بعد معارك عنيفة استُخدمت فيها الأسلحة الثقيلة والمتوسطة والخفيفة والمسيرات الانتحارية بغطاء من الطيران جوي من الطيران الحربي، تمكن الجيش السوداني، والقوات المشتركة لحركات السلام المسلحة، والمقاومة الشعبية، وجهاز المخابرات العامة، من استرداد مدينة الدندر شرقي ولاية سنار جنوب شرقي السودان، وبسط كامل سيطرته عليها، وفق ما صرح قائد قوات العمل الخاص بالولاية، فتح العليم الشوبلي.
تحرير كل سنار
وأكد المتحدث السابق باسم “المقاومة الشعبية”، عمار حسن عمار، “بسط الجيش كامل سيطرته على وسط المدينة ومداخلها بالكامل”.
وأكدت مصادر ميدانية أن قوات الجيش والقوات المساندة لها خاضت مواجهات شرسة ومعارك طاحنة ضد قوات الدعم السريع على مشارف المدينة، في عملية عسكرية كبيرة جرى التحضير لها بعناية منذ أكثر من شهر، وتستهدف تحرير كل ولاية سنار. وأضافت المصادر أن الجيش وبعد سيطرته على الدندر، يطوق الآن مدينة سنجة حاضرة ولاية سنار، ويتابع تقدمه باتجاه مدينة السوكي أكبر مدن تلك الولاية على الضفة الشرقية لنهر النيل الأزرق.
واتهمت قيادات أهلية قوات “الدعم السريع” طوال فترة سيطرتها على المنطقة بارتكاب انتهاكات كبيرة بالقتل والنهب والتشريد بحق سكان مدينة الدندر وقراها التي تبلغ حوالي 200 قرية.
المحور الشرقي
على المحور الشرقي أوضحت مصادر محلية، أن مناطق شرق الجزيرة ما زالت تشهد اعتقالات وعمليات انتقامية التي تقوم بها قوات “الدعم السريع”، منذ انحياز قائدها بالجزيرة، أبو عاقلة كيكل، إلى الجيش.
وبحسب المصادر، تعيش مدينة تعيش رعباً كبيراً منذ يومين مع انتشار “الدعم السريع” بكثافة داخلها. وأضافت المصادر أن قوات الدعم السريع كانت قد انسحبت من المدينة بعد اشتباكات شرسة مع الجيش والمقاومة الشعبية، لكنها التفّت وعاودت الهجوم بأعداد أكبر من الأولى نتيجة تلقيها إسناد بشري مكّنها من إعادة السيطرة على المدينة.
وأوضحت المصادر نفسها أن قوات الدعم السريع تواصل عملياتها الانتقامية في مناطق شرق الجزيرة في حملة تأديبية بسبب انسلاخ قائدها بولاية الجزيرة كيكل الذي ينتمي لمنطقة البطانة، وانضمامه للجيش.
البرهان يصل البطانة
إلى ذلك، وصل قائد الجيش عبد الفتاح البرهان القائد عصر أمس الأربعاء 23 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، إلى حامية “الرُوا” بمنطقة البطانة للوقوف على الاستعدادات لتحرير ولاية الجزيرة من المحور الشرقي، انطلاقاً من شرق الجزيرة وأم القرى.
وأعلن البرهان أن الوقت حان لـ “البيان بالعمل”، مؤكداً “استعداد القوات المسلحة لتلبية كافة مطلوبات التسليح للمقاومة الشعبية بمنطقة البطانة”.
وكان في استقبال البرهان، كل من الفريق محمد عباس اللبيب نائب المدير العام لجهاز المخابرات العامة، والفريق ركن أحمد محمد الحسن العماس، قائد المنطقة العسكرية الشرقية، وقائدا متحرك البطانة واللواء (41) مشاة.
