يكابد قطاع السياحة في الجزائر كثيراً من الصعوبات على رغم الإمكانات الطبيعية والمادية ومجهودات الحكومة، وبعد محاولات عدة لتطبيق مختلف الخطط لإنعاش هذا المجال الاقتصادي الحيوي لا سيما على مستوى شمال البلاد، غيرت الجهات المسؤولة البوصلة نحو الصحراء في محاولة لإعطاء دفعة قوية توقظ هذا “العملاق” الذي طال سباته.

الهدف… وجهة إقليمية بامتياز

وكشفت وزيرة السياحة والصناعة التقليدية في الجزائر حورية مداحي عن أن ولايات الجنوب التي تزخر بكنوز طبيعية استثنائية، استقطبت بين أكتوبر (تشرين الأول) الماضي ويناير (كانون الثاني) الجاري، نحو 23 ألف سائح أجنبي و186 ألف محلي، وقالت إن الصحراء باتت الوجهة المفضلة للسياح الأجانب وباعتبارها العمود الفقري للاستراتيجية السياحية الوطنية لما لها من أثر في التنمية المحلية وفي الاقتصاد الوطني عموماً، فإنه من الضروري الارتقاء بهذا الصنف من السياحة عبر اتخاذ جملة من التدابير على المدى القصير لتدارك النقائص المسجلة سواء في ما يتعلق بالمرافق الفندقية وتكوين المورد البشري.

وأبرزت الوزيرة جهود الدولة من أجل تطوير هذا الصنف من السياحة على جميع الأصعدة لجعلها وجهة إقليمية بامتياز، داعية إلى تجسيد مقاربة تشمل توسيع المنشآت الفندقية وتعزيز الشراكة مع القطاع الخاص، مع الحرص على الحفاظ على الطابع المعماري والبيئي للمنطقة، وشددت على أهمية تبني استراتيجية مبتكرة وحديثة للتعريف بالسياحة الصحراوية واعتماد التسويق الرقمي الذي يستهدف عدداً أكبر من الجمهور.

إجراءات وتسهيلات

تراهن وزارة السياحة على أن يكون الموسم السياحي الصحراوي 2024-2025، الذي يمتد من أكتوبر حتى مارس (آذار)، نقطة انطلاق نحو صناعة سياحية حقيقية، إذ تم إصدار أول دليل سياحي بثلاث لغات، العربية والإنجليزية والفرنسية، تحت عنوان “إيليزي روح الجنوب”، يحمل رؤية مستقبلية لتفعيل السياحة الصحراوية ميدانياً، وذلك من خلال التعريف بالمناطق السياحية بالجنوب، وتقديمه إلى وكالات السياحة والأسفار لإرشاد السياح إلى أهم المناطق الأثرية التي تحكي عراقة المنطقة وامتدادها في الماضي، إضافة إلى التعريف بالمؤهلات والمسارات والتراث والفنون الشعبية.

كما تم اعتماد أسعار مقبولة في ما يتعلق بتذاكر الرحلات الجوية، مما أسهم في تسويق نحو 25 ألف تذكرة سفر نحو الصحراء في الفترة الممتدة بين الـ15 والـ31 من ديسمبر (كانون الأول) الماضي، إضافة إلى إدراج 50 رحلة إضافية أسبوعياً.

وتأتي التسهيلات التي وضعتها الحكومة والمتمثلة في تخفيف إجراءات الحصول على التأشيرة، وإضافة اعتماد تأشيرة الوصول أو تأشيرة التسوية التي تسمح للسائح الحصول عليها لدى وصوله إلى الجزائر، وأيضاً التأشيرة الإلكترونية، إلى جانب تعزيز الرحلات من العواصم الأوروبية نحو جنوب البلاد، والرفع من عدد مرافق الإيواء وتحسين نوعية الخدمات، لتؤكد عزم الجزائر على جعل السياحة الصحراوية نقطة ارتكاز نحو صناعة سياحية حقيقية.

ضمن 10 وجهات سياحية عالمية؟

وفي السياق يرى أستاذ الاقتصاد علي حاجي في تصريح لـ”اندبندنت عربية”، أن الإجراءات التي وضعتها الحكومة في ما يتعلق بالسياحة الصحراوية، أسهمت بصورة كبيرة في تنشيط القطاع من خلال رفع عدد السياح في المناطق الجنوبية، وخلق عدد من فرص العمل، مشيراً إلى أن المقومات والإمكانات الطبيعية التي تزخر بها صحراء الجزائر تعتبر الأساس الذي يمكن الارتكاز عليه من أجل جلب اهتمام السياح، إذ إن الأمر لا يتطلب بناء سياحة صحراوية وإنما وضع استراتيجية لصناعة سياحية.

