تضمن قرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب بفرض تعريفات جمركية مرتفعة على كندا والمكسيك (أعلن أمس الإثنين تعليقها لمدة 30 يوماً) والصين تعديلاً مهماً وغير ملحوظ على كيفية فرض الضرائب على المشتريات عبر الإنترنت عند دخولها إلى الولايات المتحدة.
أحد بنود الأمر التنفيذي لترمب سيزيد الكلفة على أكثر من 80 في المئة من واردات التجارة الإلكترونية الأميركية، وهو ما قد يعيد تشكيل المشهد أمام البائعين الصينيين مثل “شين” و”تيمو”، اللذين توسعا بسرعة في السوق الأميركية من خلال إرسال بضائع منخفضة الكلفة.
وألغى الأمر الرئاسي ثغرة استغلتها عديد من الشركات في السنوات الأخيرة، لا سيما منذ أن فرض ترمب تعريفات جمركية على المنتجات الصينية خلال ولايته الأولى، وهذه الثغرة، المعروفة باسم “إعفاء الحد الأدنى”، والذي سمحت لبعض المنتجات التي ترسل مباشرة إلى المستهلكين عبر المنصات الإلكترونية بالدخول إلى الولايات المتحدة من دون مواجهة رسوم جمركية، مما منح هذه الشركات ميزة ضريبية ضخمة.
هذا الإعفاء مكَّن “شين” و”تيمو” وعديدا من البائعين على “أمازون” من تجنب الرسوم الجمركية، إذ يسمح لهم بشحن الطرود من الخارج من دون دفع ضرائب ما دامت قيمة الشحنات لا تتجاوز 800 دولار لكل مستلم يومياً.
لكن المنتقدين يقولون إن هذا الإعفاء أسهم أيضاً في تأجيج أزمة المخدرات في الولايات المتحدة، إذ لا يطلب من المستوردين الذين يستخدمون إعفاء الحد الأدنى تقديم القدر نفسه من المعلومات إلى هيئة الجمارك وحماية الحدود الأميركية مقارنة بالشحنات الأخرى، مما يجعل من السهل شحن المخدرات والمواد الأولية المستخدمة في تصنيعها إلى الولايات المتحدة من دون أن ترصدها الحكومة.
ويعود الإعفاء ذاته إلى قانون تجاري عمره قرن، وكان في الأصل مخصصاً للشحنات الصغيرة التي لا تستدعي تدقيق الجمارك، لكن استخدامه ازداد بصورة هائلة مع تطور التجارة الإلكترونية.
وأظهر تقرير صدر الأسبوع الماضي عن خدمة أبحاث الكونغرس أن صادرات الصين من الطرود منخفضة القيمة قفزت إلى 66 مليار دولار في 2023 من 5.3 مليار دولار في 2018. وعلى رغم أن الأمر التنفيذي لترمب ينطبق على الصين وكندا والمكسيك، فإن الصين تعد المصدر الأكبر لهذه الطرود، إذ تمثل نحو ثلثي إجمال هذه الطرود، مع إرسالها أكثر من جميع الدول الأخرى مجتمعة، وفقاً للإحصاءات الفيدرالية.
منح الإعفاء ميزة كبيرة لشركات صينية مثل “شين” و”تيمو”، اللتين تشحنان ملايين الطرود منخفضة القيمة مباشرة إلى أبواب المستهلكين كل عام، في حين ساعدت هذه القدرة على تجاوز الرسوم الجمركية “شين” و”تيمو” على تقديم أسعار رخيصة، مما عزز شعبيتهما. ووفقاً لخدمة أبحاث الكونغرس، تمتلك الشركتان معاً نحو 17 في المئة من سوق التجارة الإلكترونية منخفضة الكلفة في الولايات المتحدة، في مجالات مثل الأزياء السريعة والألعاب وغيرها من السلع الاستهلاكية.
هذا الأمر أغضب بائعي التجزئة التقليديين، الذين عادة ما يشحنون بضائع كبيرة إلى مستودعاتهم، إذ يتعين عليهم دفع الرسوم الجمركية عليها. وكانت شركات مثل “وولمارت” و”أمازون” تحت ضغط للتحول أكثر نحو نموذج “تيمو” و”شين”، الذي يشحن السلع مباشرة إلى المستهلكين من الصين، وهو ما كان يعني تقليص خلق فرص العمل في مراكز التوزيع في الولايات المتحدة.
استثناء “ديمي نيماس” التجاري
أعربت شركات التوصيل السريع مثل “فيدكس” و”يو بي أس”، التي تشحن عديداً من الطرود عبر المحيط الهادئ من الصين، عن تأييدها للإبقاء على استثناء “ديمي نيماس”، لكن إدارة ترمب تركز على استهداف استثناء “ديمي نيماس” بسبب سبب آخر، وهو علاقاته الواضحة بتجارة الفنتانيل المخدر، وقال مسؤول في البيت الأبيض خلال مكالمة مع صحافي السبت الماضي إن هذه الاستثناءات تسببت في فقدان الولايات المتحدة لعائدات جمركية ضخمة، وتعوق جهود المسؤولين الجمركيين في الكشف عن شحنات الفنتانيل التي تصل عبر الطرود.
وأرسلت مجموعة من السلطات القانونية، وشركات التجارة، ومجموعات مكافحة المخدرات رسالة إلى ترمب الشهر الماضي، طالبة منه إنهاء هذا الاستثناء التجاري، قائلة إنه “يغرق الولايات المتحدة بالفنتانيل، وسوابق الفنتانيل، وآلات ضغط الحبوب، وغيرها من السلع غير المشروعة من الصين ودول أخرى”.
