ذكر تقرير حديث للبنك الدولي أن مصر يمكن أن تحقق نمواً اقتصادياً كبيراً من خلال العمل المناخي، وتحويل مدنها إلى مراكز تتسم بالقدرة على الصمود وتحمل آثار تغير المناخ، لجذب الاستثمارات وخلق فرص العمل، وتحسين جودة الحياة للمواطن المصري.

وقال البنك الدولي إن من شأن العمل المناخي الفعال والمستدام أن يمكن مصر من زيادة كفاءة استخدام الموارد الطبيعية وتخصيصها، والحد من آثار تغير المناخ على الناس والشركات ومؤسسات الأعمال، فضلاً عن تعزيز قدرة مصر على المنافسة في الأسواق العالمية.

ومن دون جهود مستدامة للتصدي لتحديات تغير المناخ، تشير التقديرات إلى أن مصر قد تواجه خسارة في إجمال الناتج المحلي تراوح ما بين اثنين وستة في المئة بحلول عام 2060. أشارت التقديرات إلى أن كلفة تلوث الهواء على الصحة وحدها تبلغ نحو 1.4 في المئة من إجمال الناتج المحلي للبلاد في عام 2017.

وتمضي الدولة المصرية قدماً في تنفيذ عديد من التدابير للتصدي لتغير المناخ، ففي مايو (أيار) 2022 أطلقت أول استراتيجية وطنية في شأن تغير المناخ 2050 تضمنت مشروعات ذات أولوية قصوى من المقرر استكمالها بحلول عام 2030. وفي إطار التحديث الثاني لمساهمة مصر الوطنية في جهود مكافحة تغير المناخ تحددت أهداف طموحة لخفض الانبعاثات في قطاع الكهرباء بهدف الوصول إلى 42 في المئة من مصادر الطاقة المتجددة في مزيج توليد الكهرباء بحلول عام 2030، وهو مستهدف سبق تحديده لعام 2035.

ارتفاع درجات الحرارة يؤدي إلى آثار كارثية

بناء على هذه الاستراتيجية الوطنية وتقرير المناخ والتنمية الخاص بمصر الصادر عن مجموعة البنك الدولي، أطلقت الحكومة المصرية برنامجاً رائداً يتمثل في منصة “نوفي” (محور العلاقة بين المياه والغذاء والطاقة) لتحديد الروابط والتداخلات بين هذه القطاعات. وتعمل هذه المنصة على تعظيم الاستفادة من الموارد، والتحول إلى البنية التحتية المنخفضة الانبعاثات، وتعزيز الأمن المائي والغذائي. وفي المرحلة الأولى من إطلاقها تركز المنصة على تسعة مشروعات ذات أولوية في قطاعات المياه والغذاء والطاقة، اختيرت بناءً على الاستراتيجية الوطنية لتغير المناخ، وأضيفت مشروعات النقل المستدام.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في تعليقها، قالت المؤسسة والرئيسة التنفيذية لمؤسسة “شيفتيرا” للاستشارات داليا صقر، إن خطط مصر الطموحة للتحول إلى اقتصاد منخفض الكربون تتطلب جهوداً كبيرة للحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، من خلال التحول إلى مصادر بديلة للطاقة، مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، ورفع كفاءة استخدام الطاقة، وغير ذلك من التدابير الأخرى، لكن على رغم هذه الجهود الجارية، فإن ارتفاع درجات الحرارة على مستوى العالم يمكن أن يؤدي إلى آثار كارثية، لا سيما في منطقة الدلتا، مما يستلزم اتخاذ تدابير عاجلة لحماية المواطنين من الآثار السلبية لتغير المناخ، وخصوصاً الفقراء والأكثر تعرضاً للأخطار والأولى بالرعاية. وتظهر معظم تدابير العمل المناخي الذي يتعين على مصر الإقدام عليه في التحديث الثاني لمساهمتها الوطنية لمكافحة تغير المناخ المقدم في عام 2023، غير أن الدعم الدولي لا غنى عنه لتحقيق هذه الأهداف.

ويحدد بيان الموازنة العامة للدولة للسنة المالية 2024 خطة طموحة لزيادة الاستثمارات العامة الخضراء إلى 50 في المئة من إجمال الاستثمارات بحلول السنة المالية 2025، بناءً على ما يقدر بنحو 40 في المئة في السنة المالية 2024، ويمثل ذلك زيادة كبيرة من 15 في المئة فقط في السنة المالية 2021، مما يعكس التزام مصر توسيع نطاق المشروعات الصديقة للبيئة.

وتأتي هذه الجهود في إطار استراتيجية أوسع نطاقاً لتوسيع محفظة المبادرات المستدامة في مصر التي تدفع عجلة النمو الاقتصادي وتعزز رفاهة المواطنين، وإضافة إلى ذلك فإن المبادرات الوطنية مثل “حياة كريمة” و”القرية الخضراء” مصممة خصيصاً لتعزيز الاستدامة في المجتمعات الريفية. وستغطي مبادرة القرية الخضراء في نهاية المطاف 175 قرية، مما يعزز القدرة على الصمود وتحمل آثار المناخ من خلال تطبيق معايير البناء الأخضر وإنشاء شبكات ري حديثة، وتلزم اللوائح والضوابط الصادرة أخيراً جميع الوزارات تقديم موازناتها مع مصفوفات برامج تقدم معلومات مفصلة عن البرامج المتعلقة بالاقتصاد الأخضر والمشروعات البيئية لضمان الاتساق مع رؤية “مصر 2030”.

