أثارت إعادة بناء ضريح مؤسس جماعة الحوثي حسين بدر الدين الحوثي، الحديث مجدداً عن ثقافة المزارات والقبور التي أنشأتها الميليشيات المدعومة من إيران كعادة دخيلة وغير مسبوقة في اليمن.
وكشفت الجماعة أخيراً عن الضريح الجديد للمؤسس الذي قتل على يد القوات الحكومية عام 2004 والذي ظهر بأشكال إنشائية ضخمة، مما أثار جدلاً بين اليمنيين في ظل الظروف الصعبة التي يكابدونها بفعل 10 سنوات من الصراع، فيما تداولت حسابات موالية للمليشيا على مواقع التواصل الاجتماعي صور الضريح الجديد الذي ينتصب على إحدى قمم جبال منطقة مرّان الشاهقة في محافظة صعدة، معقل الجماعة ومركز انطلاقتها، وأشادوا بمآثر صاحبه معتبرين نهجه قدوة.
ويُعدّ حسين بدر الدين الحوثي (1959- 2004) أحد زعماء الزيدية وقائد الميليشيات التي قاتلت القوات الحكومية في صعدة خلال ست حروب متقطعة منذ عام 2004 الذي شهد مقتله وحتى عام 2009 بداعي “الجهاد ضد الحكومة الموالية للولايات المتحدة” وفق أدبيات الجماعة، ليخلفه شقيقه، عبدالملك (46 سنة) في زعامة الكيان المنقلب على الدولة عام 2014.
وتبيّن الصور الضريح الذي أعيد بناؤه بأشكال إنشائية بارزة وقد أحيط بالنقوش والزخارف والكواشف الضوئية وسط ساحة واسعة تتقدمها ممرات جبلية مرصوفة ومزينة بالقباب المنقوشة على طريق الزائرين، إضافة إلى تحف ومجسمات مصغرة لمكان مقتله وصور لرفاقه الذين قضوا معه على يد مقاتلي الجيش اليمني.
تصنيم فكري
وفي عرف المتمردين المصنفين مؤخراً على لوائح الإرهاب الأجنبية من قبل الولايات المتحدة، تسعى الحوثية إلى إعطاء مؤسسها الذي تنعته بـ “شهيد القرآن” و “علم الهدى” نوعاً من القداسة والتبجيل الذي يحمل في مضامينه أبعاداً طائفية غير معهودة في البلاد على رغم تعدد المذاهب الدينية والفكرية منذ القدم.
ويقول المؤرخ ثابت الأحمدي إن “ثقافة الأضرحة لها ملمح فكري مهم في النهج الطائفي الذي يتبناه الحوثي وبتفكيكه نعرف لماذا يوجد التصنيم وبهذه الصورة المريعة”، ويوضح أن “صنمية المرجع، الولي، الفقيه، مبالغ فيها كثيراً من قبل الشيعة قديماً وحديثاً، لهذا يعمدون إلى بناء تلك الأضرحة والقباب التي يسمونها مراقد كترميز سياسي وفكري وعقائدي، مما نلاحظه في قبر مؤسس الميليشيات بمحافظة صعدة وقبر القيادي صالح الصماد الذي دُفن تحت نصب ميدان السبعين، الرمز الوطني للدولة الجمهورية التي أطاحت بحكم الأئمة الزيدية”.
وعقب مقتله في أبريل (نيسان) 2018 بغارة جوية شنتها مقاتلات التحالف العربي المساند للحكومة الشرعية في مدينة الحديدة (غرب)، دفن الحوثيون القيادي صالح الصماد تحت النصب التذكاري لميدان السبعين في العاصمة صنعاء، مما سبب سخطاً واسعاً في أوساط اليمنيين جراء تحويل ساحة العروض التاريخية خلال المناسبات الوطنية من معلم يحمل رمزية الثورة اليمنية إلى قبر خاص لأحد شخصياتها بنمط طائفي، ليعتبر ناشطون أنه “انتهاك لرمزية المكان وخصوصيته”. وأحاطت السلطة الموالية للجماعة المكان بحراسات مشددة وقللت حركة السير إلى جواره، فضلاً عن إجراءات التفتيش للعربات المارة.
وتنتصب في هذا المعلم التذكاري للجندي المجهول، ستة أعمدة تجسد أهداف الثورة اليمنية، إذ جرت العادة في المناسبات الوطنية وضع أكاليل الزهور عليها من قبل الشخصيات السياسية الاعتبارية.
تمايز الموتى
ويشير الأحمدي إلى أن “الحوثيين سنوا عادةً طائفية دخيلة حتى في المقابر، وهي التعامل مع الأموات بتمايز طبقي وسلالي”، ويوضح أن “مقابر طبقة من ينسبون أنفسهم لبيت النبوة ويسمون في أدبياتهم ‘القناديل’، وهم السادة والأسر المرموقة، تتميز مقابرهم المزينة والفخمة عن مقابر العوام من أبناء القبائل اليمنية ومن يسمونهم ‘الزنابيل’، فتختلف في الشكل والتصميم”.
