لم تعدل مؤسسات التصنيف الائتماني كثيراً في توقعاتها وتقديراتها للاقتصاد العالمي العام المقبل، في الأقل حتى نهاية الربع الأول من 2025، وذلك بسبب عدم اليقين المحيط بسياسات الإدارة الأميركية الجديدة للرئيس المنتخب دونالد ترمب وتأثيرها ليس في أكبر اقتصاد في العالم وحسب، وإنما على معظم دول العالم ومن ثم الاقتصاد العالمي كله.
وتنتظر تلك المؤسسات وغيرها من شركات الاستشارات والبنوك الاستثمارية ما سيحدث مع تولي الإدارة الجديدة السلطة في الـ20 من يناير (كانون الثاني) 2025، قبل أن تستطيع تقدير توقعات النمو ومن ثم الوضع الائتماني، لذا أصدرت مؤسسة “ستاندرد أند بورز” تقريرها لنهاية العام حول توقعات الربع الأول من العام المقبل 2025 تحت عنوان “استعدوا” من دون توصل تحليلاتها إلى مؤشرات واضحة على أي تغيير في وضع الاقتصاد العالمي.
على رغم أن نتائج السياسات الأميركية تظل غير معروفة، لكن خلاصة التقرير هي “زيادة الأخطار السلبية على الاقتصاد العالمي بدرجات غير معروفة بعد”.
فالقراءة الأولية للسياسات الأميركية المعلنة حتى الآن أن تأثيرها في فرص النمو محدود جداً، مع ارتفاع الضغوط التضخمية واحتمالات توقف مجلس الاحتياط الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) عن مسار خفض الفائدة أسرع من المتوقع من قبل.
وسيؤدي ذلك إلى عودة تشديد السياسات النقدية والمالية وارتفاع قيمة الدولار الأميركي “ومزيد من التعقيد للمؤشرات الكلية للاقتصادات المختلفة حول العالم”.
استمرار التقديرات الحالية
وبغض النظر عن تطبيق الإدارة الأميركية الجديدة تعهداتها للسياسات الاقتصادية المالية والتجارية وفي شأن الهجرة بصورة كاملة أو جزئية وفي أي وقت فإن احتمالات نهاية حقبة الإنفاق الاستهلاكي القوي والطلب الجيد في سوق العمل كبيرة.
ويظل التقدير للاقتصادات الثلاثة الكبرى في العالم على ما هو عليه وفي المقدمة الاقتصاد الأميركي الذي حقق نمواً ربع سنوي 2.8 في المئة في الربع الثالث من العام الحالي.
وإن كان أقل بصورة طفيفة من معدل النمو في الربع الثاني من العام المقبل، فإن الإنفاق في قطاع الخدمات والطلب على العمالة يظل قوياً.
حتى الآن، يظل معدل نمو ثاني أكبر اقتصاد عالمياً في الصين أقل من نسبة النمو المستهدفة رسمياً عند خمسة في المئة.
ويعكس ذلك المشكلات التي يواجهها الاقتصاد الصيني نتيجة أزمة القطاع العقاري، إلا أن التأثير الكامل لحزم التحفيز الأخيرة التي قدمتها السلطات الصينية يظل لم يظهر بعد.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبالنسبة إلى اقتصاد دول الاتحاد الأوروبي فالمتوقع، كما هو من قبل، أن يواصل النمو البطيء متفادياً الركود، وحقق الناتج المحلي الإجمالي الأوروبي نسبة نمو ربع سنوية عند 1.6 في المئة للربع الثالث من هذا العام.
ويواصل معدل التضخم في الاقتصادات الكبرى الاقتراب من النسبة المستهدفة وإن كان تباطأ انخفاضه أو عاد إلى الارتفاع الطفيف أخيراً.
وإن كانت البنوك المركزية ستواصل خفض أسعار الفائدة إلا أنها ستتوقف أقرب مما كان مقدراً من قبل لذا ستظل كلفة الاقتراض عالية.
وكان البنك المركزي الكندي في مقدمة البنوك المركزية في الاقتصاد الكبرى في خفض سعر الفائدة، بمعدل 1.25 في المئة خلال العام الحالي 2024، بينما خفض “الفيدرالي” الفائدة 0.75 في المئة وخفض بنك إنجلترا (المركزي البريطاني) نسبة الفائدة بمقدار 0.5 في المئة هذا العام، أما البنك المركزي الأسترالي فهو الاستثناء إذ لم يخفض الفائدة هذا العام.
