تبدأ أنظمة الذكاء الاصطناعي في تشكيل مجتمعات عندما تُترك لتتفاعل بحرية، بحسب ما كشفه باحثون متخصصون. فعندما تتواصل هذه الأنظمة ضمن مجموعات، تتمكن من تنظيم نفسها وتطوير معايير لغوية جديدة تشبه إلى حد كبير تلك التي تظهر في المجتمعات البشرية.

في دراسة حديثة، بحث العلماء في التفاعل بين النماذج اللغوية الكبرى للذكاء الاصطناعي، مثل التقنية المستخدمة في “تشات جي بي تي” وغيرها من الأدوات الذكية. وهدف الدراسة هو استشراف المستقبل الذي قد تملؤه أنظمة الذكاء الاصطناعي المتعددة التي تتفاعل وتتحدث مع بعضها البعض عبر الإنترنت.

وقال أرييل فلينت آشيري، الباحث في جامعة “سيتي سان جورج” والمشارك في الدراسة، إن معظم الأبحاث السابقة تعاملت مع النماذج اللغوية بشكل منفرد، أما في العالم الحقيقي فهناك عدد متزايد من الوكلاء الأذكياء مثل “سيري” و”آليكسا” و”مانوس” الذين يعملون معًا.

وأشار إلى أن الدراسة هدفت إلى معرفة ما إذا كانت هذه الأنظمة قادرة على التنسيق فيما بينها عبر تشكيل اتفاقات، وهي الأساس في بناء المجتمعات، وكانت النتيجة إيجابية، حيث أظهرت النماذج أنها تستطيع التوافق على سلوكيات معينة والعمل كجماعة متكاملة، وليس فقط كأفراد مستقلين.

لفهم كيفية تكون هذه المجتمعات، استخدم الباحثون نموذجاً يُعرف بـ”لعبة التسمية”، حيث يُطلب من وكلاء الذكاء الاصطناعي اختيار اسم من بين خيارات متعددة، ويتم مكافأتهم إذا اتفقوا جميعًا على نفس الاسم. مع مرور الوقت، بدأت الأنظمة تتبنى توافقات لغوية جديدة بشكل تلقائي، كما يحدث في المجتمعات البشرية، دون أي تنسيق مسبق أو تخطيط.

كما لاحظ الباحثون ظهور تحيزات مشتركة بين هذه الأنظمة ناتجة عن تفاعلاتها الجماعية، وليس من مصدر واحد، وهو أمر لم يكن معروفًا بشكل كافٍ في أبحاث الذكاء الاصطناعي المتعلقة بالسلامة.

وأثبتت الدراسة أن مجموعات صغيرة من الوكلاء يمكنها أن تؤثر على مجموعة أكبر نحو تبني سلوك معين، وهو نمط مشابه لما نراه في المجتمعات البشرية.

ويرى الباحثون أن هذه النتائج تساعد على فهم أوجه التشابه والاختلاف بين البشر وأنظمة الذكاء الاصطناعي، خاصة مع زيادة تفاعل هذه الأنظمة عبر الإنترنت بطريقة قد لا نكون مدركين لها.

وفي تصريح للبروفيسور أندريا بارونتشيللي، مؤلف الدراسة، قال: “تفتح هذه الدراسة آفاقًا جديدة لفهم تحديات أمان الذكاء الاصطناعي وتسلط الضوء على تداعيات ظهور هذا النوع الجديد من الوكلاء الذين بدأوا يتفاعلون معنا ويشاركوننا في تشكيل مستقبلنا.”

وأضاف: “فهم كيفية عمل وكلاء الذكاء الاصطناعي هو مفتاح العيش المشترك معهم، بدلاً من أن نكون مجرد أدوات في نظامهم. نحن نتجه نحو عالم لا يقتصر فيه الذكاء الاصطناعي على التحدث فقط، بل يتفاوض ويتحالف، وقد يختلف أحيانًا حول سلوكيات مشتركة، تمامًا كما نفعل نحن البشر.”

نُشرت نتائج هذه الدراسة في مجلة “ساينس أدفانسيس” (Science Advances) تحت عنوان: “توافقات اجتماعية وانحيازات جمعية تنبثق بين مجاميع النماذج اللغوية الكبرى” (Emergent Social Conventions and Collective Bias in LLM Populations).