في توقيت دقيق وحافل بالمتغيرات الإقليمية، جاءت جولة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى قطر والكويت لتؤكد مجددًا قدرة القاهرة على قراءة المشهد السياسي بدقة، وتوظيف المتغيرات لخدمة مصالحها الاستراتيجية. مصر لم تعد مجرد عنصر فاعل في المعادلات الإقليمية، بل تحولت إلى مركز ثقل يعاد حوله ترتيب أوراق المنطقة.

ففي الوقت الذي كانت فيه قطر لعقود جزءًا من مشروع تغذية الفوضى عبر دعم جماعات الإسلام السياسي، وعلى رأسها جماعة الإخوان، استطاعت القيادة المصرية أن تُعيد صياغة العلاقات مع الدوحة بشكل تدريجي ومدروس، لتتحول اليوم إلى شريك فاعل في الجهود المبذولة لوقف إطلاق النار في غزة، بالتنسيق مع القاهرة. هذا التحول لم يكن عفويًا، بل جاء ثمرة لرؤية مصرية طويلة المدى، أدارت الخلافات بحكمة حتى تحولت الخصومة إلى تعاون مشترك.

أما الكويت، التي شاب علاقتها بمصر بعض الفتور خلال السنوات الماضية، فقد استعادت موقعها التاريخي كحليف استراتيجي. الزيارة الرئاسية الأخيرة أعادت دفء العلاقات، وفتحت آفاقًا جديدة للتعاون السياسي والاقتصادي، في تأكيد على مكانة مصر كضامن للاستقرار في المنطقة.

ولا يمكن تجاهل الزخم السياسي الذي ولدته زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى القاهرة، والتي مثلت لحظة فارقة في علاقات مصر مع القوى العالمية. الاستقبال الرسمي الرفيع وما أعقبه من حوار سياسي عميق، أكد على أن القاهرة باتت تحظى بثقل دولي يحترمه الحلفاء، وتهابه الخصوم.

الملف الفلسطيني كان أيضًا في صدارة محادثات السيسي في الخليج، لا سيما في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي على غزة. المبادرة المصرية لوقف إطلاق النار، وما تبعها من تنسيق مع قطر، جسدت قدرة القاهرة على استثمار علاقاتها مع كافة الأطراف الفلسطينية، وتوظيفها لتحقيق تسوية سياسية في ظل غياب الإرادة الدولية.

اقتصاديًا، كشفت الزيارة عن التزام قطري وكويتي بضخ استثمارات ضخمة في السوق المصري، خاصة في مجالات الطاقة، والبنية التحتية، والعقارات. هذه الخطوة تعكس الثقة في الاقتصاد المصري، وتؤكد استمرارية التعاون الخليجي – المصري في ظل التحديات الاقتصادية العالمية الراهنة.

باختصار، الجولة الخليجية للرئيس السيسي لم تكن مجرد زيارات بروتوكولية، بل محطة محورية في مسار السياسة الخارجية المصرية. دبلوماسية هادئة ولكن فاعلة، تؤكد أن مصر استعادت مكانتها كقوة إقليمية مؤثرة، وقادرة على صياغة معادلات جديدة في الشرق الأوسط، أساسها الاستقرار والتعاون المشترك.