في وقت تدور المعارك هذه الأيام بين الجيش السوداني وقوات “الدعم السريع” داخل مدينة الخرطوم بحري شمال العاصمة الخرطوم، مما أجبر السلطات المحلية على إخلاء السكان من بعض أحيائها الملتهبة، فضلاً عن فرض الجيش حصاراً على مدينة ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة، بات واضحاً أن الفترة المقبلة ستشهد تحولاً كبيراً على صعيد العمل العسكري، وبخاصة محوري الخرطوم والجزيرة.
صورة تبدو واضحة في ضوء ما يجري من عمليات وتجهيزات من ناحية العتاد العسكري والقوة البشرية، إذ أكد قائد الجيش السوداني عبدالفتاح البرهان أمام حشد من المقاتلين في منطقة الغر بولاية القضارف تجهيز 30 قوة متحركة لاسترداد كل أراضي البلاد من ميليشيات “الدعم السريع”. إذا كيف ينظر المراقبون العسكريون لسير العمليات الدائرة حالياً بين طرفي الحرب، وإمكان بسط الجيش السوداني سيطرته على الخرطوم وود مدني؟
توازن الضعف
عضو القيادة المركزية العليا للضباط وضباط الصف والجنود السودانيين المتقاعدين “تضامن” العميد وليد عز الدين عبدالمجيد قال “في تقديري أن طرفي الحرب بعد مرور 20 شهراً من القتال وصلا إلى مرحلة توازن الضعف، وكان الجيش السوداني منذ اليوم الأول لاندلاع الحرب في وضع المدافع وعملياته الهجومية محدودة لقلة المشاة، لذلك اعتمد على قوة الطيران بصورة أساس وهي بلا شك تعد قوة تدميرية هائلة، وبالفعل أحدثت خسائر كبيرة وسط قوات ’الدعم السريع‘ إلا أن ذلك لم يحقق تقدماً على الأرض، واستطاعت الأخيرة (أي الدعم) والتي تتميز بكونها قوات خفيفة الحركة وتتمتع بمرونة عالية في المناورة والسيطرة على الأرض”.
ورأى عبدالمجيد “أن قوات ’الدعم السريع‘ تدربت على حرب العصابات وهي من الحروب الخاصة ومن أهم مبادئها (اضرب لتحدث أكبر الخسائر وانسحب)، من ثم أصبحت هذه القوات لفترة طويل بمثابة قوات المشاة في الجيش السوداني وكانت تقوم بكل العمليات البرية وتحارب الحركات المسلحة في دارفور ومناطق أخرى، ويدعمها الجيش بالطيران والمدفعية الثقيلة والمتوسطة، لكن الآن اختلفت المهام والأدوار وباتت تلك القوات تحدث أكبر الخسائر وتتمسك بالأرض”.
ومضى في حديثه “لكن نلحظ أن الجيش بدأ في تغيير تكتيكاته وحشد المشاة لتحقيق بعض الأهداف والسيطرة على مناطق حيوية تمكنه من امتلاك المبادرة والتقدم إلى أهداف مدروسة، من ثم في حال وفر لمشاته والقوات التي حشدها التدريب الكافي والتسليح الذي يناسب مثل هذا النوع من الحروب، فضلاً عن تفعيله العمل الاستخباراتي الذي هو أساس هذه المعارك والذي تُبنى عليه التحركات، ثم كثف غارات الطيران الحربي لأهميته من ناحية رصد وشل التحركات في حالات الفزع والمناورة، فإن الجيش هنا يمكنه تحقيق تقدم في ولايتي الجزيرة والخرطوم”.
وأضاف “يجب علينا ألا نسقط دور القوى الإقليمية وتدخلاتها وتقاطعاتها وتأثيرها في مجريات المعارك وعلى طرفي الحرب وما يجري في البلاد، وهذا عامل مهم في اختلال توازن القوى وما نشاهده على مسرح العمليات يقودنا إلى القول إن القوتين المتحاربتين وصلتا إلى مرحلة توازن الضعف على رغم أن أياً منهما يجتهد في السيطرة على منطقة استراتيجية لدعم موقفه التفاوضي والذي لا مناص منه”.
وعدَّ عضو القيادة المركزية العليا للضباط وضباط الصف والجنود السودانيين المتقاعدين “أن الجيش السوداني يركز على ولايتي الخرطوم والجزيرة، في حين تكثف ’الدعم السريع‘ من عملياتها في دارفور وهنا مكمن الخطورة وإشارات تقسيم السودان واحتمالية تدخل دول الجوار في هذه الحرب بصورة مباشرة وسافرة من دون أية مواربة، لذلك طالبت القيادة المركزية العليا للضباط وضباط الصف والجنود المتقاعدين منذ أول يوم لاندلاع الحرب، قيادة طرفي الصراع بالنظر إلى ما آلت إليه الأمور في الوطن من دمار وفقدان للأرواح ونزوح مزر، فضلاً عن تحكيم صوت العقل ورفع وتيرة الحس الوطني من خلال التفاوض لإنقاذ ما يمكن إنقاذه ونجدة المحتاجين وكسر حال العوز والتشرد التي يعيشها المواطن والوطن المقهور بهذه الحرب الكارثية”.