موجات نزوح
ووفق مرصد أم القرى المهتم برصد العلميات الحربية والانتهاكات بالمنطق، ما زالت مدينة تمبول تشهد انتشاراً كثيفاً لقوات الدعم السريع، وسط موجة نزوح متزايدة لسكان المنطقة.
وأوضح “المرصد” أن “قوات الجيش والمقاومة الشعبية تعمل على إعادة ترتيب صفوفها استعداداً لجولة جديدة من المعارك لطرد قوات الدعم السريع واسترداد المدينة”. وأشار المرصد، إلى أن “دعوة الاستنفار العام التي أطلقها ناظر قبيلة الشكرية، أكبر قبائل سهل البطانة بشرق الجزيرة، لنجدة مدينة تمبول وقرى المنطقة لاقت تجاوباً واسعاً من أبناء القبيلة وكل القبائل الأخرى في المنطقة”.
وأعلنت لجان مقاومة مدينة رفاعة أن “قوات الدعم السريع واصلت عملياتها الانتقامية وشملت اعتداءاتها إلى جانب الاستباحة التامة لمدينة رفاعة أكبر مدن البطانة، عدداً آخر من قرى شرق الجزيرة ومناطق أخرى متسببة في وقوع ضحايا مدنيين وإصابات كبيرة وسط آخرين”.
أيام عصيبة
من جانبه دان منبر نداء الوسط، ما وصفته بـ “جرائم التطهير العرقي التي ترتكبها قوات الدعم السريع وسط البلاد بتعمد تهجير وتصفية المواطنين على أساس قبلي، في ما يشبه حرب إبادة جماعية”. كما وجهت المنصة نداءً عاجلاً للمجتمع الدولي للتدخل وإدانة هذه الجرائم، مطالبةً بتقديم الجناة إلى العدالة.
وكشف بيان للمنبر، عن “استمرار عمليات نزوح المواطنين من مدينة تمبول عقب اجتياح قوات الدعم السريع للمدينة، بينما يعيش العالقون الباقون في المدينة أياماً عصيبة جراء انتهاكات وتنكيل قوات الدعم السريع بالمواطنين ووقوع عشرات الضحايا والمفقودين، وتفاقم موجات النزوح”.
صمت وتحذير
وفيما لم يصدر أي تعليق من قوات الدعم السريع على استرداد الجيش لمدينة الدندر، غرد عمران عبدالله، المستشار بالدعم السريع على حسابه بمنصة (إكس)، بشأن مواجهات شرق الجزيرة محذراً من أنه “بعد فشل كل مخططات (الفلول) في شيطنة قوات الدعم السريع عبر الاتهامات بالانتهاكات الممنهجة ضد المواطنين عن طريق خلاياهم بقيادة (كيكل) من استعادة ولاية الجزيرة، لجأوا إلى أسلوب التغرير بالبسطاء بالعزف علي أوتار القبيلة مستهدفين هذه المرة أبناء قبيلة الشكرية فاحذروهم”.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
مدخل استراتيجي
في السياق أوضح المراقب العسكري، ضوالبيت دسوقي، أن “غياب القيادة عن قوات الدعم السريع في المنطقة قادها إلى التصرف العشوائي وتفلتات خطيرة لدرجة ارتكاب مجازر في حق المواطنين وترويعهم، وممارسة النهب والسلب بصورة واسعة في تلك القرى والمدن. وأضاف دسوقي أن “تقدم الجيش في محور سنار جاء نتيجة الانفتاح الأخير متعدد المحاور الذي نفذه الجيش والذي حرم قوات الدعم السريع من أهم تكتيكاتها القائمة على (الفزع) والاستنجاد بقواتها في المواقع القريبة الأخرى للمساندة”، مشيراً إلى أن “تحرير منطقة جبل موية كانت مدخلاً حيوياً واستراتيجياً لتقدم الجيش داخل عمق ولاية سنار”.
