تظهر آخر بيانات استطلاعات الرأي أن شعبية الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي التي كانت في انخفاض متواصل خلال الأشهر الأخيرة عاودت الارتفاع من جديد الأسبوع الماضي بفضل الرئيس الأميركي دونالد ترمب الذي وصف زيلينسكي بأنه “ديكتاتور بلا انتخابات”، وأرسل أركان إدارته سراً إلى كييف للبحث عن بديل له بين منافسي ومعارضي الرئيس الأوكراني المنتهية ولايته، فيما واصل هو تهجمه عليه منذ حادثة الشجار الأخير الذي وقع بينهما في المكتب البيضاوي في الـ28 من فبراير (شباط) الماضي.

وعقب المشادة أجرت شركة علم الاجتماع البريطانية “سورفيشن” استطلاعاً للرأي أظهر أن 44 في المئة من المشاركين كانوا خلال الأسبوع الأخير على استعداد لدعم زيلينسكي في الانتخابات الرئاسية. ومع أنه من المستحيل راهناً إجراء انتخابات في أوكرانيا بسبب الأحكام العرفية الحالية، فإن التقارير الأخيرة تشير في الوقت نفسه إلى أن أقرب منافس لزيلينسكي هو القائد السابق للقوات الأوكرانية والسفير الأوكراني الحالي لدى لندن فاليري زالوجني الذي يتخلف عن منافسه بفارق يزيد على 20 نقطة مئوية، فيما حصل الرئيس السابق بيترو بوروشينكو على تأييد 10 في المئة من المشاركين، في حين حصلت رئيسة الوزراء السابقة يوليا تيموشينكو على 5.7 في المئة فقط.

وعندما طلب موقع “بوليتيكو” من حزب “التضامن الأوروبي” الذي يتزعمه بيترو بوروشينكو التعليق على الاتصالات التي يجريها معه مقربون من الرئيس الأميركي لمنافسة زيلينسكي في الانتخابات الرئاسية العتيدة، قال الحزب إنه لا يدعو إلى فرض الانتخابات، لكنه يسعى إلى ضمان إجراء انتخابات حرة ونزيهة في البلاد بعد الصراع.

تشمل القائمة الموسعة للمرشحين رئيس إدارة الاستخبارات الرئيسة كيريل بودانوف والقائد الأعلى السابق للقوات المسلحة الأوكرانية فاليري زالوجني الذي تورط بالفعل في اتهام ترمب بتدمير الغرب الجماعي والنظام العالمي، ولكن يمكن أن يغير رأيه في أية لحظة، وحتى أقرب مساعدي زيلينسكي، رئيس كتلة خادم الشعب في البرلمان الأوكراني ديفيد أراخميا.

تنافس على التعاون مع واشنطن

أعلن مدير المعهد الأوكراني للسياسة رسلان بورتنيك أن بعض المجموعات السياسية في البلاد أصبحت أكثر نشاطاً، عقب تواصل مبعوثي ترمب معها. وأضاف أن هذه المجموعات تسعى إلى إقامة علاقات غير رسمية والاستفادة من الاتصالات القائمة مع الحزب الجمهوري ودائرة ترمب وإظهار الرغبة في التعاون مع واشنطن.

وأكد بورتنيك أيضاً أن النخبة الأوكرانية تدرك جيداً أنه من دون الدعم الأميركي لن تتمكن أوكرانيا من البقاء على قيد الحياة.

وأعرب رئيس لجنة الشؤون الدولية في البرلمان الأوكراني أوليكساندر ميريزكو عن رأيه في تعليق لموقع “بوليتيكو” بأن ترمب ليس مهتماً حقاً بقضية الانتخابات الرئاسية في أوكرانيا، وقال إن “بوتين يريد القضاء على زيلينسكي لأنه رمز لمقاومتنا”.

منافسو زيلينسكي

طبعاً لدى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي عديد من المنافسين الطامحين لخلافته في رئاسة البلاد، ولكن في حقيقة الأمر لا يمكن اعتبارهم معارضين له، إذ يتبنون السياسات ذاتها التي يؤمن بها ويمارسها في مواجهة روسيا، لكن بمجرد بدء السباق إلى الكرسي الرئاسي سينضم عديد منهم، كما يقول عالم السياسة دميتري جورافليف إلى صفوف معارضيه ومنافسيه على رئاسة البلاد.

 

 

وقال المتخصص السياسي إنه إذا ترشح زيلينسكي في الانتخابات، فسيكون القائد الأعلى السابق للقوات المسلحة الأوكرانية فاليري زالوجني السفير الأوكراني الحالي لدى بريطانيا أخطر منافسيه. وبحسب قوله فإن رئيسة الوزراء السابقة وزعيمة كتلة “باتكيفشينا” يوليا تيموشينكو قد تصبح منافسة ثانية له أيضاً.