ويتابع حاجي أن بلاده تراهن على الجنوب من أجل تحقيق ما فشلت في تحقيقه بالشمال ليس لضعف الإمكانات، وإنما لصعوبة المنافسة التي تمتد لأعوام طويلة، وبالتالي وجدت في الصحراء التي تمتلك تراثاً طبيعياً وثقافياً وتاريخياً غنياً ومتنوعاً أساساً يسمح بجعل السياحة الصحراوية جوهر المنتوج السياحي الجزائري، مضيفاً أن التصنيفات الأخيرة لمختلف المنظمات الدولية وآخرها المنظمة العالمية للسياحة التي وضعتها ضمن 10 وجهات سياحية عالمية مرشحة لاستقبال أكبر عدد من السياح، بالنظر إلى المقومات الطبيعية التي تحوزها، تأتي اعترافاً بالوجهة، لكن لا بد أيضاً من توفير إمكانات الراحة والاستجمام بأسعار معقولة وإيواء راق وخدمات احترافية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

12 مليون سائح أجنبي في آفاق 2030

وتعد الصحراء الجزائرية ثاني أكبر صحراء في العالم، إذ تقارب مساحتها مليوني متر مربع، وتحتوي على خمس حظائر ثقافية مصنفة، وهي حظيرة “الطاسيلي” في ولاية إيليزي، و”الهقار” في ولاية تمنراست، و”وادي ميزاب” في ولاية غرداية، والحظيرة الثقافية للأطلس الصحراوي في توات وقورارة وتيديكلت.

وقالت وزارة السياحة والصناعات التقليدية إن الجزائر ستستقبل أكثر من 12 مليون سائح أجنبي في آفاق 2030، ولن يتجسد ذلك إلا عبر إنجاز الهياكل اللازمة ورفع طاقة الإيواء وتحسين الخدمات، مشيرة إلى اعتماد أزيد من 2200 مشروع سياحي مع وجود ما يقارب 800 مشروع طور الإنجاز، في سياق رفع طاقة الإيواء، كما كشفت عن 249 موقعاً للتوسع السياحي، وأوضحت أن الاستراتيجية الوطنية للتهيئة السياحية التي تم وضعها لتطوير السياحة ترتكز على خمس ديناميكيات ترمي أساساً إلى الاستثمار وتحسين الخدمات وترقية الترويج وتطوير وسائل الاتصال، ووضع ترسانة قانونية للتسيير الجيد للقطاع.

البرلمان يسأل عن تأخر الانطلاق

وتواصل الوزارة التحرك في كل الاتجاهات، إذ أكدت المسؤولة الأولى على السياحة حورية مداحي أن قطاع السياحة والصناعة التقليدية يسعى إلى اعتماد استراتيجية شاملة تهدف إلى تعزيز البنية التحتية السياحية في ولايات جنوب البلاد، وأوضحت الوزيرة أن ”هذه الاستراتيجية تشمل تطوير المرافق والخدمات التي تلبي احتياجات السياح، مع التركيز على دعم السياحة الصحراوية التي تعد من المقومات السياحية المميزة التي تزخر بها الجزائر”.

ولم تسلم الوزارة الوصية من انتقادات المهنيين ومساءلات ممثلي الشعب بخصوص تأخر إقلاع السياحة في الجزائر، إذ وقفت وزيرة القطاع حورية مداحي، أمام نواب البرلمان للرد على أسئلة شفوية في جلسة علنية، وأوضحت أن السياحة الصحراوية تحمل في طياتها فرصة كبيرة لتنويع الاقتصاد المحلي من خلال دعم المشاريع السياحية وتعزيز التعاون بين القطاعين العمومي والخاص، وشددت على أن تستغل الإمكانات الهائلة للسياحة الصحراوية وتحويلها إلى مقصد سياحي يرتكز على الأصالة والتنمية المستدامة.

وأكدت المسؤولة أن تطوير السياحة في الجنوب يعد ركيزة أساسية لتنويع الاقتصاد الجزائري، مشيرة إلى أن العمل التشاركي بين السلطات المحلية والمستثمرين والفاعلين في القطاع سيضمن تحقيق تنمية مستدامة تعزز مكانة الجزائر كوجهة سياحية ثقافية واقتصادية مميزة.

نقلاً عن : اندبندنت عربية