ويرى أن “تزيين المقابر ومنحها نوعاً من القداسة محاولة لخداع البسطاء بالمكانة التي نالوها لدفعهم إلى جبهات القتال”.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولا تخفي الجماعة حملاتها التوسعية في المقابر، والشهر الماضي دشنت وسط حشد من الميليشيات مقبرة جديدة في محافظة المحويت، حيث قصّ القيادي عزيز الهطفي شريط افتتاح المقبرة التي وصفها النشطاء بـ”المنجز النموذجي الجديد” للمتمردين.
تشديد ومقارنة
وتؤكد مصادر محلية في محافظة صعدة أن الميليشيات فرضت حراسات مشددة على مداخل الطرق والبوابات الموصلة إلى ضريح المؤسس المستحدث، مع إجراءات التأكد من هوية الزائرين، ضمن ما تفرضه من دورات طائفية تلزم بها موظفي الدولة بعد أن تهددهم بالفصل في حال عدم زيارتهم للضريح والدعاء لصاحبه والتعهد بمواصلة المشوار الذي بدأه بقسم علني تفرضه عليهم.
وسبق وأقرت الجماعة الحوثية تحديد يوم في الأسبوع لتقديم محاضرات طائفية في مختلف كليات الجامعات والمدارس ومقار الأعمال والمنتديات الجماهيرية عبر مشرفيها الثقافيين وفق أدبيات المؤسس.
وذكر المصدر أن التشديد الأمني الذي تفرضه الميليشيات ناتج من خشيتها جراء تنامي الرفض المجتمعي لتحويل القبور إلى مزارات طائفية تؤسس لثقافة دخيلة وغير معهودة في البلاد، علاوة على ما بينته صور الضريح من استدعاء طائفي يكرس ثقافة الأضرحة التي تستفز اليمنيين الذين ترفض الجماعة صرف مرتباتهم أو الكف عن سياسة القمع الذي تنتهجه بحقهم.
وهذا الاستدعاء دفع بعضهم إلى إجراء مقارنات بين ضريح مؤسس الجماعة الحوثية، وقبور ملوك وزعماء عرب خدموا شعوب بلدانهم، بينما قدم الحوثي لشعبه “ثقافة الموت” على حد تعبير سفير اليمن السابق لدى سوريا عبدالوهاب طواف الذي قال إن الحوثي نجح “في تحويل اليمن السعيد إلى بلاد حزينة، تتصاعد منها الأدخنة، طاردة للحياة وجاذبة للحروب”.
الحياة تضيق بالقبور
وعمدت الميليشيات الحوثية إلى إضفاء الهالة الدينية والقداسة على مقابر قتلاها من خلال تسميتها “روضة الشهداء” وهي التسمية ذاتها التي تستخدمها الأذرع الإيرانية في المنطقة كـ “حزب الله” اللبناني و”الحشد الشعبي” في العراق، مع تكثيف تصوير موتهم “بالشرف والجهاد والبطولة” التي نالوها دون غيرهم، داعية الشباب إلى نيل “هذا الشرف”.
وعلى مدى الأعوام الماضية، تداول النشطاء ورواد مواقع التواصل الاجتماعي صوراً لمقابر مستحدثة في مناطق سيطرة الحوثيين تتوزع أكبرها ضمن مناطق متفرقة في العاصمة صنعاء وباقي المحافظات التي تسيطر عليها في صعدة وعمران وحجة وذمار والمحويت وإب وغيرها في مؤشر على ارتفاع أعداد ضحايا الحرب.
ووفق بيانات متداولة، أنشأت الجماعة في صنعاء عشرات المقابر الجديدة في كل من أحياء الجراف والسواد وبيت بوس والسبعين ومقبرة الخلود في حي السنينة وبني الحارث وشعوب ومذبح وجدر وشارع الخمسين. كما دشنت قبل أعوام مقبرتين جديدتين خلف مبنى وزارة الخارجية في شارع الستين بصنعاء، وأخرى داخل حديقة نادي ضباط الشرطة، بتمويل عبر مؤسسة “الشهداء” والهيئة العامة لرعاية الشهداء التابعتين للجماعة.
وشملت أعمال بناء المقابر إنشاءات تجميلية دخيلة من بينها الأسوار والأرصفة الخاصة بالزوار والنوافير والحدائق الجانبية وأشجار الزينة والأعشاب العطرية، إضافة إلى طلاء القبور باللون الأخضر تجسيداً للهوية الطائفية التي تعتنقها مع نشر صور القتلى على أسوارها وفوق شواهد الأضرحة.
“مزارات” على رغم الفاقة
وعلى رغم ما يكابده ملايين الجياع والمشردين في اليمن مع رفض الحوثيين القاطع صرف مرتبات الموظفين في المناطق الخاضعة لسيطرتهم منذ ثمانية أعوام، فإن الميليشيات تواصل إجبار الموظفين الحكوميين على تنظيم زيارات جماعية لأضرحة قادتها.
ووفقاً لسكان في العاصمة صنعاء، فإن مسلحي الحوثي عبر مشرفيهم وعقال الحارات يجبرونهم على تنظيم زيارات جماعية لزيارة المقابر وضريح القيادي الصماد الذي كان يشغل رئاسة الكيان السياسي للجماعة، وتوعدوا المتغيبين بإضافتهم إلى القوائم السوداء التي بموجبها سيحرمون من حصتهم من الغاز المخصص لكل منزل.
نقلاً عن : اندبندنت عربية