في أول تظاهرة خرجت في سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد طالب تحرك أطلق على نفسه اسم “تجمع الشباب المدني” بدعوة إلى الحوار والمشاركة الفاعلة في مؤتمر وطني هدفه تشكيل لجنة من الكفاءات السورية لصياغة دستور ديمقراطي مؤسساتي يضمن حقوق المواطن ويعزز دور المواطنة في بناء سوريا المستقبلية.
وجاءت فكرة التجمع المدني بعد نداء وجهه شبان للنزول إلى الشارع، والتجمع في ساحة الأمويين بالعاصمة دمشق في أول تجمهر حقيقي للمجتمع المدني الذي يطلب المشاركة وضمان حقوق الإنسان، وسط مخاوف بدأت تكبر ككرة الثلج مع وضع الإسلاميين يدهم على سدة الحكم عقب ليلة الثامن من ديسمبر (كانون الأول) الجاري الشهيرة حين تخلى الأسد عن قصره وفر باتجاه موسكو، إثر عملية سريعة أطلقتها “هيئة تحرير الشام” تحت اسم “ردع العدوان”، بدأتها من حلب ولم تتوقف حتى وصلت إلى العاصمة دمشق.
تخوفات بالجملة
في الأثناء، تتخوف الأوساط الشعبية والسياسية والمدنية من استحواذ فصيل “الهيئة”، الذي يعد أكثر الفصائل الإسلامية تشدداً، على الحكم والاستفراد به من دون إشراك بقية المكونات السورية، لا سيما بعد نقل “حكومة الإنقاذ” وطريقة عملها من مدينة إدلب في شمال غربي سوريا، التي كانت خاضعة لسيطرة الهيئة.
ويرى متابعون للشأن السوري أن المخاوف واقعية حيال طبيعة الحكم، لا سيما أن سجون سوريا خلت وأُفرغت تماماً من السجناء والمعتقلين، بينما يتظاهر مواطنون في إدلب مطالبين بإطلاق سراح آلاف المعتقلين من سجون “هيئة تحرير الشام”، بينما يرد مصدر ميداني من “الهيئة” بأن ليس كل السجناء معتقلي رأي، بل على عكس ما يشاع فهم يقضون أحكاماً قضائية وجنائية.
الحرية والديمقراطية والعلمانية
وعلت في ساحة الأمويين بجانب السيف الدمشقي القريب من هيئة الإذاعة والتلفزيون أصوات المحتشدين، مطالبة بالحرية والديمقراطية والعلمانية. وردد المتظاهرون شعار “لا للحكم الديني”، مطالبين بحكومة مدنية، بينما تحدث منظمو التجمع عن سلمية الحراك، وهدفه التعاون وبناء دولة مؤسسات، والإسهام في تعزيز الوعي بضرورة استناد الدستور إلى شرعية حقوق الإنسان والوصول إلى دولة قانون تحمي حقوق المواطنين كأفراد بناءً على المواطنة من دون تفرقة على أساس الجنس أو العرق أو الدين أو الطائفة.
وعبرت الناشطة في الحراك الشعبي، إحدى منظمات “تجمع الشباب المدني”، لمى بدور، عن تفاؤلها بـ”تحقيق مطالب التجمع الذي يسعى جاهداً بعد أكثر من أسبوعين من سقوط الأسد إلى عدم الانجرار إلى مستنقع الطائفية، والاتجاه نحو السلم والاستقرار الأهلي والعمل على صياغة دستور مدني يعامل كل السوريين رجالاً ونساءً ومن كل المكونات على أساس واحد”.
واستقبل الحراك قيادياً في “الهيئة” أطلق وعوداً بتحقيق الحرية التامة والمكفولة للجميع، مصححاً اللغط الذي يدور بين الناس وخوفهم المفرط من حكم الإسلاميين.
حكومة الإنقاذ؟
وكانت “حكومة الإنقاذ” قد تشكلت بعد أيام قليلة عقب دخول الثوار مدينة دمشق وإخراج المعتقلين من السجون والمعتقلات وأقبية فروع الأمن والأجهزة الاستخباراتية. ومن الملاحظ أن الحكومة الجديدة التي تنتهي صلاحياتها بعد ثلاثة أشهر خلت تماماً من التنوع السياسي علاوة على عدم تمثيل المرأة. وتقول القيادة العسكرية العامة إن تلك الحكومة أتت لتسيير الأمور ومن بعدها تتشكل حكومة جديدة تحرص على التنوع.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
دور المرأة
في المقابل أثار تصريح المتحدث الرسمي باسم الإدارة السياسة التابعة لإدارة العمليات العسكرية في سوريا، عبيدة أرناؤوط، عن دور المرأة، موجة من الجدل والانتقادات الواسعة، إذ اعتبر في تصريحات صحافية أن “كينونة المرأة وطبيعتها لا تتناسب مع كل الوظائف مثلاً وزارة الدفاع”، مما زاد من توجس الناس والنشطاء في المجتمع المدني من فرض قوانين وقرارات تحد من الحريات العامة، على رغم تطمينات ما زال يحافظ على بثها زعيم هيئة تحرير الشام، أحمد الشرع الملقب بـ “أبي محمد الجولاني” بكفالة دور المرأة في المجتمع وصون حقوقها.
وبالعودة إلى حراك تجمع الشباب المدني، تحدث المؤرخ الموسيقي يوسف الجادر، المشارك بالحراك، عن أهمية الحضور والمشاركة، “لأننا متعطشون لأية مبادرة بعد الخروج من النفق المظلم، نحتاج إلى النور ومتفائلون بأنه بسواعد الجميع سنبني سوريا الجديدة والحرة بعد الخلاص من الكابوس الذي كان يضغط على المثقفين وكل الناس”.
تشكيك بالحراك
ومع ذلك لم يخل هذا التحرك المدني من انتقادات لاذعة طاولته وشككت به، إذ وصف بعض رواد وسائل التواصل الاجتماعي بعض من شارك به بـ “الشبيحة” أو بفلول النظام السابق، واعتبر بعضهم أن السماح بهذا التظاهر سيخلق نوعاً من التمادي. وأورد ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي صوراً لمنشورات بعض المشاركين بالتجمع تحوي تحريضاً على قتل المدنيين. ورد ناشطون من الحراك بأن حق التعبير عن الرأي مكفول لكل المواطنين. وأضاف أحدهم أن “مشاركة بعض ممن وصفوا بالشبيحة لا تلغي ضرورة الحراك المدني ومطالبه, لقد شاهدنا كثيراً من المعارضين من الداخل والخارج وقفوا بهذا التجمع يطالبون بحقوقهم المدنية”.
من جهته، أعلن رئيس الائتلاف الوطني السوري المعارض، هادي البحرة، عن عدم لقائه مع أحد من غرفة العمليات العسكرية في دمشق، بل إنه يوجد تواصل مع مقربين منهم في دمشق. وطالب البحرة في مؤتمر صحافي بضرورة ضمان حرية التعبير، مضيفاً أنه “ينبغي تشكيل حكومة ذات صدقية ولا تقصي أي أحد ولا تقوم على أساس طائفي”.
في المقابل، طالب الشرع بضرورة تسهيل عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم ورفع العقوبات الدولية خلال لقاء دبلوماسيين غربيين. وتحدث في بيان “عن خطط لحل الفصائل التي تقودها هيئة تحرير الشام وانضواء مقاتليها تحت راية وزارة الدفاع”، مؤكداً أن “الجميع سيكون تحت القانون”.
نقلاً عن : اندبندنت عربية