رغم كون مصر واحدة من أكبر أسواق الاتصالات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، يمر القطاع حاليًا بمنعطف دقيق يتطلب قرارات حاسمة، في ظل تباطؤ الإيرادات وثبات عدد المستخدمين. ومع وصول السوق إلى مرحلة تشبّع شبه كاملة، بات إطلاق خدمات الجيل الخامس (5G) بمثابة فرصة ذهبية لإعادة تنشيط القطاع وتحقيق قفزة في مسار التحول الرقمي.
عدد مستخدمي المحمول في مصر
ووفقًا لتصريحات كريم يايسي، كبير المحللين في شركة “أوكلا”، بلغ عدد مستخدمي المحمول في مصر نحو 116 مليون مشترك مطلع 2025، بنسبة انتشار تصل إلى 99%. هذا الرقم، رغم ضخامته، يعكس صعوبة تحقيق نمو إضافي في عدد المشتركين، ويؤكد على الحاجة إلى حلول نوعية بدلًا من الاكتفاء بالتوسع الكمي.
وتُظهر بيانات مؤشر Speedtest أن متوسط سرعة الإنترنت عبر الهاتف المحمول في مصر بلغ 28.96 ميجابت/ثانية خلال الربع الأول من 2025، لتحتل المرتبة 85 عالميًا. ورغم هذا، فإن تجارب دول الجوار تُثبت أن القفز في الترتيب أمر ممكن، كما حدث في تونس التي أطلقت خدمات الجيل الخامس وارتفعت إلى المرتبة 44 بسرعة تجاوزت 52 ميجابت.
غير أن التحدي لا يتوقف عند السرعة فقط، فشركات الاتصالات المصرية تواجه ضغوطًا متزايدة بفعل ارتفاع تكاليف التشغيل، وأسعار الفائدة، والتضخم، وهو ما دفعها مؤخرًا لأول مرة منذ 2017 إلى رفع أسعار الخدمات، ما قد يؤثر على عادات المستهلكين ويزيد من حذرهم في الإنفاق.
وفي هذا السياق، يُعوَّل على الجيل الخامس لتقديم حل مزدوج: تحسين الخدمة وتقليل التكاليف على المدى الطويل. فإلى جانب السرعات الفائقة، تُعد التقنية أكثر كفاءة في استهلاك الطاقة، وتفتح أبوابًا جديدة للإيرادات في مجالات مثل الألعاب الإلكترونية، وبث المحتوى عالي الجودة، والتعليم والرعاية الصحية الذكية.
وقد حصلت الشركات المصرية بالفعل على تراخيص الجيل الخامس في 2024، وبدأت تنفيذ التجارب الفنية، تمهيدًا لإطلاق تجاري موسع خلال 2025. ويُنتظر أن تسهم هذه الخطوة في استعادة الزخم داخل السوق وتحفيز ثقة المستخدمين.
ويرى مراقبون أن دخول مصر عصر الجيل الخامس لا يرتبط فقط بتحسين تصنيفها الرقمي عالميًا، بل يشكل خطوة جوهرية نحو ترسيخ مكانتها كمركز تكنولوجي إقليمي، خاصة في ظل توسع مشاريع المدن الذكية وجهود التحول الرقمي.
ومع ازدياد الحاجة لتقليص الفجوة بين مصر ودول الجوار في البنية التحتية الرقمية، يُتوقع أن تكون تقنية الجيل الخامس هي نقطة التحوّل الحقيقية التي ينتظرها قطاع الاتصالات للعودة إلى مسار النمو والتطوير المستدام.