

معظم المفكرين والعلماء فى البوسنة تلقوا تعليمهم فى الأزهر، وأنا شخصيًا أزهرى، وكذلك المفتى العام الذى خلفنى. حتى الكتب والمناهج الدراسية الإسلامية فى البوسنة تعتمد على ما تعلمناه من الأزهر.

لهذا، يمكننى القول إن الأزهر ليس مجرد مؤسسة تعليمية بالنسبة لنا، بل هو جزء من قيمنا الروحية والأخلاقية.

< كيف تطور مفهوم الفتوى فى العقود الأخيرة، وما مدى تأثيرها على المجتمعات؟

<< الفتوى لم تعد مجرد رأى فقهى يصدره عالم دين فى المسجد، بل أصبحت مؤسسة ذات قيمة اجتماعية وسياسية وأخلاقية.

فى الماضى، لم يكن الحديث عن الفتوى شائعًا كما هو اليوم، لكن مع ظهور جماعات مثل داعش والتيارات المتطرفة، أصبح العالم كله مهتمًا بمفهوم الفتوى، حتى فى الدول الأوروبية، نجد أن السياسيين يتحدثون عن الفتاوى رغم أنهم لا يفهمون معناها الحقيقى.

فى السبعينيات، عندما كنت طالبًا فى الأزهر، لم يكن هناك اهتمام كبير بهذا المجال، أما الآن، فأصبح للفتوى دور محورى، خاصة فى مواجهة الخطابات المتشددة وضبط المرجعية الدينية للمسلمين فى الغرب.

< ما التحديات التى تواجه الفتوى فى البوسنة وسط المتغيرات الحديثة والتكنولوجيا؟

<< التحدى الأكبر هو تصحيح الفهم الخاطئ للفتوى، هناك من يعتقد أن الفتوى مجرد نصيحة دينية، بينما هى فى الحقيقة اجتهاد شرعى مستند إلى أصول علمية واضحة.

وفى البوسنة، تصدر الفتاوى من مؤسسات دينية معترف بها، مثل المشيخة الإسلامية والمدارس الإسلامية، لكن المشكلة تكمن فى انتشار الفتاوى غير الموثوقة على الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعى.

كما أن البوسنة دولة علمانية، والقوانين تُسنّ داخل البرلمان، ولكن النواب المسلمين يمكنهم العمل وفق القيم الإسلامية عند تبنيهم تشريعات جديدة.

ولا يوجد صدام بين الإسلام والعلمانية هنا، بل هناك تعايش وتنسيق بين الطرفين، رغم وجود بعض التيارات المتشددة التى تحاول التأثير على استقرار المجتمع.

< هل هناك قوانين تجرّم إصدار الفتاوى من غير المتخصصين فى البوسنة؟

<< حتى الآن، لا يوجد قانون رسمى يجرّم إصدار الفتاوى من غير المؤهلين، لكن هناك متابعة مستمرة لهذه الظاهرة.

والذين يروجون لفتاوى شاذة عبر وسائل الإعلام، تأثيرهم خطير لذلك، يجب التعامل معهم بحزم، لأن الفتاوى غير المنضبطة قد تثير الفتن وتؤثر سلبًا على المجتمع.

كما يقول المثل: «لا تستخف بعدو صغير، ولا بنار صغيرة، لأن كليهما يمكن أن يشتعل ويكبر» لذلك، لا يجب تجاهل هذه الظاهرة، بل مواجهتها بوعى ومسؤولية.

< كيف ترى موقف العالم الإسلامى من القضية الفلسطينية؟

<< القضية الفلسطينية ليست مجرد نزاع حديث، بل هى ممتدة لعدة قرون، ومع ذلك، نشهد اليوم ضغوطًا نفسية وسياسية هائلة تهدف إلى دفع المنطقة نحو حرب شاملة، وأعداء الإسلام لا يريدون فقط السيطرة على فلسطين، بل يسعون لتدمير البنية التحتية للشرق الأوسط بأكمله.

لذلك، تلعب مصر دورًا حاسمًا فى تحقيق الاستقرار، كونها قلب الشرق الأوسط، ومصر تعمل على الوساطة بين القوى الكبرى، وتحاول منع التصعيد، وهو أمر فى غاية الأهمية، كما أن هناك جهودًا دبلوماسية كبيرة تقوم بها دول أخرى مثل قطر.

القضية الفلسطينية ليست فقط للفلسطينيين، بل هى قضية إسلامية وإنسانية تهم جميع المسلمين. لا بد أن نوحد جهودنا، ونعمل على تحقيق الاستقلال الكامل لفلسطين، لأنه لا يمكن أن يكون هناك استقرار فى المنطقة دون حل عادل لهذه القضية.

< ما رسالتك للمسلمين فى العالم اليوم؟

<< رسالتى هى أن نتمسك بهويتنا الإسلامية، وأن نكون واعين بالتحديات التى تواجهنا، وأن نعتمد على مصادر موثوقة بدلًا من الفتاوى العشوائية المنتشرة على الإنترنت.

كذلك، علينا أن ندرك أهمية الوحدة والعمل المشترك، سواء فى الدفاع عن حقوق المسلمين أو فى بناء مجتمعات مستقرة ومتطورة، فالعالم يتغير بسرعة، وعلينا أن نكون جزءًا من هذا التغيير، ولكن دون أن نفقد قيمنا ومبادئنا الإسلامية.

 

نقلاً عن : الوفد