استراتيجية وطنية للهيدروجين المنخفض الكربون

وأشار البنك الدولي إلى أن تمكين القطاع الخاص بدور نشط في التحول الأخضر يمثل أولوية قصوى في خطط العمل المناخي للحكومة، تنفيذاً لتوصيات تقرير المناخ والتنمية لمجموعة البنك الدولي، ويشمل ذلك اتخاذ خطوات لتشجيع الاستثمار في القطاعات الخضراء مثل إدارة النفايات والقمامة على نحو يؤدي إلى خفض انبعاثات الكربون وتحقيق التنمية العمرانية المستدامة. وفي كثير من الحالات يمكن لإصلاح السياسات والمؤسسات أن يؤدي إلى إطلاق الطاقات الكامنة لاستثمارات القطاع الخاص المخطط لها، لكن من دون إغفال دور الحوافز والمزايا الضريبية المصممة على نحو جيد.

ووافقت الحكومة على استراتيجية وطنية للهيدروجين المنخفض الكربون في عام 2023، كما وافقت على قانون حوافز إنتاج الهيدروجين الأخضر، وتدشين المجلس الوطني للهيدروجين الأخضر في عام 2024 لطرح التوجيهات والإرشادات على مستوى السياسات واللوائح التنظيمية، وإزالة معوقات الاستثمار الخاص، وضمان الاتساق مع الاستراتيجيات الاقتصادية والاجتماعية للدولة المصرية.

وللإجراءات الرامية إلى بناء القدرة على الصمود أهمية خاصة في المناطق المعرضة للتأثر بالأخطار، مثل محافظة الإسكندرية على ساحل البحر الأبيض المتوسط، إذ يشكل ارتفاع منسوب مياه البحر أخطاراً كبيرة، لذا يمكن للإجراءات الوقائية لا سيما تنفيذ أنظمة قوية لإدارة مياه الأمطار أن تحمي المدينة من الخسائر الاقتصادية الكبيرة، إذ يؤدي تعطل الخدمات إلى خفض الإنتاجية وتراجع حركة النقل، مما يحد من القدرة على الحركة والانتقال والوصول إلى الموارد الأساسية. ويمكن أن يساعد تحسين البنية التحتية أيضاً على حماية البنية التحتية الاجتماعية والاقتصادية الحيوية، وخصوصاً في حالة الفيضانات التي تتضرر منها المدارس والمستشفيات والأماكن التاريخية والتراثية.

إضافة إلى حماية المدن والسكان يخلق العمل المناخي أيضاً فرصاً للنمو في مصر، ومع اعتماد الأسواق معايير كربون أكثر صرامة – مثل آلية الاتحاد الأوروبي لتعديل حدود الكربون التي تفرض رسوماً جمركية على الواردات الكثيفة الانبعاثات الكربونية – فإن خفض كثافة الكربون في المنتجات المصرية يمكن أن يعزز قدرتها التنافسية ويلبي الطلب المتزايد على السلع المستدامة في الأسواق العالمية.

حماية البنية التحتية والأمن الغذائي

ساعد تقرير المناخ والتنمية لمجموعة البنك الدولي الصادر في عام 2022 على توجيه الجهود الوطنية لمكافحة تغير المناخ، وخصوصاً من خلال منصة “نوفي”، وإحداث نقلة نوعية في مشاركة القطاع الخاص في الاقتصاد الأخضر. ويقف هذا التقرير على التحديات والفرص المتاحة لتحسين التوافق بين الأهداف الإنمائية لمصر وطموحها المناخي، ويحدد الفرص التي يمكن استغلالها لزيادة الكفاءة وتقليص أوجه القصور وإدارة الأخطار وتدعيم الأساس اللازم لزيادة مشاركة القطاع الخاص في الاقتصاد الأخضر، بل وزيادة مساهمة المشروعات الخضراء والمستدامة في إجمال الناتج المحلي لتصل إلى خمسة في المئة في الأقل. ويطرح التقرير اقتراحات على مستوى السياسات والاستثمارات تهدف إلى تحقيق مكاسب سريعة على المدى القصير، وتمهيد الطريق لتحقيق منافع ومزايا كبيرة على المدى الطويل.

إضافة إلى ذلك تدعم حزمة برامج تمويل سياسات التنمية التي قدمتها مجموعة البنك الدولي أخيراً لمصر المكونات الأساسية لسياسة الدولة المصرية المراعية للمناخ، مع الاستفادة مما جاء في تقرير المناخ والتنمية، لا سيما اللوائح التنظيمية والضوابط الطموحة لإدارة المياه، وإنشاء أنظمة لرصد ومتابعة الانبعاثات، وتمكين الجهات التنظيمية والرقابية المالية من تسهيل معاملات أسواق الكربون. والقصد من وراء ذلك هو تمكين الشركات الخاصة من توفير الطاقة المتجددة للشركات الخاصة الأخرى والحد من هدر الطاقة. وستؤدي هذه الجهود إلى توفير الغاز المستخدم في توليد الكهرباء، ومن ثم تعزيز الطاقة الخضراء وجذب رأس المال الخاص.

وللعمل المناخي عديد من المنافع للدولة المصرية، أهمها الاستفادة من مصادر الطاقة المتجددة والممارسات المستدامة لدفع عجلة التنمية الاقتصادية، وخلق فرص عمل جديدة، وتشجيع الابتكار، ومن خلال الاستثمار في تعزيز القدرة على تحمل أخطار تغير المناخ تستطيع مصر حماية البنية التحتية والأمن الغذائي، ومن ثم تحقيق السلامة واستقرار سبل كسب العيش لمواطنيها لأعوام مقبلة.

نقلاً عن : اندبندنت عربية