سعر الفائدة والنمو
وبدأت الأسواق بالفعل إعادة النظر في تقديراتها لخفض سعر الفائدة، إذ تتوقع الآن ألا يخفض “الفيدرالي” سعر الفائدة عن 3.9 في المئة، بينما كانت التقديرات السابقة بخفض أكبر حتى 2.9 في المئة.
وبالتوازي مع ذلك ارتفع العائد على سندات الخزانة الأميركية المتوسطة الأجل لمدة 10 أعوام في الأشهر الأخيرة، إذ وصل إلى 4.5 في نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي من 3.8 في المئة لسبتمبر (أيلول) 2024.
ونتيجة تعديل توقعات خفض سعر الفائدة واصل الدولار الأميركي زيادة قيمته مقابل العملات المهمة الأخرى، وبحسب مؤشر “دي إكس واي” ارتفع سعر صرف الدولار الأميركي منذ نهاية سبتمبر الماضي حتى الآن سبعة في المئة لتصل قيمته إلى مستويات لم يصل إليها منذ عقدين تقريباً.
ونتيجة عدم اليقين وبانتظار سياسات الإدارة الأميركية الجديدة ونتائجها، أبقت “ستاندرد أند بورز” على تقديراتها السابقة لنمو الناتج المحلي الإجمالي في الاقتصادات الكبرى والاقتصاد العالمي، في الأقل حتى نهاية الربع الأول من العام المقبل 2025.
وحسب السيناريو الأساس لتوقعات نمو الناتج المحلي الإجمالي تتباين أوضاع الاقتصادات الكبرى والصاعدة، فبالنسبة إلى الولايات المتحدة سينمو الاقتصاد اثنين في المئة أو أقل قليلاً العام المقبل قبل أن يعاود الارتفاع، ويشهد اقتصاد منطقة اليورو نمواً حثيثاً حتى لو بمعدلات بطيئة، إما الصين فتشهد نمواً أربعة في المئة نتيجة تأثير فرض الرسوم والتعرفة الجمركية الأميركية.
ومن المتوقع أن يحقق الاقتصاد الياباني العام المقبل نمواً عند واحد في المئة ويحقق الناتج المحلي الإجمالي في بريطانيا نمواً 1.5 في المئة، تظل الهند في مقدمة الاقتصادات الأسرع نمواً وإن تباطأ معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي إلى أقل قليلاً من سبعة في المئة في الأعوام المقبلة، على أن يصل نمو الاقتصاد في البرازيل والمكسيك إلى اثنين في المئة وفي جنوب أفريقيا إلى 1.5 في المئة.
مخاوف الحمائية
تلك السيناريوهات الأساسية لتوقعات نمو الناتج المحلي الإجمالي لم تتغير، لكنها عرضة للتغيير في الأشهر المقبلة، نتيجة سياسات الإدارة الأميركية الجديدة.
ويتوقع التقرير أن تكون الأضرار على الدول الصاعدة والنامية متباينة الحجم والنطاق.
وتظل هناك مخاوف في شأن وضع الاقتصاد العالمي ككل في حال رد الاقتصادات الأخرى على الإجراءات الأميركية باتخاذ سياسات عقابية مضادة.
وفي تلك الحال ستكون الأضرار أكبر على الاقتصادات الصاعدة والنامية حول العالم، إلا أن معظم التوقعات تشير إلى أن يكون تطبيق الإدارة الأميركية الجديدة لتهديداتها متواضعاً، باستثناء الرسوم والتعرفة الجمركية على الصادرات الصينية.
مع ذلك تبقى المخاوف من موجة سياسات حمائية متصاعدة لا تضر بالتجارة العالمية، وحسب بل أيضاً بفرص النمو في كثير من الدول، خصوصاً تلك التي تعتمد في دخلها على عائدات الصادرات التي تحتاج إلى استثمارات خارجية مباشرة كبيرة لتحقيق النمو الاقتصادي.
نقلاً عن : اندبندنت عربية