عاد الحديث مجدداً في الجزائر حول ضرورة المضي قدماً نحو التقاضي الإلكتروني بعد تأخر الاستجابة إلى دعوات سابقة لوزارة العدل من أجل الإسراع في تجسيد المشروع لتحقيق القفزة النوعية التي تعود بالفائدة على الجميع، وتعزز ثقة المواطن في النظام القضائي.
رهان وحرص على تحقيق المشروع
وترى وزارة العدل في الجزائر أن الرهان المستقبلي يتمثل في المضي نحو التقاضي الإلكتروني، عبر استخدام التكنولوجيا في تقديم خدمات رقمية تسهل تقديم الطلبات ومتابعة القضايا بصورة فضلى، وأشارت إلى أن تقوية ثقة المواطنين في عدالة بلادهم لا تأتي إلا من خلال تطوير الخدمات المرفقية وتعزيز صدقية الأحكام والقرارات القضائية.
ويبدو أن الجزائر حريصة، هذه المرة، على الوصول إلى قضاء رقمي يسمح بالتقاضي الإلكتروني الذي من شأنه تخفيف المتاعب وتجاوز العراقيل وإضفاء مزيد من العدالة وتحقيق واسع للحقوق والحريات.
وأوضحت الوزارة أن تطوير جودة الخدمات المرفقية للقطاع ليس مجرد هدف، بل هو ضرورة ملحة يسهم فيها بصورة أساسية العنصر البشري المتشبع بقيم الأخلاق والإخلاص في العمل، الذي يجب أن يكون واعياً للمسؤولية الملقاة على عاتقه في هذا الجانب، ولفتت إلى إبراز مسؤولية الجهات القضائية في الرقابة والمتابعة لتحقيق الأهداف المطلوبة والحد من الممارسات التي تقوض الجهود المبذولة.
وسبق أن أكدت الوزارة أهمية الرقمنة وتبادل الخبرات في الارتقاء بالعمل القضائي بما يلبي طموحات المتقاضين، وجددت طموح الجزائر بضرورة تحقيق أقصى حد من الإصلاح الشامل للعدالة وتحديثها وتعزيز العدالة الإلكترونية، في موازاة مواكبة القضاء التحولات العالمية وتوفير الأمن القضائي للمواطنين، وضمان حقهم في المحاكمة العادلة والمساواة أمام القانون، وأبرزت أن التقاضي الإلكتروني يعد المحطة الحاسمة في العدالة الرقمية.
الأمور لا تسير وفق ما هو مخطط له
ومع تجدد الدعوة يظهر جلياً وجود اختلالات تمنع تحقيق مشروع التقاضي الإلكتروني، وهو ما أشار إليه الحقوقي مصطفى بلعلام الذي قال “إن الأمر يرتبط بعدم استعداد بعض الأطراف لاعتبارات عدة، وكذلك غياب الإمكانات في كثير من المحاكم ومجالس القضاء عبر مختلف مناطق البلاد، إلى جانب حاجة المعنيين إلى التكوين والتدريب من أجل التحكم الجيد في التقنيات، وغيرها من النقاط”، موضحا أنه “على رغم تسجيل تقدم في ما تعلق برقمنة القطاع فإن الأمور في حاجة إلى مزيد من الجهود”.
وتابع بلعلام “أن الحكومة اعتمدت مشروع التحول نحو نظام التقاضي الإلكتروني في المواد المدنية على مستوى المجالس القضائية، بدءاً بالتبادل الإلكتروني للعرائض والمذكرات المتاحة عبر الإنترنت، لكن الأمور لا تسير وفق ما هو مخطط له، لذلك باتت الدعوة إلى تحريك الملف تتجدد في كل مناسبة”، مشيراً إلى أن المشرع الجزائري أقر بالتقاضي الإلكتروني منذ عام 2015 بعنوان المحاكمة المرئية من بعد، إلا أنه لم يُعمل بهذه التقنية على نطاق واسع إلى غاية عام 2020 كحتمية فرضها وباء كورونا لاستمرار النشاط القضائي، وختم بأن هناك جهوداً مبذولة من قبل وزارة العدل لأجل التطبيق الأمثل لنظام التقاضي الإلكتروني، إلا أن تنزيله على أرض الواقع وتعميمه على مستوى مختلف الجهات القضائية أكثر تعقيداً مما كان متوقعاً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
سلسلة من العقبات
من جانبها، عدت المحامية كريمة قسطلي أن التقاضي الإلكتروني، كآلية، انتهجتها غالبية الدول في قطاع العدالة، لما لها من مزايا وإيجابيات على سير الدعوى العمومية، كتخفيف الأعباء على أطراف الدعوى العمومية، والجزائر سايرت التطور التكنولوجي والركب العالمي من خلال تبنيها فكرة التقاضي الإلكتروني في تشريعاتها، الذي من خلاله، يتمكن القضاة ومساعدوهم من أداء مهامهم بشفافية ومهنية أكبر، ويتمكن الخصوم من الاطلاع والحصول على المعلومات بسرعة.
وأشارت قسطلي إلى أن رقمنة القطاع تواجه سلسلة من العقبات، على أساس أن التحول الإلكتروني للإدارة عموماً لا يعني أن الطريق ممهد لتطبيقها وتنفيذها بكل سهولة، بل إن هناك عديداً من العراقيل التي يمكن تقسيمها إلى معوقات قانونية، وأخرى مرتبطة بالمورد البشري، وثالثة مادية.
مجلس بـ89 قاضياً يتلقى ما بين 400 و450 ملفاً أسبوعياً
وتكفل “المعهد الوطني للقضاء” في الجزائر، الذي أنشئ عام 1990، بتكوين 25 دفعة، ليصل بذلك عدد القضاة إلى 5721 قاضياً بتاريخ الـ15 من نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، مما سمح ببلوغ نسبة تغطية مقبولة بـ12.71 قاض لكل 100 ألف نسمة.
وفي ما يتعلق بالملفات المعالجة وسيرورة التأطير، فإن مجلس قضاء العاصمة وحده يتلقى ما بين 400 و450 ملفاً لقضايا مختلفة في الأسبوع، في حين أن عدد قضاته يبلغ 89 قاضياً، منهم 77 قضاة جلوس، و11 قضاة نيابة، وقاض واحد تطبيق عقوبات.
تأخر يثير استفهامات
وأقلق التأخر في استكمال المشروع، الذي بدأ بطيئاً بصورة أثارت استفهامات وطرحت تساؤلات، الحكومة التي ترى فيه ضرورة لاستعادة الثقة بين المواطن وعدالته، لا سيما أن تصريحات سابقة أكدت الانتهاء من الضوابط القانونية وتوفير الإمكانات الضرورية، وأن الشروع في التقاضي الإلكتروني سيتم قبل نهاية 2022.
نقلاً عن : اندبندنت عربية