وأشار المتخصص أيضاً إلى شعبية عمدة العاصمة كييف فيتالي كليتشكو، ويعتقد أنه قد يصبح المرشح المناسب للاتحاد الأوروبي لأنه لا يوجد لدى القارة الأوروبية مرشح خاص. وأضاف، “زيلينسكي كفرد ليس لديه في الواقع كثير من المؤيدين، هناك قوى تؤيد استمرار الحرب، وهي تؤيد زيلينسكي الآن، ولكن غداً قد تؤيد أيضاً بوروشينكو، الذي دافع أيضاً عن استمرار الحرب، وزالوجني، لأنه القائد الأعلى السابق، وقد يؤيد أنصار السلام تيموشينكو”.

وبحسب رأيه لا يمكن لزيلينسكي الفوز إلا إذا أصبح المرشح الوحيد للحرب، وعندها ستضطر أوروبا إلى الالتفاف حوله.

أخطر المنافسين

أجمعت مصادر عدة متقاطعة بما فيها مصادر أوكرانية مطلعة، على أن الاتصالات التي أجراها مبعوثو ترمب للبحث عن بديل لزيلينسكي، شملت القائد الأعلى السابق للقوات المسلحة الأوكرانية، فاليري زالوجني، الذي يحظى بشعبية كبيرة تمكنه من منافسة زيلينسكي، لكن هذا الجنرال الذي يشغل حالياً منصب سفير أوكرانيا لدى المملكة المتحدة، هاجم في السادس من مارس (آذار) الجاري الرئيس الأميركي بشدة، وقال إن الإدارة الحالية تدمر النظام العالمي وتثير تساؤلات حول وحدة العالم الغربي.

وبحسب استطلاع للرأي أجراه معهد كييف الدولي لعلم الاجتماع في فبراير الماضي، فإن 57 في المئة من الأوكرانيين يثقون في زيلينسكي، مقارنة بـ37 في المئة لديهم الرأي المعاكس، وفي ديسمبر (كانون الأول) الماضي، كانت شعبية زيلينسكي أقل بنحو 5 نقاط مئوية.

لكن استطلاع رأي أجراه معهد “سوسيس” في يناير (كانون الثاني) الماضي أظهر أنه إذا أجريت انتخابات رئاسية في أوكرانيا في المستقبل القريب، فإن زالوجني سيحصل على دعم 36.1 في المئة من الناخبين، وزيلينسكي على 24.3 في المئة، وفي فبراير 2025 قفزت الأرقام بالنسبة إلى القائد الأعلى السابق للقوات المسلحة الأوكرانية، وبعد الخلاف في البيت الأبيض، ارتفع مستوى الثقة في زيلينسكي إلى 49 في المئة بدلاً من 23 في المئة في الأسبوع السابق، بحسب مركز “غرادوس” للأبحاث.

البحث عن بديل

أعلن زيلينسكي عن إقالة زالوجني في فبراير 2024، لكن ينظر إلى قرار زيلينسكي باستبدال زالوجني جزئياً على أنه محاولة للقضاء على منافس سياسي، على رغم أن المسؤولين الأوكرانيين لم يفسروا الأمر بهذه الطريقة.

وفي وقت سابق من الشهر الماضي قال المبعوث الخاص لترمب إلى أوكرانيا وروسيا، كيث كيلوغ، إن الانتخابات التي تأجلت بسبب النزاع المسلح “يجب أن تعقد”، وفي وقت لاحق، أبدى ترمب عدم رضاه عن تقدم مفاوضات صفقة المعادن النادرة وخطاب زيلينسكي، ووصفه بأنه “ديكتاتور بلا انتخابات” يتمتع بدعم منخفض.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وعلى هذه الخلفية، وكما ذكر موقع “بوليتيكو”، أجرى ممثلون عن فريق ترمب محادثات غير علنية مع رئيسة الوزراء السابقة وزعيمة حزب “باتكيفشينا” يوليا تيموشينكو وأعضاء رفيعي المستوى في حزب “التضامن الأوروبي” الذي يتزعمه الرئيس الأوكراني السابق بيترو بوروشينكو، وممثلين آخرين من النخبة الأوكرانية.

وقالت “بوليتيكو” إن “المناقشات ركزت على ما إذا كانت أوكرانيا قادرة على إجراء انتخابات رئاسية بسرعة”، وإن “مساعدي ترمب واثقون من أن زيلينسكي سيخسر الانتخابات بسبب إرهاق الحرب والاستياء العام من الفساد المستشري”.