وأوضح الدسوقي أن انتهاء فصل الخريف جعل التحرك على الأراضي الطينية أسهل بكثير من السابق ما مكّن الجيش من متابعة إمداد في جبل موية ومحيط مناطق الدندر وسنجة، وتعزيز انتشار قواته في محيط كل ولاية سنار في ما سمي بـ”محور سنار” العسكري، المخطط له أن يسهم بقوة في عمليات تحرير ولاية الجزيرة مع المحورين الشرقي والغربي، ما يعني أن قوات الدعم السريع باتت تفتقر إلى التحصينات والإمداد معاً خاصة بعد فقدانها لمدنية الدندر ومحاصرة مدينتي سنجة والسوكي وسنجة.
ووصف الدسوقي التطورات على المحور الشرقي وما حدث في مدينتي رفاعة وتمبول بأنه “ناتج عن ضعف في عمليات التأمين إلى جانب قصور معلوماتي استخباري واستطلاعي”، مشيراً إلى “قوات الجيش كانت قد دخلت المدينة من دون تدابير للتأمين، مما سهّل على قوات الدعم السريع الالتفاف وشن هجوم معاكس ومباغت من اتجاهات عدة تمكنت خلاله من استعادة مدينة تمبول وفعل بها ما فعله من انتهاكات”.
عرمان يهاجم
في الموازاة، هاجم رئيس “الحركة الشعبية لتحرير السودان – التيار الثوري الديمقراطي”، ياسر عرمان قوات الدعم السريع واتهمها بارتكاب مجازر ضد المدنيين في شرق الجزيرة.
ووصف عرمان ما حدث في الجزيرة ومناطق أخرى بأنها “مجازر ضد المدنيين في المقام الأول”.
ولفت رئيس “التيار الثوري” في تعميم صحافي، إلى أن “الحرب ما عادت بين طرفين مسلحين، بل أصبحت تضم القبائل والمجتمع من الفاشر غرباً إلى تمبول شرقاً، وتحولت إلى حرب الجميع ضد الجميع”، مشبهاً ما يحدث بأنه “مخطط شيطاني ظل كثيرون يدفعون باتجاهه بقوة”.
حماية المدنيين
ووجه عرمان رسالة إلى قيادة الدعم السريع، بأن “شرق الجزيرة أرض توارثتها قبائل، كابراً عن كابر، وجداً عن جد، فكيف يتأتى أن تدمرهم وتطلق النار على صدور المدنيين وتشرد الآلاف وتقضي على فرص الحياة تحت أي دعاوى كانت”، متسائلاً “من يصدق أن الخرطوم ذات الأكثر من عشرة ملايين نسمة قد اختفت في لمحة بصر وتركت ذكريات القتل والاغتصاب والنهب والتشريد”.
وطالب عرمان “الأحزاب السياسية بألا تذوب ولا تُستخدم في خدمة أجندة الحرب”، مناشداً “المجتمع الإقليمي والدولي ووكالات الأمم المتحدة عدم الصمت عن الحديث المباح والالتفات لحماية المدنيين”.
وكانت قوات الدعم السريع سيطرت على الدندر في آخر شهر يونيو (حزيران) الماضي، بعد معارك ضارية مع القوات المشتركة للحركات المسلحة المتحالفة مع الجيش، سيطرت خلالها على عدد من المناطق الحيوية في المنطقة، بما فيها سنجة، عاصمة ولاية سنار وشكلت بعدها ذلك إدارة محلية من أبناء المدينة.
ومنذ سيطرتها على مدينة ود مدني، عاصمة ولاية الجزيرة، وتمددها نحو أجزاء واسعة من الولاية في التاسع من ديسمبر (كانون الثاني) العام الماضي، عززت قوات “الدعم السريع” توغلها في ولاية سنار بسيطرتها على عدد من القرى الحدودية داخل الولاية المتاخمة للجزيرة من الناحية الجنوبية.
نقلاً عن : اندبندنت عربية