كانت القضية تتفاعل منذ سنوات، لكن الجهود للحد من أو إنهاء هذا الاستثناء اكتسبت زخماً أخيراً، وكان المشرعون ينظرون في تشريعات لتعديل قاعدة “ديمي نيماس”، واقترحت إدارة بايدن تغييرات العام الماضي من شأنها تضييق الاستثناء عندما يتعلق الأمر بالصين، لكن هذه التغييرات لم تدخل حيز التنفيذ بعد.
كانت المقترحات التشريعية لتغيير استثناء “ديمي نيماس” ستحتفظ بإعفاء للمسافرين الدوليين الذين يحملون مشتريات بقيمة تصل إلى 800 دولار من الخارج إلى الولايات المتحدة في أمتعتهم، مما يتيح لهم تجنب تقديم التصريحات الجمركية ودفع الرسوم في المطارات الأميركية ونقاط الدخول الأخرى إلى الولايات المتحدة.
في المقابل، لم تتضمن الأوامر التنفيذية للرئيس الأميركي أي إشارة إلى الحفاظ على إعفاء “ديمي نيماس” للأشخاص الذين يدخلون إلى الولايات المتحدة، وبناءً على كيفية تعامل مسؤولي الجمارك مع ذلك قد يعقد الأمر دخول الأشخاص إلى الولايات المتحدة بدءاً من اليوم، إذا كانوا مسافرين من كندا أو المكسيك أو الصين.
لم يكن لدى وزارة التجارة الصينية أي رد الإثنين الماضي على الأسئلة المتعلقة بقرار ترمب. ولم ترد “شين” و”تيمو” على طلبات التعليق من الصحيفة. وقال متحدث باسم السفارة الصينية إن الصين تعارض بشدة فرض الرسوم الجمركية، وأنه لا يوجد فائز في حرب تجارية.
ورفع الكونغرس حد إعفاء “ديمي نيماس” عام 2016 إلى 800 دولار من 200 دولار استجابة لشكاوى من مسؤولي الجمارك الأميركيين الذين كانوا يكافحون لفحص جميع الحزم الواردة، ومع زيادة الإعفاء، ارتفع عدد الحزم ذات القيمة المنخفضة المرسلة إلى الولايات المتحدة كل عام بصورة كبيرة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ونظراً إلى أن عديداً من الأميركيين يشترون مثل هذه الحزم، فإن التغيير سيترتب عليه أيضاً كلفة اقتصادية. وأظهرت الأبحاث أن إلغاء استثناء “ديمي نيماس” بالكامل قد يؤدي إلى كلفة تراوح ما بين 11 و13 مليار دولار للمستهلكين الأميركيين، وأنه سيؤثر بصورة غير متناسبة على الأسر الفقيرة والأقليات.
“100 مليار دولار من التجارة لن تختفي”
وقال المتخصص في الشأن الاقتصادي في جامعة ييل أميت خاندلوال ومؤلف دراسة حول هذه القاعدة التجارية إن أبحاثه أظهرت أن الأميركيين ذوي الدخل المنخفض ينفقون جزءاً غير متناسب على شحنات ديمي نيماس والواردات من الصين مقارنة بالمستهلكين الأكثر ثراءً. وأضاف، “سيتأثر الأفراد ذوي الدخل المنخفض أكثر”، مشيراً إلى أن “تجار التجزئة المحليين والمنتجين المحليين بالطبع سيستفيدون من فرض الضرائب على هذه الواردات، لكن هناك كلفة”.
وقال الرئيس التنفيذي لشركة “ديفيدز برايدال” جيم ماركوم إن تعليق استثناء “ديمي نيماس يعد إيجاباً صافياً للشركات الأميركية لأنه سيسهم في تسوية ساحة اللعب”.
وفي العام الماضي دفعت “ديفيدز برايدال” متوسط رسوم جمركية بلغ 23.5 في المئة، في حين تمكن منافسوها الذين يتخذون من الصين مقراً لهم والذين يشحنون مباشرة إلى العملاء من تجنب ذلك، وإذا مضى ترمب قدماً في فرض رسوم إضافية بنسبة 10 في المئة على المنتجات الصينية، فإن “ديفيدز برايدال”، التي تحصل على نحو نصف ملابسها من الصين، ستضطر لدفع رسوم جمركية بنسبة 33.5 في المئة، لكن الآن سيضطر منافسوه أيضاً إلى دفع هذه الرسوم. وأضاف، “أعتقد أن تسوية ساحة اللعب هذه أمر رائع للأعمال التجارية الأميركية، وأعتقد أنه على المدى الطويل، سيساعد ذلك الاقتصاد”.
من جانب آخر سيؤدي إنهاء استثناء “ديمي نيماس” إلى حدوث تغيير مثير آخر، وهو أنه ستزداد الأرقام الرسمية للتجارة بين الولايات المتحدة والصين، وكما سيزداد عجز التجارة الأميركي على الفور، إذ لا تظهر شحنات “ديمي نيماس” في البيانات التجارية التقليدية التي تنشر من قبل إدارة التعداد الأميركي.
وقال المتخصص في الشأن الاقتصادي في مجلس العلاقات الخارجية براد و. سيترسر، “سيعني هذا أن نحو 100 مليار دولار من التجارة لن تختفي بعد الآن من الإحصاءات الرسمية، وسيعيد هذا التجارة الخفية إلى الضوء”.
نقلاً عن : اندبندنت عربية