وأكدت مصادر في الدوائر السياسية الأوكرانية والبرلمان الأوكراني أن ممثلي الرئيس الأميركي ترمب يتفاوضون مع معارضي فولوديمير زيلينسكي، في المقام الأول مع القائد الأعلى السابق للقوات المسلحة الأوكرانية فاليري زالوجني، بحسب ما كتب موقع “سترانا” الأوكراني.

ونقل الموقع عن مصدر قوله “الأميركيون يتواصلون الآن مع الجميع، يركز حلفاء ترمب حالياً اهتمامهم على عدة شخصيات منهم فاليري زالوجني، الذي قد يهزم زيلينسكي في الانتخابات وفقاً للتقييمات، ورئيس بلدية كييف فيتالي كليتشكو، وهو أحد القلائل في النظام الحكومي الذين ينتقدون رئيس البلاد، وكذلك رئيس إدارة الاستخبارات الرئيسة كيريل بودانوف ورئيس فصيل خادم الشعب ديفيد أراخميا”.

وأضاف موقع “سترانا” أن الولايات المتحدة تريد بهذه الطريقة تنظيم ضغوط داخلية على زيلينسكي لدفعه إلى الموافقة على وقف إطلاق النار، وإضافة إلى ذلك يختبر الأميركيون من يمكنهم الاعتماد عليه بعد انتهاء الصراع، نظراً إلى أن البيت الأبيض متشكك في زيلينسكي.

رؤية روسية

مدير مركز التحليل التطبيقي للتحولات الدولية في جامعة الصداقة بين الشعوب فيتالي دانيلوف علق على الاتصالات الأميركية بالمعارضين في أوكرانيا قائلاً “ما تناقشه أميركا لم يعد سراً”، واستبعد تغيير أي شيء بالنسبة إلى روسيا حال تحدثنا عن ترشيح بوروشينكو أو تيموشينكو، موضحاً “لقد تم استبعاد كليهما، بوروشينكو وتيموشينكو، منذ فترة طويلة، إنهم يمثلون كتلة معادية لروسيا حصرياً، إنهم مقيدون بأموالهم، والأسوأ من ذلك كله، مقيدون بعالمهم الداخلي وأفكارهم تجاه الغرب، مضيفاً “أصبح من الواضح لنا أن التشكيلة الناشئة ليست في صالحنا”.

وقال خبير أميركي جمهوري بارز في شؤون السياسة الخارجية طلب من “بوليتيكو” عدم الكشف عن اسمه “على رغم أن تيموشينكو وبوروشينكو قد أعلنا معارضتهما لإجراء الانتخابات قبل انتهاء القتال، فإن رجالهما يتواصلون مع محيط ترمب، ويقدمون أنفسهم كأشخاص سيكون التعامل معهم أسهل، ويمكنهم الموافقة على عديد من الأمور التي يرفضها زيلينسكي”.

اختراق أميركي

ناقشت إدارة ترمب المصير السياسي المستقبلي لفولوديمير زيلينسكي، لكنها لم تتطرق مسألة إلى إجراء الانتخابات بحد ذاتها، ولكي يتم تمرير قرار إجراء انتخابات رئاسية، يتعين أولاً رفع الأحكام العرفية بتصويت البرلمان الأوكراني، حيث يملك بوروشينكو وتيموشينكو معاً نحو 50 مقعداً من أصل 450 مقعداً، لذا فهما لا يشكلان عوناً يعول عليه للأميركيين في تنظيم الانتخابات.

وقال إيلون ماسك، وهو أقرب مساعدي ترمب، أكثر من مرة، إنه “على زيلينسكي أن يستقيل، ليس فقط لأنه كان وقحاً مع ترمب وأصبح غير مرغوب فيه، بل لأن الأميركيين يحتاجون إلى رئيس يمكن التنبؤ بتصرفاته ولا يتظاهر بأنه رجل عالمي، بل يفعل ما يقال له”.

وأعلن زعيم حزب “التضامن الأوروبي” بيترو بوروشينكو أن فريقه ضد إجراء انتخابات رئاسية في أوكرانيا أثناء الحرب، وكتب “فيسبوك” في السادس من مارس الجاري “الانتخابات الرئاسية في أوكرانيا لا يمكن إجراؤها قبل 180 يوماً من انتهاء الأحكام العرفية، وهو ما يسبقه وقف إطلاق النار وتوقيع اتفاق سلام مع ضمانات أمنية”.

 

 

وعلقت زعيمة حزب “باتكيفشينا” يوليا تيموشينكو أيضاً على المعلومات حول “المفاوضات السرية” مع الولايات المتحدة في منشور على “فيسبوك” قالت فيه “حتى هذه اللحظة لا يمكن الحديث عن إجراء أي انتخابات في أوكرانيا”.