إسناد شعبي
من جانبه، قال الباحث في مركز الخرطوم للحوار اللواء الرشيد معتصم مدني إنه “من الواضح أن موازين القوة في محاور القتال كافة أصبحت لمصلحة الجيش، نظراً إلى نجاحه في تقطيع أوصال القوات المتمردة وفصلها عن بعضها والقضاء على هذه الجيوب بصورة متدرجة وناجحة، وبالفعل أثبتت هذه الخطة نجاحها في تحرير مدن وقرى ولايتي سنار والنيل الأزرق، وبدأ الجيش في سد المنافذ على مدينة ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة بعد تأمين ظهره وطرق إمداده”.
وذكر مدني “الأمر الملاحظ الآن أن رصيد الجيش من المقاتلين في حال ازدياد يومي سواء من المتطوعين أو المقاتلين المحترفين الذين تم تخريجهم أثناء الحرب، كما أنه يقاتل بروح معنوية عالية ويجد إسناداً شعبياً كبيراً، إذ أصبحت قوات ’الدعم السريع‘ في نظر السودانيين عنواناً لمشروع خارجي لا يشكل مصلحة وطنية ويهدد الوجود القاري للسودان كدولة وعيشهم في وطنهم بكرامة، فضلاً عن أنها تعاني حال استنزاف كبير لقواتها بسبب الممارسات غير الأخلاقية من ناحية الانتهاكات المتكررة، وفقدها عدداً كبيراً من المقاتلين أثناء المعارك، وهرب بعض لعدم وجود الحوافز من المال والمقتنيات الخاصة والعامة، إضافة إلى حال الانكسار التي تعيشها هذه الميليشيات”.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأشار الباحث في مركز الخرطوم للحوار إلى أن قوات “الدعم السريع” اتجهت خلال الفترة الأخيرة إلى استخدام سلاح المسيرات بكثافة خارج الميدان العسكري المباشر، وذلك بضرب بعض المواقع المدنية لإحداث أثر نفسي يمكنها من الضغط على الجيش والمواطنين، لكن لا أعتقد أن عاملي الوقت والواقع المتغير سيسعف خططها التي لا تراعي قواعد الاشتباك والقيم المتبعة أثناء الحروب وأبرزها حماية المدنيين، ومن دون أدنى شك أن بداية عام 2025 سيشهد تطوراً كبيراً في ما يخص الحرب في ولايتي الخرطوم والجزيرة”.
مرحلة تجييش
وبدوره، أوضح المحلل الاستراتيجي اللواء عبدالغني عبدالفراج عبدالله “أنه في الحقيقة أن الجيش السوداني حقق خلال الآونة الأخيرة نجاحات كبيرة في الميدان العسكري، لتنفيذه الخطط المحكمة وما تتطلبه من حاجات، فضلاً عن تجهيز أرض المعركة ومعرفة نقاط قوة وضعف العدو، وهو ما أسهم في استرداده منطقتي جبل موية وسنجة بولاية سنار، إذ اتبع أسلوب الحصار وإغلاق منافذ الإمداد، مما جعل القوات المتمردة بين خياري الاستسلام أو الهرب، إضافة إلى حال التضعضع التي تشهدها نتيجة الهزائم المتلاحقة والمتكررة وانسحابها من مواقع عدة، فضلاً عما تعرضت له من ضعف الروح المعنوية”.
وتابع “أما في ما يتعلق بتوازن القوى من ناحية العنصر البشري والتسليح نجد أن المقارنة معدومة تماماً، إذ تميل الكفة لمصلحة الجيش فالطيران الحربي يمثل قوة تدميرية هائلة، إضافة إلى المسيرات والدروع والمدفعيات وحاملات الجنود. الآن البلاد في مرحلة تجييش كاملة لكل قادر على حمل السلاح وما تم خلال الـ20 شهراً الماضية من عمر الحرب عبارة عن بطولات حقيقية سيسطرها التاريخ للأجيال المقبلة”.
وزاد “في اعتقادي أن الحرب السودانية في نهاياتها حالياً وكل الجهود توجه الآن لاسترداد كل من العاصمة الخرطوم وحاضرة ولاية الجزيرة ود مدني، وهي المعركة الفاصلة التي أُعدَّ لها بصورة جيدة، إذ يجري حالياً حصار الميليشيات داخل الجزيرة وتحطيمها بحيث لا ينجو أحد منها، فضلاً عن العمليات المستمرة في مدينة الخرطوم بحري والتي أحرز فيها الجيش تقدماً كبيراً في كل المحاور”.
ونبه إلى أن “أحد عوامل نجاح القوات المسلحة السودانية بما فيها المستنفرون والقوات النظامية الأخرى والمشتركة أنهم نالوا قدراً كبيراً من التدريب ورفع اللياقة البدنية، مما جعلهم يخوضون المعارك بثقة عالية إضافة إلى وصول أسلحة متطورة وأحدث الطائرات المقاتلة والمسيرة، والسيطرة على السيادة الجوية الكاملة من دون أن يكون هناك خطر من المضادات الأرضية التي حُيدت تماماً، وهذه ميزة يفتقدها العدو مما أدى للانتصارات المتلاحقة للقوات السودانية”.
نقلاً عن : اندبندنت عربية