عهد ترمب الرئاسي الثاني مختلف، إذ بات الرجل أكثر تنظيماً ويمتلك فريقاً يستطيع تنفيذ أجندته، بما في ذلك رغباته التدميرية كلها. من هنا جاء فرض الرسوم الجمركية على كندا والمكسيك (25 في المئة) بعد تعليق دام شهراً، مع فرض رسوم إضافية على الصين (ليصل الإجمالي إلى 20 في المئة).
هذه الرسوم يدفعها المستوردون عند الموانئ والحدود، من الناحية النظرية تحمي هذه الرسوم الصناعات المحلية. أما في الواقع، فليس الأمر بهذه البساطة، ولم يكن يوماً.
لنأخذ كندا مثالاً، لا تؤثر الرسوم المفروضة على منتجاتها فقط في أشهر صادراتها – شراب شجرة القيقب التي تظهر على العلم الكندي – بل تشمل أيضاً الطاقة.
توفر كندا نحو 58 في المئة من واردات الولايات المتحدة من الهيدروكربونات و60 في المئة من وارداتها من النفط الخام، وتعتبر كندا مورداً جيداً للولايات المتحدة، فهي دولة مجاورة و(كانت) حليفة موثوقة. والنتيجة الحتمية لذلك، هي أن الطاقة في الولايات المتحدة ستصبح أكثر كلفة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
عندما تواجه الشركات زيادة في التكاليف، لا يكون أمامها سوى خيارين: إما أن تتحمل هذه التكاليف، أو تحيل الزيادة إلى المستهلك النهائي – المواطن الأميركي العادي، سيكون الأخير خيارها المفضل.
هذا لا يعني مثلاً أن سعر شراب القيقب الكندي، الذي يشتريه الأميركيون، سيرتفع بنسبة 25 في المئة، لكن من المحتمل أن يرتفع كثيراً.
من ناحية أخرى، يكون لارتفاع تكاليف الطاقة أثر كبير في رفع معدلات التضخم في قطاعات الاقتصاد ككل. يعرف البريطانيون هذه الحقيقة جيداً، لأنهم يعتمدون على سوق الغاز الطبيعي العالمية لتوليد الكهرباء.
إلى ذلك هناك الخشب: الخشب الكندي مطلوب بشدة في المناطق الأميركية التي تعيد البناء بعد الكوارث الطبيعية، ليس الخشب سلعة يريد الناس زيادة سعرها.
يعود أحد الأسباب الكبرى لنجاح ترمب والجمهوريين في الانتخابات الأميركية إلى أثر التضخم في المستهلك الأميركي، كان قانون خفض معدلات التضخم الذي سنه جو بايدن هدفاً رئيساً لانتقاداتهم. هذا التشريع الكبير ضخ مليارات الدولارات في الطاقة النظيفة، وشمل إعانات وفق قانون الرعاية الصحية الميسورة ووسع صلاحيات إدارة الإيرادات الداخلية في الولايات المتحدة بغرض تحسين تحصيل الضرائب.
لكنه لم ينجح كثيراً في خفض معدلات التضخم، أقله في الأجل القريب، وجادل بعض النقاد بأن التوسع الكبير في الإنفاق العام الذي جرى بحسب القانون إنما حقق العكس.
لا جدال في أن الرسوم الجمركية تزيد من معدلات التضخم، ونحن جميعاً نعلم ماذا تفعل المصارف المركزية عندما تواجه ذلك: ترفع معدلات الفائدة، مما ينعكس سلباً على المقترضين الأفراد والمؤسسيين، ويبطئ النمو الاقتصادي.
ستتأثر أيضاً سمعة أميركا كشريك تجاري جيد، إذ من المحتمل تحويل تدفقات التجارة بعيداً منها، ثمة بعض الأدلة على حدوث ذلك في المرة السابقة.
صحيح أن الرسوم الجمركية يمكن أن تحمي بعض القطاعات، لكنها تضر بأخرى – ليس فقط تلك التي تستورد المواد الخام من البلدان المستهدفة، بل أيضاً المصدرين، بسبب الإجراءات الانتقامية الحتمية من هذه البلدان. تميل البلدان المتأثرة إلى الرد بفرض رسومها الجمركية، كما حدث هذه المرة.
إن حرباً تجارية عالمية هي آخر ما يحتاج إليه الاقتصاد العالمي بعدما أضرت به سلسلة من الأحداث غير المتوقعة. لكنها نشبت، وها هي تطلق العنان لانهيار في أسواق الأسهم العالمية.
يتمثل هدف ترمب الثانوي من وراء هذه السياسة في زيادة الإيرادات، إذ تبلغ ديون أميركا الآن 124 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. بالمقارنة، تبلغ ديون بريطانيا أكثر بقليل من 95 في المئة.
الأسبوع الماضي، مرر مجلس النواب الأميركي مشروع قانون نفقات ضخمة [يمثل التصور المالي لترمب]، وصوت جميع الديمقراطيين ضده، إلى جانب نائب جمهوري واحد هو توماس ماسي، الذي يمثل ولاية كنتاكي ويعد من أبرز الصقور حين يتعلق الأمر بالإنفاق العام.
وعلى رغم حيل إيلون ماسك في وزارة الكفاءة الحكومية، لا تجري أميركا ما يكفي من التخفيضات لتجنب زيادة ديونها بصورة هائلة بسبب هذا التشريع.
من غير المحتمل أن يكون هناك طريقة أكثر تدميراً لزيادة الإيرادات لمواجهة تلك المشكلة من فرض الرسوم الجمركية.
نقلاً عن : اندبندنت عربية