من جهتها تراقب روسيا باهتمام الاختبارات التي ينظمها الأميركيون، إذ قال النائب الأول لرئيس لجنة الشؤون الدولية في مجلس الاتحاد الروسي (مجلس الشيوخ) فلاديمير جباروف خلال مقابلة مع إذاعة “موسكو تتحدث” إن “الناخبين الأوكرانيين لن يثقوا بزيلينسكي بعد الآن، لقد جلب الحزن إلى وطنهم، حتى إن عديداً من المناطق غادرت أوكرانيا بسبب سياساته، واستخدم اتفاقات مينسك كغطاء لضخ الأسلحة الغربية إلى البلاد، لذا فإن فشله لم يكن بسبب الارتباك في البيت الأبيض، بل بسبب انعدام الثقة العامة فيه، فليحددوا الآن القوة بأنفسهم، وسنقرر ما إذا كنا سندعم شرعية هذا الأمر أم لا”.

الشخص الأوفر حظاً

بحسب معظم الخبراء السياسيين في موسكو وكييف فإن الشخصية الأوفر حظاً والواعدة لمنصب الرئيس الجديد لأوكرانيا هو القائد الأعلى السابق للقوات المسلحة الأوكرانية فاليري زالوجني، القادر موضوعياً على هزيمة زيلينسكي والحلول محله.

وفي وقت سابق قال زيلينسكي للصحافيين إنه سيكون من الصعب استبداله في منصب رئيس الدولة، مضيفاً “لن يكون من السهل استبدالي، لأنه ليس كافياً مجرد إجراء انتخابات، بل سيكون من الضروري منع مشاركتي”.

لذلك من غير المرجح أن يوافق زيلينسكي ببساطة على الرحيل، بخاصة إذا قررت واشنطن استبداله قبل وقف إطلاق النار لضمان المفاوضات، لذلك فإن أميركا يمكن أن تتحرك من خلال البرلمان الأوكراني الذي يسيطر عليه حزب زيلينسكي “خادم الشعب”.

ويتوقع المحللون أن تضغط واشنطن على البرلمان الأوكراني لتعليق صلاحيات زيلينسكي، وأن يرشح “الرادا” شخصية موقتة كرئيس للوزراء أو رئيس دولة بالوكالة، يكون قادراً على التوصل إلى اتفاق مع واشنطن ولا يثير غضب البيت الأبيض، ويكون شخصية وسطية مؤهلة لضمان توازن القوى الدبلوماسية حول أوكرانيا، وهو أمر ضروري للهدنة.

واتهم النائب في البرلمان الأوكراني أرتيوم دميتروك السلطات في كييف بعدم فهم منطق الرئيس الأميركي دونالد ترمب تجاه أوكرانيا، معتبراً أن هذا هو سبب التوتر في العلاقات بين البلدين، وكتب دميتروك على “تيليغرام”، “قليل من المسؤولين الأوكرانيين يعرفون التاريخ والغالبية لا يرغبون في معرفته، وهم لا يعرفون شيئاً عن فيتنام أو أفغانستان أو العراق”.

ويستبعد المحللون وقوع انقلاب في أوكرانيا لأن مسألة شرعية السلطة الجديدة ستثار مرة أخرى، لكن نواباً أوكرانيين لا يستبعدون أن تقوم السلطات الأميركية بتصفية زيلينسكي جسدياً، إذ كتبت نائبة البرلمان الأوكراني ماريانا بيزوغلا على قناتها في “تيليغرام”، “لا أستبعد أن يحاولوا إبعاد زيلينسكي جسدياً”.

وأعرب عالم السياسة يوري رومانينكو عن رأي مماثل، إذ اعترف بأن وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية يمكن أن تقدم على تنفيذ سيناريو مماثل لذلك الذي استخدمته مع الرئيس التشيلي سلفادور الليندي الذي قتل خلال الانقلاب الذي رعته ضده عام 1973.

في الـ31 من مارس 2024 كان من المقرر إجراء الانتخابات الرئاسية في أوكرانيا، ووفقاً للدستور يتم إجراؤها في الأحد الأخير من مارس في العام الذي تنتهي فيه فترة ولاية رئيس الدولة، إذ انتهت ولاية زيلينسكي في الـ20 من مايو (أيار) 2024، لكن الانتخابات لم يتم تحديد موعدها بعد بسبب الأحكام العرفية السارية من الـ24 من فبراير 2022.

وفي صيف عام 2023 تم أيضاً إلغاء انتخابات البرلمان الأوكراني التي كان من المقرر إجراؤها في أكتوبر (تشرين الأول) من ذلك العام، وبصورة عامة هناك اتفاق في البرلمان على أنه لا يمكن إجراء الانتخابات إلا بعد انتهاء القتال في البلاد.

نقلاً عن : اندبندنت عربية